اليوم التاسع: وهو يوم عرفة، سار فيه النبيُّ ﷺ إلى عرفات بعدما طلعت الشمس، صلَّى هنا الفجر، ومكث حتى طلعت الشمس، فلما طلعت الشمسُ توجه عليه الصلاة والسلام إلى عرفات، ونزل في قبةٍ له ضُربت في نمرةٍ، خيمة أُقيمت في نمرة - قرية أمام عرفة - في غربيِّها، فاستراح فيها حتى زالت الشمس، فلما زالت الشمسُ أمر بناقته فرُحلت له عليه الصلاة والسلام، ثم ركب عليها وتوجَّه إلى وادي عُرنة غربي عرفة، فخطب الناس على الراحلة، وأمر جريرًا أن يستنصت الناس في هذا اليوم في عرفة وفي منى، وسمع الناس خطبته عليه الصلاة والسلام، فذكَّرهم ووعظهم وبيَّن لهم أنَّ أمور الجاهلية موضوعة: ربا الجاهلية موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة كلها، وهكذا أعمال الجاهلية كلها، قال: وأول ربا أضعه ربا عمي العباس، وأول دمٍ أضعه دم ابن ربيعة بن الحارث ابن عمه عليه الصلاة والسلام.
والمقصود من هذا أن يُبين أن الواجب على الأمة التمسك بالشرع، وترك أمور الجاهلية في الدماء والربا وغير ذلك.
وأوصى الناس بالحذر من الظلم في الدماء والأموال والأعراض، قال: إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحُرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وهكذا قال في يوم النحر لما خطبهم أيضًا وذكَّرهم.
فالواجب على كل مسلمٍ أن يحذر ظلم أخيه في دمٍ أو مالٍ أو عرضٍ، الدم: بالقتل أو الجراحات، والمال: بالنهب والسرقة وغير ذلك، والأعراض: بالغيبة والكلام في الأعراض.
وأوصى الرجال بالنساء، أوصى الرجال بالنساء خيرًا قال: استوصوا بالنساء خيرًا، فإنَّكم أخذتُموهن بأمانة الله، واستحللتُم فروجهن بكلمة الله، فاستوصوا بالنساء خيرًا.
فالواجب على الرجل أن يتَّقي الله في المرأة، وألا يظلمها، وأن يستعين بالله في الإحسان إليها؛ حتى تكون امرأةً صالحةً تستجيب له فيما أباح الله، ويكون بينهما الوئام والمحبَّة؛ ولهذا قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19].
والزوجة عليها كذلك أن تتَّقي الله، وأن تسمع وتُطيع لزوجها في المعروف، وأن تحذر أسباب الشقاء والفتنة، وعليها ألا تسمح في بيته إلا لمن أذن فيه، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، ولكم عليهن ألا يُوطئن فرشكم مَن تكرهون، وألا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون.
وقال: مَن لم يجد إزارًا فليلبس السراويل، ومَن لم يجد نعلين فليلبس الخفَّين.
وقال في خطبته أيضًا عليه الصلاة والسلام: إني تارك فيكم ما لم تضلوا إن اعتصمتُم به: كتاب الله يعني: القرآن، والمراد "وسنتي" كما في الرواية الأخرى، والقرآن أمر بالسنة، القرآن فيه الأمر بسنة الرسول ﷺ، يقول الله في القرآن: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فالوصية بالقرآن وصية بالسنة، فالله جلَّ وعلا أعطى نبيه القرآن والوحي الثاني: السنة: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1- 4]، ويقول ﷺ: إني أُتيتُ القرآن ومثله معه.
فالواجب على الأمة التَّمسك بالقرآن، وبسنة الرسول ﷺ الصحيحة، والسير على منهاجه ﷺ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، ثم أصحابه بعده علينا أن نتبع سبيلهم، قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100]، هذا للصحابة ومَن تبعهم بإحسانٍ، فالواجب اتباعهم بإحسانٍ، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، أتباع النبي ﷺ، وأتباع الصحابة، وهم الذين استمسكوا بالقرآن والسنة، استمسكوا بالقرآن وعظَّموه واتَّبعوه، وعظَّموا السنة، وأخذوا بها، وهم من أهل السنة والجماعة، وهم أتباع النبي ﷺ، وأتباع أصحابه بإحسانٍ.
وفي هذا الحثّ على العناية بالقرآن، الواجب على الأمة العناية بالقرآن، وتدبر معانيه، والإكثار من تلاوته، والعمل به، كما قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، وقال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، وقال تعالى: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155]، وقال تعالى: هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [إبراهيم:52].
فالواجب على الجميع الرجال والنساء، والعرب والعجم، والجن والإنس، الواجب عليهم اتباع القرآن، وتعظيمه، وتدبره، والعمل بما فيه، المقصود هو العمل، ما هو بمجرد التلاوة، المقصود من القرآن التدبر والعمل، لا مجرد التلاوة، وهكذا سنة الرسول ﷺ، يجب العمل بها؛ لأنها تُفسر القرآن، وتُبين معانيه، وتُرشد إلى أحكامٍ أخرى جاء بها ﷺ لم تُذكر في القرآن.
ثم قال بعد هذا: وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ يعني: تُسألون يوم القيامة، قال تعالى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ [الأعراف:6- 7]، وقال تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء:41] يعني: على أمته عليه الصلاة والسلام، فالأمة مسؤولة: هل بلَّغها؟ هل علَّمها؟
قال الصحابةُ لما سألهم قال: وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلَّغت وأديت ونصحتَ. فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها للناس ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد يعني: أني بلَّغتهم، وأنهم اعترفوا ببلاغي، وكان مجمع عرفة نحو من مئة ألف حاجٍّ أو أكثر، قالوا: نشهد أنَّك قد بلَّغتَ وأديتَ ونصحتَ.
ونحن أيضًا نشهد وكل مسلمٍ يؤمن بالله واليوم الآخر يشهد بأنه قد بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة عليه الصلاة والسلام، وقد بلَّغنا الصحابة، نقلوا لنا أخباره وبيانه وتبليغه عليه الصلاة والسلام.
فالواجب على الأمة كلها اتِّباعه، والاستقامة على دينه، والعمل بشرعه، والحذر مما يُخالف ذلك، وهكذا الواجب على جميع أمراء المسلمين.
الواجب على جميع أمراء المسلمين اتباعه، وتحكيم شريعته في الأمة، وإلزامهم بالحقِّ، وزجرهم عن الباطل، وإقامة الحدود فيهم، هذا هو الواجب على جميع الأمراء، أمراء الأمة أينما كانوا يجب عليهم أن يُنفذوا شرع الله، وأن يحكموا القرآن والسنة في كل شيءٍ، وأن يُلزموا الناس باتباع الرسول ﷺ في الأوامر والنَّواهي.
ثم إنه ﷺ بعد ذلك أمر بالأذان، فأذن المؤذن، ثم أقام، فصلَّى الظهر ركعتين، ثم أقام فصلى العصر ركعتين جمعًا وقصرًا هذا اليوم - يوم عرفة - بعد الزوال، لما خطب الناس بعد هذا أمر بالأذان فأذن، ثم أقام فصلَّى الظهر ركعتين، ثم أقام فصلَّى العصر ركعتين، فالسنة للحجاج أن يُصلوا الظهر والعصر قصرًا وجمعًا في أول الوقت بعد الزوال.
والصلاة يُقيمها الحجاج مع ولي الأمر أو نائبه في مسجد نمرة إن تيسر ذلك، وإلا صلَّى كل جماعةٍ في محلهم؛ صلَّى بهم إمامهم.
ثم بعد هذا توجه إلى الموقف عليه الصلاة والسلام، ووقف في عرفات، واستقبل القبلة، ورفع يديه، وجعل يدعو ويذكر الله حتى غابت الشمس، وهكذا السنة للحجاج أن يقفوا بعرفة بعد الصلاة، ويستقبلوا القبلة، ويدعو الله ويذكروه، كما فعل ﷺ، وقال: وقفتُ هاهنا، وعرفة كلها موقف، وقف عند الصّخرات واستقبل القبلة وقال: وقفتُ هاهنا، وعرفة كلها موقف يعني: ما هو بلازم أن يذهب إلى محلِّ وقوفه ﷺ، لا، كل إنسانٍ يقف في محلِّه، كل جماعةٍ في محلهم في عرفة، في منزلهم.
والسنة استقبال القبلة، ورفع الأيدي في الدعاء، والإكثار من الدعاء وذكر الله والتلبية في هذا اليوم حتى تغيب الشمس، يُروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلتُ أنا والنَّبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فيُكثر الإنسانُ من الدعاء بالدَّعوات الطيبة، والتَّسبيح، والتهليل، والتحميد، والتكبير، والتلبية في هذا الوقت، مستقبل القبلة، ويرفع يديه، ويحطها إذا تعب، ويرفع ويحط حتى تغيب الشمس، ويُخلص في الدعاء، يحضر قلبه في الدعاء، الدعاء لا يُستجاب من قلبٍ غافلٍ، يحضر قلبه، ويحضر بين يدي ربِّه خائفًا، راجيًا، وَجِلًا، مُشْفِقًا، هكذا المؤمن، ولا سيما في هذا الموقف العظيم.
يقول النبي ﷺ: ما من يومٍ أكثر عتيقًا من النار من يوم عرفة، وإنَّ الله ليدنو فيُباهي بهم ملائكته ويقول: أتوني عبادي شُعْثًا غُبرًا يرجون رحمتي، أُشهدكم أني قد غفرتُ لهم، انصرفوا مغفورًا لكم، فالخير عظيم، والنعمة عظيمة، يُرجى في هذا اليوم خير عظيم من الحجاج: من المغفرة والرحمة والعتق من النار.
فأنت يا عبدالله عليك أن تجتهد في الدعاء، والصدق في الدعاء، والرغبة في الدعاء، والإكثار من الدعاء وذكر الله والتلبية، وأحسن ظنك بربك، وارجوه خيرًا سبحانه وتعالى.
ولما غابت الشمسُ توجه إلى مُزدلفة، وأمر الناس بالسكينة قال: السكينة، السكينة، فإنَّ البرَّ ليس بالإيضاع يعني: ليس بالإسراع، فالسنة للمؤمنين عند الانصراف ألا يعجلوا، أن يطمئنوا؛ لئلا يضرَّ بعضُهم بعضًا، السنة عدم الإسراع، لا في الإبل، ولا في السيارات، كان ذاك الوقت، والآن السيارات، فالواجب التُّؤدة والهدوء وعدم العجلة؛ حتى لا يضرَّ بعضُهم بعضًا.
ولما وصل مُزدلفة صلَّى بها المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا بأذانٍ واحدٍ وإقامتين، كما فعل في عرفة، فالسنة للحجيج هكذا؛ إذا وصلوا مُزدلفة يُؤذن ويُصلي المغرب ثلاثًا بإقامةٍ، والعشاء ثنتين بإقامةٍ كما فعل النبي ﷺ، قصرًا وجمعًا، يؤذن أولًا ثم يُقيم فيُصلي المغرب ثلاثًا، ثم يُقيم فيُصلي العشاء ثنتين، إذا وصل مزدلفة ولو في وقت المغرب.
فلما صلَّى اضطجع ونام عليه الصلاة والسلام، فلما طلع الفجر صلَّى الفجر مُبكرًا في أول وقتها، ومَن أحبَّ أن يتهجد في الليل أو يُوتر فلا حرج، التهجد والوتر مشروع كل ليلةٍ دائمًا في جميع السنة ..... اضطجع حتى طلع الفجر؛ يحتمل أنه ﷺ استمر في ذلك، ويحتمل أنه قام وصلَّى ما يسر الله له، ولم يعلم جابر بذلك، ويحتمل أنه استمر في راحته إلى الفجر؛ لتعبه من الوقوف في عرفات إلى غروب الشمس عليه الصلاة والسلام.
قالت عائشةُ رضي الله عنها: "كان النبي ﷺ إذا شغله عن قيام الليل مرضٌ أو نومٌ صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة"، هذا يدل على أنه قد يُشغل عن قيام الليل: إما بمرضٍ، وإما بنومٍ، فيُصلي من النهار ما يسَّر الله له، يُصلي ثنتي عشرة، يعني: يشفعها، إذا صلَّاها في النهار شفعها: اثني عشر.
وكانت عائشةُ تقول في التَّهجد: إحدى عشرة، يُسلم من كل ثنتين، ويُوتر بواحدةٍ، وربما أوتر بثلاث عشرة، يُسلم من كل ثنتين، ويوتر بواحدةٍ، فإذا نام عنها صلَّاها من النهار ثنتي عشرة، يعني: جبرها بواحدةٍ، ثنتين ثنتين حتى يُكمل ثنتي عشرة.
فلما طلع الفجر صلَّى الفجر مبكرًا مع سنتها بأذانٍ وإقامةٍ، ثم مكث في مُزدلفة في المشعر يدعو الله ويذكره ويرفع يديه حتى أسفر، هذا السنة للحجاج بعد صلاة الفجر، كلٌّ في مكانه يرفع يديه ويدعو الله، ويذكر الله حتى الإسفار، فلما أسفر توجَّه إلى منى مُلبيًا بعدما أسفر، وأردف أسامة بن زيدٍ، ثم أردف الفضل بن عباس، فهذا يدل على أنه لا بأس بالإرداف على الدابة، لا بأس أن يُردف الإنسانُ على الدابة إذا كانت تُطيق، لا بأس بالإرداف عليها.
والسنة للحجاج إذا أسفروا واتَّضح الفجر أن ينصرفوا إلى منى قبل طلوع الشمس كما فعل النبيُّ ﷺ، وقد أمر الضَّعفة أن ينصرفوا بليلٍ: النساء وكبار السن والأطفال، والأفضل الانصراف في آخر الليل، في النصف الأخير من مُزدلفة إلى منى، كما أمرهم النبيُّ ﷺ، ومَن تأخَّر من النساء فلا حرج، مَن تأخَّر من النساء وصلَّى الفجر في مُزدلفة مع الرجال فلا بأس، أزواج النبي ﷺ تأخَّرن معه، ولم يتقدم في آخر الليل إلا سودة وأم سلمة، فمَن تأخَّر منهن فلا بأس، ومَن تقدم فهو رخصة، مَن تقدم من النساء والكبار فهو رخصة، في آخر الليل يتقدمون الناس قبل حطمة الناس - قبل الزحمة - وإذا وصلوا منى فلهم الرمي؛ إن شاءوا رموا، وإن شاءوا صبروا حتى يرموا بعد طلوع الشمس، ومَن أحبَّ أن يرمي في آخر الليل فلا بأس، ومَن أحبَّ أن يتوجه إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة في أول النهار يوم العيد فلا بأس، قبل أن يرمي، أو بعد أن يرمي، كل ذلك لا حرج فيه، وأم سلمة - رضي الله عنها - رمت آخر الليل، ثم مضت إلى مكة وطافت.
ويوم العيد فيه أعمال الرمي: النحر، الحلق أو التقصير، الطواف، والسعي، كل ذلك يوم النحر، والسنة فيها أولًا الرمي، ثم نحر الهدي، وهو الهدي الواجب أو التطوع، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف والسعي، هذا هو الترتيب الذي فعله النبيُّ ﷺ: رمى، ثم نحر، ثم حلق، ثم طاف بالبيت عليه الصلاة والسلام، هذا هو الأفضل: أولًا الرمي، ثم ذبح الهدي، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف، هذا هو السنة، ومَن قدَّم بعضَها على بعضٍ فلا حرج، النبي سُئل عمَّن قدَّم وأخَّر فقال: لا حرج، لا حرج عليه الصلاة والسلام.
فلو نحر قبل أن يرمي، أو حلق قبل أن يرمي، أو طاف قبل أن يرمي، فلا حرج، لكن الأفضل أن يرمي، ثم ينحر إن كان عنده هدي إذا تيسر، ثم يحلق أو يُقصر، والحلق أفضل للرجال، الحلق يوم العيد أفضل للرجال، وإذا حلق يلبس ثيابه ويتطيب؛ حلَّ التَّحلل الأول، يلبس ثيابه، ويلبس المخيط، ويُغطي رأسه، ويتطيب لا بأس.
وإن كانت عنده ضحية بعد التَّحلل لا يأخذ شيئًا من أظفاره ولا من شعره حتى يُضحي، إذا كانت عنده ضحية بعدما يحلق ويُقصر للحلِّ، بعدما يحل من حجه إن كانت عنده ضحية يترك بعد ذلك أظفاره وشعره حتى يُضحي.
ثم بعد ذلك الطواف إن تيسر له يوم العيد، يذهب إلى مكة يطوف إن تيسر، ويسعى إن كان عليه سعي، إن كان مُتمتعًا يسعى لحجِّه، والسعي الأول لعُمرته، وإن كان مُفردًا - حج مُفردًا - أو بالحج والعمرة جميعًا ولم يحل فهذا يكفيه السعي الأول، إذا كان سعى مع طواف القدوم يكفي، ولا يبقى عليه إلا الطواف؛ طواف الإفاضة، أي: طواف الزيارة، طواف الإفاضة إن طاف يوم النحر فهذا أفضل، وإن لم يتيسر طاف في الحادي عشر، أو في الثاني عشر، أو في الثالث عشر، أو بعد ذلك.
والرمي في أيام منى؛ يوم العيد يرمي جمرةً واحدةً: جمرة العقبة، بسبع حصيات، أول ما يجيء منى يرمي الجمرة بسبعٍ، كل حصاةٍ يُكبر معها: الله أكبر، يرمي الحوض، ما هو بالشاخص، يرمي الحوض، فإذا طاحت للحوض كفى، سبع حصيات، يُكبر مع كل حصاةٍ، والمرأة كذلك كالرجل، إلا العاجزة المريضة، أو الحبلى، أو ذات الأطفال التي ليس عند أطفالها مَن يحفظهم، تُوكل مَن يرمي عنها، وكبير السن كذلك العاجز يُوكل.
وإذا لم يتيسر الرمي الضُّحى رمى الظهر أو العصر لا بأس، وإن فاته الرمي في النهار رمى في الليل بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر ليلة إحدى عشرة عن يوم العيد، ثم يرمي الناس أيام منى، وعليهم المبيت في منى ليلة إحدى عشر، وليلة اثنا عشر، يجب على الحجاج أن يبيتوا إلا السُّقاة في الحجيج، أو المريض الذي لا يستطيع المبيت، إن كان في حاجةٍ للمُستشفى لا بأس.
والرمي يكون بعد الزوال، لا يكون قبل الزوال، الرمي بعد الزوال في الأيام كلها الثلاثة، فيرمي الحجيج بعد الزوال الجمار الثلاثة، كل جمرةٍ بسبع حصيات: الأولى بسبع، والثانية بسبع، والثالثة بسبع، يوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر كذلك، كل واحدٍ يرمي بسبع حصيات، والحصى مثل حصى الخذف، مثل: بعر الغنم الذي ليس بالكبير، يلتقطه من منى أو من مُزدلفة أو من غيرهما، الأمر واسع في لقط الحصى.
والسنة إذا رمى الجمرة الأولى يتقدم ويجعلها عن يساره، ويقف ويستقبل القبلة ويدعو ربه، ويرفع يديه إذا تيسر ذلك، يُطيل إذا تيسر، والوسطى كذلك إذا رماها يتقدم ويجعلها عن يمينه، ويرفع يديه ويدعو، ويستقبل القبلة مثلما فعل عند الأولى، هذا الأفضل في يوم الحادي عشر، والثاني عشر، إذا رمى الجمرة الأولى جعلها عن يساره، ودعا واستقبل القبلة، وإذا رمى الثانية جعلها عن يمينه، واستقبل القبلة ودعا، ورفع يديه كما فعل النبيُّ ﷺ، أما الثالثة فيرميها ولا يقف عندها في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، يرميها ولا يقف.
ومَن فاته الرمي في النهار في يوم الحادي عشر أو الثاني عشر يرمي في الليل، إذا غابت الشمس يرميها بعد غروب الشمس، بعد العشاء، في نصف الليل، لا بأس، وهكذا في اليوم الثاني عشر إذا لم يتيسر الرمي في النهار يرمي في ليلة الثالث عشر عن يوم الثاني عشر، ولا ينفر ما دام غابت عليه الشمس، لا ينفر، يرمي اليوم الثالث عشر بعد الزوال، وإذا غابت الشمس يوم الثالث عشر انتهى الرمي، إذا غابت الشمس يوم الثالث عشر ولم يرمِ انتهى الرمي، وعلى مَن لم يرمِ فدية تُذبح في مكة للفقراء إذا لم يرمِ.
والسنة الاشتغال بذكر الله في هذه الأيام، ذكر الله والتلبية، فإذا رمى الجمرة اشتغل بالتكبير بدل التلبية، بعد رمي جمرة العقبة يشتغل بالتكبير إلى نهاية أيام التَّشريق، أدبار الصَّلوات، وفي الأوقات كلها، في أدبار الصلوات من يوم عرفة: من صلاة الفجر يوم عرفة بعد الذكر يُكبر، وفي دبر كل صلاةٍ، وفي الأوقات كلها، مطلق ومقيد، جميع في عرفة في هذا اليوم وبعده، يعني: مطلق ومقيد، ويُكثر من ذكر الله - جلَّ وعلا -، والاستغفار، كما قال تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ [البقرة:199]، يُكثر من ذكر الله، قال - جلَّ وعلا -: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ [البقرة:200].
فالمشروع للمؤمن أن يُكثر من ذكر الله، ومن الاستغفار في هذه الأيام، هذه الأيام والليالي يُكثر من استغفار الله، ومن التكبير والذكر والدعاء في هذه الأيام العظيمة، وكلها ذبح، كل هذه الأيام ذبح للهدايا والضَّحايا، ذبح يوم العيد، وثلاثة أيام بعدها إلى غروب الشمس، كلها أيام ذكر، وأيام ذبح، وأيام أكلٍ وشربٍ، وليس لأحدٍ أن يصومها إلا مَن عجز عن الهدي فله أن يصوم الثلاثة: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، مَن عجز عن الهدي خاصةً فقط، لا يجوز صومها لغير مَن عجز عن الهدي؛ لقول عائشة - رضي الله عنها - وابن عمر: "لم يُرخص في أيام التَّشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي"، ثم يصوم السبعة بعد ذلك.
ثم إذا انتهى من كل شيءٍ لا يخرج إلى بلده إلا إذا طاف الوداع بعد ذلك، الوداع ..... إذا أراد السفر طاف بالبيت سبعة أشواط، ويُسمى: طواف الوداع، إلا المرأة الحائض والنفساء فلا وداع عليهما، الحائض والنفساء لا وداع عليهما، وإذا أخَّر طواف الإفاضة؛ ما طاف في أيام النَّحر، وأخَّره حتى طاف عند الخروج، أجزأ عن الوداع، ولو كان معه السعي يُجزئ عن الوداع والحمد لله، لكن إذا طاف في يوم العيد أو في أيام التشريق وسعى إن كان عليه سعي هذا أفضل، إذا قدَّمه، ثم إذا أراد السفر طاف طواف الوداع سبعة أشواط فقط، يُصلي بعدها ركعتين، هذا طواف الوداع.
ولا بأس أن يشتري حاجته في الطريق، إذا طاف الوداع يشتري حاجةً في الطريق: زادًا أو أشياء من حاجات الطريق، كل هذا لا بأس به والحمد لله.
نسأل الله أن يُوفق الجميع لما يُرضيه، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم، ونسأل الله أن يُعيننا وإياكم على أداء المناسك على الوجه الذي يُرضيه سبحانه وتعالى، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ.
الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ هذه قبل دقائق سمعنا خطبته العظيمة المفيدة، جزاه الله خيرًا، فهي خطبة عظيمة مفيدة، شرح فيها ما ينبغي، وأوضح فيها ما ينبغي للأمة، وأن الواجب عليهم الاستقامة على دين الله، والمحافظة على حقوق الله، والعناية بالقرآن، والتَّمسك بالقرآن، والعمل به، هذا هو الواجب على جميع الأمة؛ أن يتَّقوا الله، وأن يُراقبوا الله، وأن يُخلصوا له العبادة، وأن يحذروا الشرك به، وأن يحذروا جميع المعاصي، هذا هو الواجب على الجميع، الله خلقهم ليعبدوه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وأمرهم بذلك: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، وأرسل الرسل بهذا عليهم الصلاة والسلام، فقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].
فالواجب على جميع الأمة رجالًا ونساءً، عربًا وعجمًا، أغنياء وفقراء، جنًّا وإنسًا، الواجب عليهم أن يعبدوا الله وحده، وأن يتَّقوه، وأن يستقيموا على أمره، وأن يدعوا ما نهاهم عنه، وأن يتعاونوا في ذلك، ويتواصوا بذلك، كما قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وقال تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
والواجب على جميع الأمة، وعلى جميع الدول الإسلامية، وعلى أمرائها أن يُحكِّموا شرع الله، هذا الواجب على الجميع: أن يُحكموا شرع الله في كل شيءٍ: في أعمالهم وأقوالهم وأحكامهم، وفيما يقع بينهم من التنازع، يجب أن يحكم شرع الله في ذلك؛ حتى يُؤدوا ما أوجب الله، وحتى يُنتهى عمَّا حرم الله، ويجب أن يُحكم بين الناس فيما تنازعوا فيه بالشرع، بحكم الله: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، ويقول - جلَّ وعلا -: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، ويقول سبحانه: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، ويقول سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، ويقول - عزَّ وجل -: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]، فمَن استحلَّ الحكم بغير ما أنزل الله، ورأى أنه جائز الحكم بغير ما أنزل الله كفر، نسأل الله العافية، ومَن فعل هذا تساهلًا واتِّباعًا للهوى ولم يستحلّه صار كفرًا أصغر، وظلمًا أصغر، وفسقًا أصغر، وهو على خطرٍ عظيمٍ.
فالواجب على جميع الأمة أن يتَّقوا الله، وأن يحكموا شرع الله، وأن ينقادوا لشرع الله، وأن يستقيموا على دين الله قولًا وعملًا وعقيدةً؛ لأنَّ الله خلقهم لهذا، وأصل هذا الدين وأساسه كلمتان: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، هذا هو أصل الدين، وهذا هو أول واجبٍ، وأعظم واجبٍ: أن تشهد عن علمٍ ويقينٍ أنه لا إله إلا الله، أي: لا معبودَ حقّ إلا الله، لا بدَّ من هذه الشهادة عن علمٍ ويقينٍ وصدقٍ: أنه لا إله إلا الله، أي: لا معبود حقّ إلا الله، كما قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62].
وتشهد عن علمٍ ويقينٍ وصدقٍ أنَّ محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب الهاشمي العربي المكي ثم المدني هو رسول الله حقًّا إلى جميع الأمة، وهو خاتم الأنبياء، لا بدَّ من هذا، مَن لم يقرّ بهذا فهو كافر، قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، وقال تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].
هذا أصل الدين؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فشهادة أن لا إله إلا الله تُوجب إخلاص العبادة لله، وأن يكون الله هو المعبود الحق، لا معبود بحقٍّ سواه، لا يُدعا مع الله لا أموات، ولا رسل، ولا أنبياء، ولا ملائكة، ولا أصنام، ولا كواكب، ولا غير ذلك، العبادة حقُّ الله وحده: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، فالذي يدعو دون الله من أصحاب القبور: يستغيثون بهم، ينذرون لهم، يذبحون لهم، هذا هو الشرك الأكبر، دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات أو بالجن أو بالملائكة أو بالكواكب أو بالأصنام هذا شرك أكبر، هذا دين الجاهلية، فالواجب الحذر من ذلك، وأن تخصَّه بالعبادة، اعبد ربك وحده، لا إله إلا هو: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ.
ولا بدَّ مع هذا من الشهادة بأنَّ محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب هو رسول الله حقًّا إلى جميع الثَّقلين من الجنِّ والإنس، وهو خاتم الأنبياء.
ثم بعد هذا الصَّلوات الخمس لا بدَّ منها، هي عمود الإسلام، مَن تركها كفر، فلا بدَّ من المحافظة على الصلاة، وأدائها في أوقاتها من الرجال والنساء، الرجل يُؤديها في المساجد، في بيوت الله، والمرأة تُؤديها في البيت، على الجميع أن يتَّقوا الله، وأن يُؤدوها كما أمر الله بالطمأنينة والخشوع وعدم العجلة، كما قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1 -2]، وقال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، وقال تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].
وعلى الرجل والمرأة أن يجتهدا أيضًا في أهل البيت: الأولاد والخدم، عليهم أن يجتهدوا في أن يُؤدوا الصلاة، على الرجل والمرأة على كل واحدٍ أن يجتهد فيمَن تحت يده من أولادٍ وإخوةٍ وخدمٍ وعمالٍ حتى يُصلوا، حتى يُؤدوا هذا الواجب العظيم: الصلاة: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، هذا واجب الجميع: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، ويقول النبي ﷺ: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، ثم يقول ﷺ: ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته.
فالواجب على الجميع التَّعاون على البرِّ والتقوى، والتواصي بالحق، والعناية بالصلاة - عمود الإسلام - مَن تركها كفر، يقول ﷺ: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة، ويقول ﷺ: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَن تركها فقد كفر.
ثم الزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام، لا بدَّ منها، حق المال، لا بد من الزكاة، على كل مَن لديه مال فيه الزكاة أن يُؤديها طاعةً لله، وإخلاصًا لله، يُعطيها المستحقين لها.
وهكذا صوم رمضان، وهكذا حج البيت، الركن الخامس: حج البيت، والنبي حجَّ حجةً واحدةً عليه الصلاة والسلام، حجة الوداع بعد الهجرة، وعلَّم الناس حجَّهم في خطبته، علَّم الناس حجَّهم في خطبته وأعماله وقال: خذوا عني مناسككم، وأوصاهم بالقرآن فقال: إني تارك فيكم ما لم تضلوا إن اعتصمتُم به: كتاب الله يعني: القرآن، فالوصية: العناية بالقرآن، والتمسك بالقرآن والسنة؛ لأنَّ القرآن يأمر بالسنة: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة:92].