فالواجب على جميع الأمة العناية بالقرآن، وتدبره، والعمل بما فيه، وبما صحَّت به السنة عن رسول الله ﷺ، هذا هو الواجب على الجميع، رجالًا ونساءً؛ أن يتَّقوا الله، وأن يعملوا بالقرآن والسنة، والنبي ﷺ لما حجَّ في هذا اليوم توجَّه إلى عرفات من منى بعد طلوع الشمس، ونزل بنمرة، فلما زالت الشمس خطب الناس وذكَّرهم كما سمعتُم في خطبة الشيخ عبدالعزيز، ذكَّر الناس بعد زوال الشمس، خطب الناس وذكَّرهم، وأخبرهم أنَّ الله حرَّم عليهم دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وأوصاهم بالنساء خيرًا، كل هذا وقع منه عليه الصلاة والسلام، وأوصاهم بالقرآن أن يتمسَّكوا به، وأخبرهم أنهم لن يضلوا إذا تمسكوا بالقرآن، وقال: إنَّكم تُسألون عني يوم القيامة، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلَّغتَ وأديتَ ونصحتَ عليه الصلاة والسلام، ونحن نشهد بذلك؛ أنه قد بلَّغ ونصح وأدَّى عليه الصلاة والسلام.
ثم بعدما صلَّى الظهر والعصر بأذانٍ واحدٍ وإقامتين جمعًا وقصرًا توجَّه إلى الموقف ووقف في موقفه عليه الصلاة والسلام، مستقبل القبلة، يدعو الله ويذكره، ويرفع يديه، حتى غابت الشمس، ويقول ﷺ: وقفتُ هاهنا وعرفة كلها موقف، عرفة كلها موقف، ويقول: الحج عرفة، فمَن أدرك عرفة بليلٍ فقد أدرك الحجَّ، فلا يفوت الحج إلا بطلوع الفجر ليلة النحر، مَن أدرك عرفة بليلٍ أدرك الحج، ولكن الأفضل أن يتوجه إلى عرفات في النهار بعد صلاة الجمع، ثم يقف إلى غروب الشمس، هذا هو الذي فعله النبي ﷺ، وهذا هو الأفضل، ومَن جاءها في الليل ووقف في الليل أدرك الحج أيضًا.
ثم بعدما غابت الشمس توجَّه إلى مُزدلفة، وأوصى الناس بالهدوء والسَّكينة وعدم العجلة؛ حتى لا يضرَّ بعضُهم بعضًا، فلما وصل مُزدلفة صلَّى بها المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا بأذانٍ واحدٍ وإقامتين، ثم نام عليه الصلاة والسلام، فلما طلع الفجر صلَّى الفجر مبكرًا بعد طلوع الفجر واتِّضاحه بأذانٍ وإقامةٍ، وصلى سنتها الراتبة، ثم وقف بعد ذلك بالمشعر الحرام يذكر الله ويدعو حتى أسفر، فلما أسفر قبل طلوع الشمس توجَّه إلى مُزدلفة عليه الصلاة والسلام والناس مُلبيًا، وأمر الضُّعفاء أن يتقدموا في آخر الليل، ضعفة الناس: الكبار - كبار السن - والنساء والأولاد أمرهم أن يتوجَّهوا إلى منى في آخر الليل، وهذا هو الأفضل إذا تيسر ذلك؛ أن يتقدم الضَّعفة من كبار السن والنساء والأولاد ومَن معهم، أن يتوجَّهوا في آخر الليل إلى منى قبل حطمة الناس، فإذا وصلوا إلى منى رموا الجمرة إذا شاءوا، ومَن أحبَّ أن يبقى حتى تطلع الشمس ويرمي بعد طلوع الشمس فهذا أفضل، ومَن رمى في آخر الليل أجزأه ذلك، ومَن ذهب إلى مكة وطاف أجزأه ذلك.
والسنة يوم العيد أن يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق أو يقصر، ثم يطوف ويسعى، هذه هي السنة التي فعلها النبي ﷺ: رمى، ثم نحر، ثم حلق، ثم طيبته عائشة، ثم ذهب للبيت وطاف عليه الصلاة والسلام، هذا هو الأفضل: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف، وإذا رمى وحلق أو قصَّر حصل التَّحلل الأول؛ يلبس المخيط، ويُغطي رأسه، ويتطيب الرجل والمرأة، حصل التحلل الأول، فإذا فعل بعد ذلك الطواف والسعي إن كان عليه سعي تمَّ الحلُّ كله، حلَّ له كل شيء حرم عليه بالإحرام حتى النساء، إذا رمى وحلق وطاف بالبيت وسعى إن كان عليه سعي: كالمتمتع عليه سعي ثانٍ، وهكذا القارن والمفرد إذا كانا لم يسعيا مع طواف القدوم، عليهما السعي مع طواف الإفاضة.
وفي هذا أنَّ يوم العيد ليس فيه إلا رمي جمرة واحدة: جمرة العقبة، يرميها كل حاجٍّ بسبع حصيات، كل حصاةٍ مثل حصى الخذف، مثل: بعر الغنم الذي ليس بالكبير، سبع من منى أو من مُزدلفة، يلتقطها من أي مكانٍ، ويُكبر مع كل حصاةٍ، وإذا كان وكيلًا رمى عن نفسه، ثم رمى عن موكله سبعًا أيضًا، يُكبر مع كل حصاةٍ، ثم ينصرف بعد ذلك إلى ..... كما فعل النبيُّ ﷺ ينحر الهدي، سواء هدي واجب أو تطوع، ثم الحلق والتقصير بعد ذلك، وإن حلق قبل أن يذبح فلا بأس، والأفضل الحلق في حقِّ الرجل، وإن قصَّر كفاه، لكن يُقصر من جميع الرأس، والمرأة تُقصر من أطراف الشعر ..... قليل بعد الرمي، هذا هو الأفضل.
وإذا حلق بعد الرمي حلَّ له كل شيءٍ حرم عليه بالإحرام إلا النساء، والمرأة كذلك إذا رمت وقصَّرت حلَّ لها كل شيءٍ حرم عليها بالإحرام إلا الزوج، فإذا رمى الإنسان وحلق وطاف وسعى - إن كان عليه سعي - حصل الحلُّ كله.
وفي اليوم الحادي عشر والثاني عشر في رمي الجمار، في اليوم الحادي عشر يرمي الجمار الثلاث: الأولى التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة التي رماها يوم العيد هي الأخيرة، يرمي الأولى بسبع حصيات، يُكبر مع كل حصاةٍ، ثم يرمي عن مُوكله إن كان وكيلًا، ثم يرمي الثانية بسبع حصياتٍ، يُكبر مع كل حصاةٍ، ثم يرمي عن موكله إن كان وكَّله أحد من المستضعفين من كبار السن أو المرضى، أو إن كان معه أطفال حجَّ عنهم.
والأفضل إذا رمى الأولى أن يتقدم ويجعلها عن يساره ويدعو الله، يرفع يديه ويدعو كما فعل النبي ﷺ، وإذا رمى الثانية يجعلها عن يمينه ويتقدم عن زحمة الناس، يرفع يديه ويدعو مستقبل القبلة، هذا هو الأفضل بعد الأولى والثانية؛ إذا رمى الأولى تقدم وجعلها عن يساره ورفع يديه واستقبل القبلة ودعا، وإذا رمى الثانية كذلك يجعلها عن يمينه ثم يتقدم عن الناس ويرفع يديه ويدعو مستقبل القبلة، كما فعل النبي ﷺ، أما الثالثة فيرميها ولا يقف عندها.
وهكذا في اليوم الثاني يرمي الأولى والثانية والثالثة، ويفعل كما فعل في اليوم الأول بعد الزوال، لا يجوز أن يرمي قبل الزوال، بعد الزوال، الجميع بعد الزوال، يرمي الأولى والثانية والثالثة، كل واحدةٍ بسبع حصياتٍ، يُكبر مع كل حصاةٍ.
والرمي يكون في الحوض، ما هو في الشاخص، يرمي الحوض، الشاخص لا يرميه، ما لزوم، الحوض فقط، إذا سقطت في الحوض ولو تدحرجت ما يضرّ، لو تدحرجت وخرجت ما يضرّ إذا رماها في الحوض.
ويدعو الله بعد الأولى والثانية كما فعل في اليوم الأول - في الحادي عشر - إذا رماها في اليوم الثاني عشر، إذا رمى الأولى تقدم وجعلها عن يساره، ورفع يديه ودعا واستقبل القبلة، وإذا رمى الثانية كذلك تقدم وجعلها عن يمينه، ورفع يديه واستقبل القبلة ودعا، كما فعل النبي ﷺ، ثم يرمي الثالثة في اليوم الثاني ولا يقف عندها.
ثم بعد هذا إذا شاء يتعجل اليوم الثاني عشر، إذا أحبَّ أن يتعجل يتعجل في يوم الخميس، هذه السنة، بعدما رمى الجمرة بعد الزوال إذا أحبَّ أن يتعجل قبل غروب الشمس يتعجل إلى مكة، ويطوف للوداع، ثم يُسافر إذا كان قد طاف طواف الإفاضة وسعى - إن كان عليه سعي- ما بقي إلا طواف الوداع.
والحائض والنفساء لا وداع عليهما، إذا كانتا قد طافتا طواف الإفاضة وسعتا كفى، أما إذا كانتا لم تطوفا طواف الإفاضة تبقيا حتى تطهرا ثم تطوفا طواف الإفاضة وتسعيا إن كان عليهما سعي، هذا هو المشروع في هذا المقام.
وبعد الفراغ من أعمال الحج لا يُسافر الحاج إلا بعد الوداع، بعد أن يطوف سبعة أشواط للوداع، وإن كان أخَّر طواف الإفاضة حتى طاف عند الخروج أجزأ عن الوداع، وإن كان معه سعي كذلك يُجزئ عن الوداع، لكن الأفضل أن يطوف ويسعى قبل ذلك، ثم إذا أراد السفر طاف للوداع سبعة أشواط، كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام.
نسأل الله أن يُوفق الجميع، وأن يتقبل من الجميع، وأن يُصلح أحوال المسلمين جميعًا، نسأل الله أن يُصلح أحوال المسلمين جميعًا، ونسأل الله أن يُصلح أُمراءهم، نسأل الله أن يُصلح المسلمين وأُمراءهم، نسأل الله أن يُولي عليهم خيارهم، ويُصلح قادتهم، نسأل الله أن يُوفق ولاة أمرنا لكل خيرٍ، وأن ينصر بهم الحقَّ، وأن يُعيذنا وإياكم وإياهم من مُضلات الفتن، ونسأل الله أن يُصلح أحوال المسلمين، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يُولي عليهم خيارهم، ويُصلح قادتهم.
نسأل الله أن يتقبل من الجميع إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ.
فقد سبق في أول هذه الليلة بيان عمل النبيﷺ في هذا اليوم، وأنه ﷺ بعدما صلَّى الفجر في هذا المكان المبارك انتقل إلى المشعر، واستقبل القبلة، واشتغل بذكر الله والدعاء حتى أسفر جدًّا، هذا هو السنة؛ بعد صلاة الفجر في هذا اليوم يشتغل الناس بالذكر والدعاء، مُستقبلين القبلة، وكان يرفع يديه ويدعو عليه الصلاة والسلام، فالسنة هو هذا الأمر: الاشتغال بالذكر والدعاء بعد صلاة الفجر إلى الإسفار جدًّا كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام وأصحابه ، مستقبل القبلة، مع رفع الأيدي.
فلما أسفر جدًّا توجَّه إلى منى عليه الصلاة والسلام مُلبيًا، والصحابة معه، فلما دخل منى التقط له ابنُ عباس سبع حصيات، وقصد الجمرة - جمرة العقبة - التي تلي مكة، فرماها بسبع حصيات من بطن الوادي، هذا هو السنة، الناس إذا توجَّهوا إلى منى يقصدون الجمرة ويرمونها بسبع حصيات بعد طلوع الشمس؛ لأنهم يصلونها بعد طلوع الشمس، ومعلوم أنَّ حجته كانت على الإبل عليه الصلاة والسلام.
فلما توجَّه من مُزدلفة بعد الإسفار قبل طلوع الشمس وصل إلى هناك بعد طلوع الشمس عند الجمرة ورماها بسبع حصيات، يُكبر مع كل حصاةٍ، ولم يقف عندها، ثم خطب الناس بعد ذلك في منى، بعدما رمى الجمرة خطبهم وذكَّرهم وبيَّن لهم أنَّ دماءهم وأموالهم وأعراضهم عليهم حرام كحُرمة يومهم هذا، في شهرهم هذا، في بلدهم هذا، وقال: لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعض.
ثم إنه ﷺ نزل في منزله في منى، ونحر هديه، وأكل من هديه عليه الصلاة والسلام، وحلق رأسه بعد ذلك، وقسم شعره بين الصحابة: نصفه أعطاه أبا طلحة، والنصف الثاني قُسم بين الناس، وطيَّبته عائشة بعدما حلق، ثم توجَّه إلى مكة فطاف طواف الإفاضة عليه الصلاة والسلام، هكذا فعل.
وهذا هو السنة في هذا اليوم: الرمي أول جمرة العقبة وحدها بسبع حصياتٍ، يلتقطها من مُزدلفة أو من منى، سبع مثل: بعر الغنم الذي ليس بالكبير، حصى الخذف، حصى ما هو بلبنٍ، حصى، ثم بعد الرمي ينحر، الأفضل أن ينحر إن كان له هدي - هدي التمتع أو هدي التطوع - ينحره، يذبحه.
ثم الحلق أو التقصير، والحلق أفضل؛ لأنَّ الرسول ﷺ دعا للمُحلقين بالمغفرة والرحمة ثلاث مرات، والمقصرين واحدة، فالأفضل الحلق، يحلق رأسه كله، فإن لم يفعل فليُقصر رأسه كله من أطراف الشعر.
وبعد هذا يكون قد حصل التَّحلل الأول؛ يلبس المخيط، ويُغطي رأسه، ويتطيب، والمرأة كذلك إذا رمت وقصَّرت حلَّت التَّحلل الأول؛ تلبس النقاب إذا شاءت، وتلبس القُفَّازين إذا شاءت، وتتطيب، حلَّت التَّحلل الأول، ولم يبقَ إلا تحريم الزوجة على الرجل، تحريم الزوجة، وعلى الزوجة تحريم الرجل، يعني: الوطء.
ثم بعد الطواف والسعي - إن كان عليه سعي- يتم الحلّ كله، والمتمتع عليه سعيان: السعي الأول لعمرته، والسعي الثاني لحجته، ولا يحل إلا بعد السعي الحل الكامل، أما القارن الذي جمع بين الحجِّ والعمرة ولم يحل، أو أحرم بالحج ولم يحل، فهذا عليه سعي واحد، إن كان أتى به مع طواف القدوم حصل المطلوب، وإن كان ما أتى به مع طواف القدوم يسعى بعد طواف الإفاضة يوم العيد أو بعده، يطوف ويسعى سعي الحج، وبعد هذا يكون حصل التَّحلل كله بالرمي والحلق أو التقصير والطواف والسعي لمن عليه سعي، يتم الحل كله، وباثنين من هذه الثلاثة يحصل التَّحلل الأول: إذا رمى وحلق، أو رمى وطاف، أو طاف وحلق حصل التحلل الأول، فإذا فعل الثلاثة: الرمي والحلق أو التقصير والطواف ومعه السعي إن كان عليه سعي في هذا يتم الحل كله، من النساء وغير النساء.
ثم إنه ﷺ سُئل عن هذه الأشياء: هل مَن قدَّم شيئًا على شيءٍ عليه شيء؟ فقال: لا حرج، لا حرج، سأله سائل قال: يا رسول الله، ذبحتُ قبل أن أرمي؟ قال: لا حرج، قال آخر: حلقتُ قبل أن أذبح؟ قال: لا حرج، وقال آخر: أفضتُ قبل أن أرمي؟ قال: لا حرج.
قال الراوي عبدالله بن عمرو: فما سُئل يومئذٍ عن شيءٍ قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: افعل ولا حرج اللهم صلِّ عليه.
فدلَّ على أن الترتيب ليس بواجبٍ: إذا قدَّم بعضها على بعضٍ فلا بأس، لو أنه نحر قبل أن يرمي، أو حلق قبل أن يرمي، أو حلق قبل أن يذبح فلا حرج، أو طاف قبل ذلك فلا حرج، لكن الأفضل والسنة الترتيب: الرمي أولًا كما فعله النبي ﷺ، ثم الذبح إن كان هناك ذبح - إن كان عنده شيء - ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف، هذا الترتيب الأفضل كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام.
أما في أيام منى فيرمي اليوم الحادي عشر والثاني عشر، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله بعد صلاة الظهر في منى إن شاء الله، وقد سبق التَّنبيه على هذا غير مرةٍ، في رمي الجمرات في اليوم الحادي عشر يرمي الجمرات الثلاث، وفي الثاني عشر يرمي الجمرات الثلاث، كل جمرةٍ بسبعٍ، ويقف عند الأولى والثانية ويدعو ويستقبل القبلة، بعدما يفرغ من رمي الأولى يتقدم ويجعلها عن يساره ويدعو ربه، يرفع يديه ويجتهد في الدعاء، مستقبل القبلة، وإذا رمى الثانية كذلك يتقدم عن زحمة الناس، ثم يجعلها عن يمينه، ويرفع يديه ويدعو ربه، مستقبل القبلة، ثم يرمي الثالثة ولا يقف عندها، هذا كله بعد الزوال، وهكذا في اليوم الثاني بعد الزوال.
ومَن فاته الرمي بالنهار رمى بالليل، فالذي ما رمى يوم العيد - حصل له مانعٌ من الرمي أو زحمة - يرمي بالليل: ليلة إحدى عشرة عن يوم العيد السبع حصيات جمرة العقبة، والذي مثلًا يتعسر عليه الرمي بعد الزوال غدًا، أو يمنعه مانع، يرمي بالليل إلى آخر الليل عن اليوم الحادي عشر، والذي يتعسر عليه الرمي في اليوم الثاني عشر بعد الزوال لا يتعجل ويرمي بعد الغروب عن اليوم الثاني عشر، ويبيت ويرمي اليوم الثالث عشر، ورمي يوم الثالث عشر يُرمى بعد الزوال إلى الغروب، ما فيه رمي في الليل، ليلة أربع عشرة ما فيها رمي، ينتهي الرمي بغروب الشمس من يوم الثالث عشر، والذي عنده وكالة عن أحدٍ يرمي عن نفسه، ثم عن موكله، يرمي الجمرات عن نفسه، ثم يرميها عن موكله عند كل جمرةٍ، عند الأولى عن نفسه وعن موكله، وعند الثانية كذلك، وعند الثالثة كذلك.
وعلى الجميع المبيت في منى ليلة إحدى عشرة، وليلة اثنتي عشرة، الواجب المبيت في منى ليلة إحدى عشرة وليلة اثنتي عشرة، أما ليلة ثلاث عشرة مَن تعجَّل فلا بأس، ومَن غابت عليه الشمس يبيت ليلة ثلاث عشرة، وأما مَن تعجل قبل الغروب فلا مبيتَ عليه، الواجب المبيت ليلة إحدى عشرة وليلة اثنتي عشرة على الحجاج في منى، مَن حصل له مكان في منى يبيتون في منى ليلة إحدى عشرة وليلة اثنتي عشرة.
وإذا فرغ الحجاج من الرمي - سواء تعجَّلوا أو ما تعجَّلوا - ليس لهم السفر إلا بعد طواف الوداع، سواء تعجَّل في الثاني عشر، أو لم يتعجل ورمى عن اليوم الثالث عشر، ليس له السفر إلى بلاده حتى يطوف للوداع سبعة أشواط، ما فيها سعي، إذا كان قد سعى مع طواف الإفاضة يكون بقي عليه طواف الوداع سبعة أشواط عند سفره إلى بلاده.
نسأل الله أن يُوفق الجميع، وأن يتقبل من الجميع، وأن يُعيننا وإياكم على أداء الواجب، وأن يتقبل ويجعلنا وإياكم من عُتقائه من النار، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من العُتقاء من النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه.
س: هذا رجلٌ ما استطاع أن ينام إلا مُغطيًا وجهه من شدة البرد، فما الذي عليه؟
ج: يُطعم ستة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يذبح شاةً، الله يهديه.
س: مُخَيَّر؟
ج: نعم، فدية الأذى.
س: ومَن فاته الرمي بعد يوم الثالث عشر، ما الذي عليه؟
ج: عليه ذبيحة، ترك واجبًا، ذبيحة تُذبح في منى أو في مكة.
س: الدعاء مُستقبل القبلة وهو جالس وواقف؟
ج: سنة، سنة.
س: لم يرمِ جمرة العقبة وجاء الليل متأخِّرًا؟
ج: يرميها في الليل ولا بأس، إذا فاته يوم العيد يرمي في الليل.
س: لو كان من أهل جدة عليه طواف وداع؟
ج: نعم، عليه وداع.
فقد سبق في الدرس الماضي بعد صلاة الفجر بيان أنَّ هذا اليوم هو يوم الحج الأكبر، وهو يوم النحر الذي قال فيه - جلَّ وعلا -: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ [التوبة:3]، المقصود أن هذا اليوم هو يوم عظيم، يوم العيد والنحر، وهو يوم الحج الأكبر؛ لأنَّ فيه تُؤدَّى معظم أعمال الحج: من رميٍ وحلقٍ وطوافٍ وسعيٍ، وسبق أنَّ هذا اليوم يرمي فيه الحجاج جمرةَ العقبة، وينحرون الهدي، ويحلقون أو يُقصرون، ويطوفون، ويسعون، بهذا الترتيب، كما فعله النبيُّ ﷺ: رمى، ثم نحر، ثم حلق، ثم تطيب - طيَّبته عائشةُ رضي الله عنها - ثم ركب إلى البيت، فطاف طواف الإفاضة، هذا هو الأفضل: رمي، ثم نحر، ثم حلق أو تقصير، ثم الطواف، على هذا الترتيب، هذا هو الأفضل.
ومَن قدَّم بعضَها على بعضٍ فلا بأس، سُئل ﷺ قال له بعضُ الصحابة: حلقتُ قبل أن أذبح؟ فقال: لا حرج، وقال آخر: نحرتُ قبل أن أرمي؟ قال: لا حرج، وقال آخر: أفضتُ قبل أن أرمي؟ قال: لا حرج، فما سُئل يومئذٍ عن شيءٍ قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: افعل ولا حرج.
فهذا من تيسير الله، ومن رحمته، لما كان الناس في هذا اليوم قد يغلطون، وقد ينسون، وقد يجهلون، جعل الله لهم فيه سعةً، فمَن قدَّم بعضها على بعضٍ فلا حرج، ولكن الأفضل أن يتأسى المؤمن بالنبي ﷺ: فيرمي جمرة العقبة أولًا، ثم ينحر هديه - إن كان عنده هدي - ثم يحلق أو يُقصر، والحلق أفضل، ثم الطواف والسعي لمن عليه سعي.
والسعي واجب على المتمتع عند جمهور أهل العلم، الذي تحلل بعمرةٍ قبل الحجِّ في أشهر الحجِّ ثم أحرم بالحجِّ عليه سعي ثانٍ لحجه مع طواف الإفاضة، هذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، وهو الصواب؛ لأنَّ الصحابة الذين حلّوا من عمرتهم سعوا مع طواف القدوم، وسعوا مع طواف الإفاضة، كما قالت عائشة - رضي الله عنها - وابن عباس، أما الذين أحرموا بالحجِّ والعمرة ولم يُحلوا قارنين، أو أحرموا بالحج مفردًا ولم يحلوا؛ فهؤلاء يكفيهم سعي واحد، الذين بقوا على إحرامهم وخرجوا إلى منى على إحرامهم يكفيهم سعي واحد، إن كانوا سعوا مع طواف القدوم كفى، وإن كانوا لم يسعوا مع طواف القدوم فإنهم يسعون بعد طواف الإفاضة لحجِّهم.
والنبي ﷺ ركب إلى البيت فطاف ..... متنفل، والجماعة مُفترضون كما في هذا الحديث، صلَّى بمكة الظهر، ثم رجع فصلى بالصحابة الذين ينتظرونه، صلَّى بهم الظهر نفلًا له، وفرضًا لهم، وهكذا كان معاذ يُصلي مع النبي العشاء فرضه، ثم يرجع إلى جماعته فيُصلي بهم العشاء نفلًا له، وفرضًا لهم، فدلَّ على جواز مثل هذا.
وهذا اليوم إنما تُرمى الجمرة فقط، جمرة واحدة: جمرة العقبة، بسبع حصيات، مَن رماها آخر الليل من المسلمين الذين تعجَّلوا أجزأ، ومَن رماها بعد الشمس فهذا هو الأفضل؛ تأسيًا بالنبي ﷺ، تُرمى بسبع حصياتٍ مثل حصى الخذف، مثل: بعر الغنم تقريبًا الذي ليس بالكبير، تلتقط من مُزدلفة أو من منى أو من غيرهما، الأمر واسع في ذلك، ويُكبر مع كل حصاةٍ، إذا رمى يُكبر مع كل حصاةٍ.
ثم بعد ذلك ينحر، يُستحب له النحر: هدي التمتع أو هدي النافلة، إن كان عنده شيء الأفضل أن يبدأ به قبل الحلق، هذا هو الأفضل، ثم يحلق أو يقصر، والحلق أفضل من التقصير؛ لأنَّ الرسول دعا للمُحلقين ثلاثًا بالمغفرة والرحمة، وللمُقصرين واحدة.
ثم بعد هذا يحصل له التَّحلل الأول؛ يلبس المخيط، ويتطيب، ويُقلم أظفاره لا بأس، حصل التَّحلل الأول، والمرأة كذلك سواء، فإذا طاف طواف الإفاضة وسعى -إن كان عليه سعي - حصل له التَّحلل الكامل كله؛ من النساء وغير النساء، والذي لم يتيسر له الرمي يوم العيد يرمي في الليل بعد غروب الشمس، كل الليل رمي إلى طلوع الفجر، كله رمي لمن لم يتيسر له الرمي نهار العيد، وهكذا في اليوم الحادي عشر يرمي الجمار الثلاث، كل جمرةٍ يرميها بسبعٍ.