29 متى يبرئ المؤمن من النفاق

قَوْلُهُ: (وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ السَّابِقِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ -أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْأَثَرِ، وَأَهْلِ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ- لَا يُذْكَرُونَ إِلَّا بِالْجَمِيلِ، وَمَنْ ذَكَرَهُمْ بِسُوءٍ فَهُوَ عَلَى غَيْرِ السَّبِيلِ).

قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَعْدَ مُوَالَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ، خُصُوصًا الَّذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ، يُهْدَى بِهِمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.

الشيخ: والمقصود من هذا أنه كما يجب حبّ الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وتوليهم، ومحبَّة أهل البيت ومُوالاتهم، كذلك علماء المسلمين بعدهم من أهل السنة والجماعة، فإنَّ الواجب حبُّهم في الله، ومُوالاتهم، والذبّ عنهم، وبُغض مَن عاداهم في الله؛ لأنَّ الله قال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، فالمؤمنون سلفًا وخلفًا أولياء فيما بينهم، فعلى متأخِّرهم أن يُحبَّ مُتقدمهم، وأن يُواليهم في الله ، كما يُحب المؤمنين في زمانه، ومَن عرفهم من أهل الإيمان يُحبهم في الله، ويُواليهم في الله، ويبغض أعداء الله ويُعاديهم قديمًا وحديثًا، حتى لا يكون في قلبه مودةٌ لأعداء الله، ولا يكون في قلبه بغضٌ لأولياء الله.

وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَدِرَايَتِهِمْ، إِذْ كُلُّ أُمَّةٍ قَبْلَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ ﷺ عُلَمَاؤُهَا شِرَارُهَا إِلَّا الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ عُلَمَاءَهُمْ خِيَارُهُمْ، فَإِنَّهُمْ خُلَفَاءُ الرَّسُولِ مِنْ أُمَّتِهِ، وَالْمُحْيُونَ لِمَا مَاتَ مِنْ سُنَّتِهِ، فَبِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ وَبِهِ قَامُوا، وَبِهِمْ نَطَقَ الْكِتَابُ وَبِهِ نَطَقُوا، وَكُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ اتِّفَاقًا يَقِينًا عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ ﷺ، وَلَكِنْ إِذَا وُجِدَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ قَوْلٌ قَدْ جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ فِي تَرْكِهِ مِنْ عُذْرٍ.

وَجِمَاعُ الْأَعْذَارِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ:

أَحَدُهَا: عَدَمُ اعْتِقَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَهُ.

وَالثَّانِي: عَدَمُ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ أَرَادَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ.

وَالثَّالِثُ: اعْتِقَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مَنْسُوخٌ.

الشيخ: يعني أنهم بين ثلاثة أمورٍ:

إما أنَّ الخبر لم يبلغهم فجهلوه، أو بلغهم من وجهٍ غير صحيحٍ فيعتقدوا أنه ...... عن النبي ﷺ، هذا عذر.

الأمر الثاني: أنَّ بعضهم قد يفهم هذه المسألة منه أنها غير دالَّة على هذه الجزئية المعينة، وأنَّ لديه أدلة أخرى تُخرج هذه المسألة عن داخل النص.

والأمر الثالث: أن يظنّ أو يعتقد أنه منسوخ، وأنَّ ما دلَّ عليه النصُّ قد جاء ما ينسخه.

وقد بسط أبو العباس ابن تيمية رحمه الله هذه الأعذار ونوَّع في المسألة، وبيَّن ما للسلف في ذلك في كتابه "رفع الملام عن الأئمة الأعلام"، وبيَّن أعذار العلماء فيما قد يغلط فيه بعضهم، وأنَّ كل عالمٍ يفوته شيء، ويخفى عليه شيء، وليس كل عالمٍ يُحصي ما جاءت به السنة، وما جاء به الكتاب من المعنى، بل يفوته بعض الشيء، وهكذا قد يغلط في الفهم ويعتقد بعض الأحكام منسوخة وليست بمنسوخةٍ، فالكمال لله وحده .

فَلَهُمُ الْفَضْلُ عَلَيْنَا وَالْمِنَّةُ بِالسَّبْقِ، وَتَبْلِيغِ مَا أُرْسِلَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ إِلَيْنَا، وَإِيضَاحِ مَا كَانَ مِنْهُ يَخْفَى عَلَيْنَا، فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].

قَوْلُهُ: (وَلَا نُفَضِّلُ أَحَدًا مِنَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَنَقُولُ: نَبِيٌّ وَاحِدٌ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ).

يُشِيرُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى الرَّدِّ عَلَى الِاتِّحَادِيَّةِ وَجَهَلَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ، وَإِلَّا فَأَهْلُ الِاسْتِقَامَةِ يُوصُونَ بِمُتَابَعَةِ الْعِلْمِ وَمُتَابَعَةِ الشَّرْعِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ مُتَابَعَةَ الرُّسُلِ، قَالَ تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:64- 65]، وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31].

قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ: مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ، وَمَنْ أَمَّرَ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ نَطَقَ بِالْبِدْعَةِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا تَرَكَ بَعْضُهُمْ شَيْئًا مِنَ السُّنَّةِ إِلَّا لِكِبْرٍ فِي نَفْسِهِ.

وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ؛ فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا لِلْأَمْرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، كَانَ يَعْمَلُ بِإِرَادَةِ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، وَهَذَا هو غِشُّ النَّفْسِ، وَهُوَ مِنَ الْكِبْرِ، فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِقَوْلِ الَّذِينَ قَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:124].

الشيخ: ومن هذا قوله جلَّ وعلا: إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ [غافر:56] يعني: يحملهم ما في نفوسهم من التَّعاظم والكبرياء على أن يُخالفوا الحقَّ، ويرون أنهم أولى أن يتبع هواهم دون هذا الحقّ الذي بانت نفوسهم عنه، وآثروا عليه هواهم وبغيهم.

وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَظُنُّ أَنَّهُ يَصِلُ بِرِيَاسَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَتَصْفِيَةِ نَفْسِهِ إِلَى مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ غَيْرِ اتِّبَاعٍ لِطَرِيقَتِهِمْ!

وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ صَارَ أَفْضَلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ!!

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ إِنَّمَا يَأْخُذُونَ الْعِلْمَ بِاللَّهِ مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ!! وَيَدَّعِي لِنَفْسِهِ أَنَّهُ خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ!! وَيَكُونُ ذَلِكَ الْعِلْمُ هُوَ حَقِيقَة قَوْلِ فِرْعَوْنَ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْوُجُودَ الْمَشْهُودَ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، لَيْسَ لَهُ صَانِعٌ مُبَايِنٌ لَهُ، لَكِنَّ هَذَا يَقُولُ: هُوَ اللَّهُ! وَفِرْعَوْنُ أَظْهَرَ الْإِنْكَارَ بِالْكُلِّيَّةِ، لَكِنْ كَانَ فِرْعَوْنُ فِي الْبَاطِنِ أَعْرَفَ بِاللَّهِ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّهُ كَانَ مُثْبِتًا لِلصَّانِعِ، وَهَؤُلَاءِ ظَنُّوا أَنَّ الْوُجُودَ الْمَخْلُوقَ هُوَ الْوُجُودُ الْخَالِقُ، كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالِهِ!! وَهُوَ لَمَّا رَأَى أَنَّ الشَّرْعَ الظَّاهِرَ لَا سَبِيلَ إِلَى تَغْيِيرِهِ قَالَ: النُّبُوَّةُ خُتِمَتْ، لَكِنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تُخْتَمْ! وَادَّعَى مِنَ الْوِلَايَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَمَا يَكُونُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مُسْتَفِيدُونَ مِنْهَا! كَمَا قَالَ:

مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيِّ!

وَهَذَا قَلْبٌ لِلشَّرِيعَةِ؛ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ ثَابِتَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62- 63].

الشيخ: وهذا جهل من جهتين:

أولًا: جعل النبوة فوق الرسالة، والرسل هم الأخص، وهم خواصّ الأنبياء، وهم الأفضل.

وثانيًا: كون النبوة دون الولاية، وهذا أيضًا غلط قبيح، فإنَّ الرسل هم أفضل الناس، ثم الأنبياء، ثم أولياء الله المؤمنون، فالرسل هم خواصّ الأنبياء ومُقدمهم، ثم بعد ذلك عموم الأنبياء الذين يُوحى إليهم، ثم بعد ذلك أولياء الله المؤمنون من العلماء والأخيار.

فابن عربي جاهل خبيث، جعل المرتبةَ بالعكس، وأملى إليه شيطانُه وهواه هذه المقالات الشَّنيعة:

مقام النبوة في برزخٍ فويق الرسول ودون الولي

جعل الأنبياء فوق الرسل، وعكس القضية التي عليها أهلُ العلم، ثم جعل الولاية فوق الجميع.

وَالنُّبُوَّةُ أَخَصُّ مِنَ الْوِلَايَةِ، وَالرِّسَالَةُ أَخَصُّ مِنَ النُّبُوَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ أَيْضًا فِي "فُصُوصِهِ": وَلَمَّا مَثَّلَ النَّبِيُّ ﷺ النُّبُوَّةَ بِالْحَائِطِ مِنَ اللَّبِنِ، فَرَآهَا قَدْ كَمُلَتْ إِلَّا موضع لَبِنَة، فَكَانَ هُوَ ﷺ مَوْضِعَ اللَّبِنَةِ، وَأَمَّا خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَةِ، فَيَرَى مَا مَثَّلَهُ النَّبِيُّ ﷺ، وَيَرَى نَفْسَهُ فِي الْحَائِطِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَتَيْنِ!! وَيَرَى نَفْسَهُ تَنْطَبِعُ فِي مَوْضِعِ اللَّبِنَتَيْنِ، فَيُكْمِلُ الْحَائِطَ!!

وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لِكَوْنِهِ يَرَاهَا لَبِنَتَيْنِ: أَنَّ الْحَائِطَ لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَاللَّبِنَةُ الْفِضَّةُ هِيَ ظَاهِرُهُ وَمَا يَتْبَعُهُ فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ، كَمَا هُوَ أَخْذٌ عَنِ اللَّهِ فِي الشَّرْعِ مَا هُوَ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ مُتَّبَعٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَرَى الْأَمْرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَرَاهُ هَكَذَا، وَهُوَ مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ الذَّهَبِيَّةِ فِي الْبَاطِنِ!

الشيخ: كل كلامه هذا سفسطة، ما له وجه، فالحائط ليس فيه إلا موضع لبنةٍ، كما قال النبيُّ ﷺ، وليس فيه ذهبٌ ولا فضَّةٌ، وإنما ضرب المثلَ بقصر كامل، سواء من حجر، أو من أسمنت، أو من لبن، أو من أي شيء، قصر كامل لم يبقَ فيه إلا موضع اللَّبنة، وكان ﷺ هو موضع اللبنة، فإنَّ الله كمَّل به الرسلَ، وختم به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فلم يبقَ بعده شيء.

فهذه السَّفسطة التي قالها ابنُ عربي لا وجهَ لها، وإنما هي في الحقيقة هوس في العقول، وفساد في الرأي، وتلبيس على الناس لا حقيقةَ له، بل هو أشبه بكلام المجانين والذين ذهبت عقولهم بالسُّكْر ونحوه.

فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنَ الْمَعْدِنِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَلَكُ الَّذِي يُوحِي إِلَيْهِ الرَّسُول ﷺ.

الشيخ: يعني: يأخذ عن الله، ولا يحتاج إلى واسطة الرسل.

قَالَ: فَإِنْ فَهِمْتَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَ لَكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ!!

فَمَنْ أَكْفَرُ مِمَّنْ ضَرَبَ لِنَفْسِهِ الْمَثَلَ بِلَبِنَةِ ذَهَبٍ، وَلِلرُّسُلِ الْمَثَلَ بِلَبِنَةِ فِضَّةٍ، فَيَجْعَلُ نَفْسَهُ أَعْلَى وَأَفْضَلَ مِنَ الرَّسُولِ؟! تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ: إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ [غافر:56].

وَكَيْفَ يَخْفَى كُفْرُ مَنْ هَذَا كَلَامُهُ؟! وَلَهُ مِنَ الْكَلَامِ أَمْثَالُ هَذَا، وَفِيهِ مَا يَخْفَى مِنْهُ الْكُفْرُ، وَمِنْهُ مَا يَظْهَرُ؛ فَلِهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى نَاقِدٍ جَيِّدٍ لِيُظْهِرَ زَيْفَهُ، فَإِنَّ مِنَ الزَّغَلِ مَا يَظْهَرُ لِكُلِّ نَاقِدٍ، وَمِنْهُ مَا لَا يَظْهَرُ إِلَّا لِلنَّاقِدِ الْحَاذِقِ الْبَصِيرِ.

وَكُفْرُ ابْن عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالِهِ فَوْقَ كُفْرِ الْقَائِلِينَ: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ [الأنعام:124]، وَلَكِنَّ ابْنَ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالَهُ مُنَافِقُونَ زَنَادِقَةٌ اتِّحَادِيَّةٌ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَالْمُنَافِقُونَ يُعَامَلُونَ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِإِظْهَارِهِمُ الْإِسْلَامَ، كَمَا كَانَ يُظْهِرُهُ الْمُنَافِقُونَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ وَيُبْطِنُونَ الْكُفْرَ، وَهُوَ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا يَظْهَرُ مِنْهُمْ، فَلَوْ أَنَّهُ ظَهَرَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَا يُبْطِنُهُ مِنَ الْكُفْرِ لَأَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ، وَلَكِنْ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ قَبُولِهَا، وَهِيَ رِوَايَةُ مُعَلَّى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

الشيخ: يعني: إذا عثرنا عليه وعرفنا زيفَه ونفاقَه وزندقتَه لا تُقبل توبته، بل يُقتل؛ لأنَّ شرَّه خفي، فوجب إعدامه حتى يسلم الناسُ من شرِّه، أما إذا جاءنا تائبًا نادمًا قبل أن نعرف حاله، وترك ما هو عليه، فهذا القول الراجح في قبول توبته، كما قال السَّفاريني في قصيدته المعروفة.

فالمقصود أنَّ الزنادقة هم أهل النِّفاق في العهد الأول، فإذا ظهر نفاقهم واعتقادهم وعنادهم وخبثهم وجب قتلهم حتى يُستراح من شرِّهم، أما إذا جاء تائبًا نادمًا قبل أن نعرف حاله، وقبل أن نُفتش عنه، وقبل أن يظهر منه ما ظهر من الزَّندقة، فهذا حينئذٍ مثلما يُقبل الكفَّار الآخرون.

س: هذه العبارة: من أهل بيته وأصحابه مثل هؤلاء الفاعلين الضَّالين؟

ج: هذه مختلة، لعله يُراجع الأصل.

س: يظهر أنَّها ما هي من كلام أبي بكرٍ ............ قال: انتهى.

ج: يُراجع الأصل والطبعات الأخرى، عبارة غير مستقيمة ..... قد يغلط الطابعون والخطَّاطون.

قَوْلُهُ: (وَنُؤْمِنُ بِمَا جَاءَ مِنْ كَرَامَاتِهِمْ، وَصَحَّ عَنِ الثِّقَاتِ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ).

فالْمُعْجِزَةُ فِي اللُّغَةِ تَعُمُّ كُلَّ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ، وَكذلك الكرامة فِي عُرْفِ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ يُفَرِّقُونَ فِي اللَّفْظِ بَيْنَهُمَا، فَيَجْعَلُونَ الْمُعْجِزَةَ لِلنَّبِيِّ، وَالْكَرَامَةَ لِلْوَلِيِّ. وَجِمَاعُهُمَا: الْأَمْرُ الْخَارِقُ لِلْعَادَةِ.

الشيخ: والمعنى أنها معجزات كلها، الكرامة والمعجزة كلاهما خارق للعادة؛ لتأييد الحقِّ، يُؤيد اللهُ به الحقَّ، فما يقع للمؤمنين من الكرامات الخارقة للعادة هي في الحقيقة تأييد للأنبياء المتبوعين الذين تبعهم هؤلاء المؤمنون؛ لأنَّ الله أيَّد بهذه الكرامة الحقَّ الذي عليه المؤمن، كما أيَّد بالمعجزات التي تختص باسم المعجزات الرسلَ الذين بعثهم الله بدعوة الخلق إلى الحقِّ وهدايتهم إلى سبيل السَّعادة والرَّشاد، فالله جلَّ وعلا يخرق لهم العادات؛ لتأييدهم، وبيان أنهم على الحقِّ والصواب، فإنَّ المعجزة مع التَّحدي وإقامة الحجَّة على أولئك المعاندين تكون وافيةً في المقصود؛ لأنه ادَّعى شيئًا، وأقام عليه الحجَّة بما يخرق العادة، وأيَّده الله على ذلك بفضله ، وصار ذلك من أسباب إقامة البرهان وقطع المعاذير على أولئك الذين أرسلت إليهم الرسل: كالقرآن الكريم معجزة مستمرة إلى آخر الدهر، وكما أيَّد اللهُ صالحًا بالنَّاقة، وأيَّد موسى بالآيات الكثيرات، وأيَّد عيسى كذلك، وهكذا الرسل تُؤيَّد بالبراهين والدلائل التي تُقيم الحجَّة على المدعوين، وتقطع المعذرة، وتجعلهم في الحقيقة غير معذورين، بل مُستحقون للعذاب الذي وعد اللهُ به مَن خالف ذلك الرسول.

وصفات الْكَمَال تَرْجِعُ إِلَى ثَلَاثَةٍ: الْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ، وَالْغِنَى.

وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا تَصْلُحُ عَلَى الْكَمَالِ إِلَّا لِلَّهِ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ الَّذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيَّ ﷺ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ دَعْوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ: قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام:50]، وَكَذَلِكَ قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَهَذَا أَوَّلُ أُولِي الْعَزْمِ، وَأَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَهَذَا خَاتَمُ الرُّسُلِ، وَخَاتَمُ أُولِي الْعَزْمِ، وَكِلَاهُمَا تَبَرَّأَ مِنْ ذَلِكَ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُمْ يُطَالِبُونَهُمْ تَارَةً بِعِلْمِ الْغَيْبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا [الأعراف:187]. وَتَارَةً بِالتَّأْثِيرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا الْآيَاتِ [الإسراء:90]. وَتَارَةً يَعِيبُونَ عَلَيْهِمُ الْحَاجَةَ الْبَشَرِيَّةَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ الْآيَةَ [الفرقان:7].

فَأُمِرَ الرَّسُولُ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَنَالُ مِنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ بِقَدْرِ مَا يُعْطِيهِ اللَّهُ، فَيَعْلَمُ مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، وَيَسْتَغْنِي عَمَّا أَغْنَاهُ عَنْهُ، وَيَقْدِرُ عَلَى مَا أَقْدَرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُخَالِفَةِ لِلْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ، أَوْ لِعَادَةِ أَغْلَبِ النَّاسِ. فَجَمِيعُ الْمُعْجِزَاتِ وَالْكَرَامَاتِ مَا تَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ.

ثُمَّ الْخَارِقُ إِنْ حَصَلَ بِهِ فَائِدَةٌ مَطْلُوبَةٌ فِي الدِّينِ كَانَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا دِينًا وَشَرْعًا؛ إِمَّا وَاجِبٌ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ. وَإِنْ حَصَلَ بِهِ أَمْرٌ مُبَاحٌ كَانَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي تَقْتَضِي شُكْرًا. وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ أَوْ نَهْيَ تَنْزِيهٍ كَانَ سَبَبًا لِلْعَذَابِ أَوِ الْبُغْضِ، كَالَّذِي أُوتِيَ الْآيَاتِ فَانْسَلَخَ مِنْهَا: بَلْعَامُ بْنُ بَاعُورَا. لِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ، أَوْ نَقْصِ عَقْلٍ أَوْ عِلْمٍ، أَوْ غَلَبَةِ حَالٍ، أَوْ عَجْزٍ، أَوْ ضَرُورَةٍ.

فَالْخَارِقُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مَحْمُودٌ فِي الدِّينِ، وَمَذْمُومٌ، وَمُبَاحٌ.

فَإِنْ كَانَ الْمُبَاحُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَانَ نِعْمَةً، وَإِلَّا فَهُوَ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا.

قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَوْزَجَانِيُّ: كُنْ طَالِبًا لِلِاسْتِقَامَةِ، لَا طَالِبًا لِلْكَرَامَةِ؛ فَإِنَّ نَفْسَكَ مُتَحَرِّكَةٌ فِي طَلَبِ الْكَرَامَةِ، وَرَبُّكَ يَطْلُبُ مِنْكَ الِاسْتِقَامَةَ.

الشيخ: وهذا هو المقصود من إيجاد الخلق: أن يستقيموا على طاعة الله، أما الكرامة فلها أسباب، فلا ينبغي للعاقل أن تكون الكرامةُ همًّا له ومقصدًا له، بل يجب أن يكون قصدُه وجهَ الله، والدار الآخرة، واتِّباع ما جاءت به الرسل؛ حتى يستقيم على هذه الحال، فإذا بُلي يسَّر الله من الآيات والدلائل والخوارق والكرامات ما يُغنيه وما يُؤيده وينصر به الحقّ، فالمقصود من خلقه وإيجاده أن يكون عبدًا لله، وأن يكون مُطيعًا لله، وأن يكون واقفًا عند حدود الله، سواء أُعطي كرامةً أو لم يُعط كرامةً؛ ولهذا مضى أغلب الصحابة وأكثرهم -بل كلهم إلا قليل- ولم يجرِ على أيديهم كرامات؛ لأنَّ إيمانهم الكامل أغناهم عن ذلك، فقد أغناهم الله بإيمانهم الصَّادق وسيرتهم وعلمهم وما فتح اللهُ عليهم من المعارف عن أن يحتاجوا إلى الكرامات، وجرى لبعضهم ما جرى إقامةً للحق، وتأييدًا للحقِّ، وإظهارًا لفضلهم وعلو منزلتهم عند الله ، كما جرى لأسيد بن الحضير لما كان يقرأ القرآنَ وتنزلت له الملائكة، وكما جرى لعباد بن بشر وأسيد أيضًا لما خرجا من عند النبي ﷺ في ليلةٍ مظلمةٍ، فأضاءت عصاتهما لهما حتى وصلا إلى بيوتهما.

قَالَ الشَّيْخُ السّهْرَوَرْدِيُّ فِي عَوَارِفِهِ: وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي الْبَابِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُتَعَبِّدِينَ سَمِعُوا السَّلَف الصَّالِحِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَمَا مُنِحُوا بِهِ مِنَ الْكَرَامَاتِ وَخَوَارِقِ الْعَادَاتِ، فَنُفُوسُهُمْ لَا تَزَالُ تَتَطَلَّعُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيُحِبُّونَ أَنْ يُرْزَقُوا شَيْئًا مِنْهُ، وَلَعَلَّ أَحَدَهُمْ يَبْقَى مُنْكَسِرَ الْقَلْبِ، مُتَّهِمًا لِنَفْسِهِ فِي صِحَّةِ عَمَلِهِ، حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ خَارِقٌ، وَلَوْ عَلِمُوا بِسِرِّ ذَلِكَ لَهَانَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ، فَيَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَفْتَحُ عَلَى بَعْضِ الْمُجتهِدِينَ الصَّادِقِينَ مِنْ ذَلِكَ بَابًا، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ يَزْدَادَ بِمَا يَرَى مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَآثَارِ الْقُدْرَةِ يَقِينًا، فَيَقْوَى عَزْمُهُ عَلَى الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَالْخُرُوجِ عَنْ دَوَاعِي الْهَوَى. فَسَبِيلُ الصَّادِقِ مُطَالَبَةُ النَّفْسِ بِالِاسْتِقَامَةِ، فَهِيَ كُلُّ الْكَرَامَةِ.

الشيخ: يعني: هذا أصل كبير في أنه ينبغي للمؤمن أن يحرص على الاستقامة، لا على طلب الكرامة، فإنَّ الكرامة إنما تحصل في الغالب لإظهار فضل الشَّخص، أو لتأييد ما هو عليه من الحقِّ، فالصحابة لما كانوا غير محتاجين لهذا الشيء، وعندهم من الإيمان والبصيرة والهدى والعلم ما يُغنيهم قلَّت هذه في عصرهم في حقِّهم، وقد تحصل لمن دونهم بمراتب؛ لئلا تزلَّ قدمه، وحتى يتبصر، وحتى يثبت على الحقِّ.

فينبغي لك أن لا تكون متشوفًا لهذا الشيء، وأن تستغني بما أعطاك الله من العلم والبصيرة عن هذه الأمور، فإنَّ المعول أن تكون على الطريق، فلو وقعت لك كرامةٌ وخارقٌ وأنت لستَ على الطريق فأنت متَّهم، قد تكون بلاءً عليك، قد تكون مما أوقعه الشيطانُ وزيَّنه الشيطانُ؛ فتغترَّ بذلك.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ لِلْقُلُوبِ مِنَ التَّأْثِيرِ أَعْظَمَ مِمَّا لِلْأَبْدَانِ، لَكِنْ إِنْ كَانَتْ صَالِحَةً كَانَ تَأْثِيرُهَا صَالِحًا، وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً كَانَ تَأْثِيرُهَا فَاسِدًا.

فَالْأَحْوَالُ يَكُونُ تَأْثِيرُهَا مَحْبُوبًا لِلَّهِ تَعَالَى تَارَةً، وَمَكْرُوهًا لِلَّهِ أُخْرَى.

وَقَدْ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى مَنْ يَقْتُلُ غَيْرَهُ فِي الْبَاطِنِ.

الشيخ: يعني بأحوال العارفين التي تقع لهم، والمعنى أنه قد يُؤثر في غيره شيئًا يسبب هلاكه، فهل يُقاد به وهو ليس باختياره؟ بل قد يقع ذلك بغير اختياره، مثل: النظرة بالعين، قد تقع بغير اختيار العائن، وليس بقصدٍ منه، وإنما نفسه تتوق لشيءٍ فيُؤثر ذلك في المعين.

فهكذا أحوال العارفين؛ قد يحصل منهم أشياء من نظرات أو كلمات تُؤثر في الآخر بحسب ما عنَّ لهم من أحوالهم، أو كرامات ظنُّوها كرامات، ثم تأثر غيرهم بذلك، كما يتأثر المعينُ بالعين، هذا عند أهل التَّصوف، وهل يُقاد به أم لا؛ لأنه لا يُسمَّى: مختارًا ولا قاصدًا؟

والصواب في هذا التفصيل: فإن قصد العائنُ أو صاحبُ الحال بعمله قتلَ الآخر قيد به إذا عُرف منه ذلك وأقرَّ بذلك، وإن كان لا، إنما قال: إنه وقع منه بغير قصدٍ، ولم يوجد ما يدل على أنه قصد هذا الشيء، فإنه لا يُقاد به، ولكن يكون من باب قتل الخطأ.

س: تلزمه الدِّية؟

ج: تلزمه الدية والكفَّارة إذا عُرف أنه بأسبابه.

س: ............؟

ج: هذا من أعمال الشيطان، القاعدة أنَّ الكرامة هي الشيء الذي يقع من عند الله، ليس للعبد فيها صنع، ويكون موافقًا للشرع، لا مخالفًا للشرع، فأما الأشياء التي تقع مخالفةً للشرع؛ كالذي يقول: إنه وقف مع أهل عرفات، وهو لم يُحرم، ولم يطف، ولم يسعَ، فهذا ليس من الشرع، هذا من أعمال الشَّياطين، فإذا ادَّعى هذا فالشياطين قد تحمله من بلدٍ إلى بلدٍ ثم تُعيده، كما وقع لكثيرٍ من الناس.

وَهَؤُلَاءِ يَشْهَدُونَ بِبَوَاطِنِهِمْ وَقُلُوبِهمُ الْأَمْرَ الْكَوْنِيَّ، وَيَعُدُّونَ مُجَرَّدَ خَرْقِ الْعَادَةِ لِأَحَدِهِمْ أَنَّهُ كَرَامَةٌ مِنَ اللَّهِ لَهُ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا الْكَرَامَةُ لُزُومُ الِاسْتِقَامَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكْرِمْ عَبْدًا بِكَرَامَةٍ أَعْظَمَ مِنْ مُوَافَقَتِهِ فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَهُوَ طَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ، وَمُوَالَاةُ أَوْلِيَائِهِ، وَمُعَادَاةُ أَعْدَائِهِ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَوْلِيَاءُ الله الذين قال الله فيهم: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62].

الشيخ: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ هذه صفتهم: وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ [الأنفال:34]، إنَّ آل أبي فلانٍ ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين، وفي اللَّفظ الآخر: إنما أوليائي المتَّقون.

وَأَمَّا مَا يَبْتَلِي اللَّهُ بِهِ عَبْدَهُ مِنَ السِّرِّ بِخَرْقِ الْعَادَةِ، أَوْ بِغَيْرِهَا، أَوْ بِالضَّرَّاءِ.

الشيخ: الصواب: السَّراء؛ لأنه جاء بضدِّها: الضَّراء.

وَأَمَّا مَا يَبْتَلِي اللَّهُ بِهِ عَبْدَهُ مِنَ السَّرَّاءِ بِخَرْقِ الْعَادَةِ، أَوْ بِغَيْرِهَا، أَوْ بِالضَّرَّاءِ؛ فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَجْلِ كَرَامَةِ الْعَبْدِ عَلَى رَبِّهِ، وَلَا هَوَانِهِ عَلَيْهِ، بَلْ قَدْ سَعِدَ بِهَا قَوْمٌ إِذَا أَطَاعُوهُ، وَشَقِيَ بِهَا قَوْمٌ إِذَا عَصَوْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ۝ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ۝ كَلَّا [الفجر:15- 17].

وَلِهَذَا كَانَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ تَرْتَفِعُ دَرَجَتُهُمْ بِخَرْقِ الْعَادَةِ، وَقِسْمٌ يَتَعَرَّضُونَ بِهَا لِعَذَابِ اللَّهِ، وَقِسْمٌ يَكُونُ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاحَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ.

وَتَنَوُّعُ الْكَشْفِ وَالتَّأْثِيرِ بِاعْتِبَارِ تَنَوُّعِ كَلِمَاتِ اللَّهِ، وَكَلِمَاتُ اللَّهِ نَوْعَانِ: كَوْنِيَّةٌ، وَدِينِيَّةٌ. فَكَلِمَاتُهُ الْكَوْنِيَّةُ هِيَ الَّتِي اسْتَعَاذَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي قَوْلِهِ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ.

الشيخ: علَّق عليه بشيءٍ؟

الطالب: صحيح، وتقدم غير مرةٍ.

الشيخ: بس؟

الطالب: الأرناؤوط علَّق عليه، قال: أخرجه أحمد وابن السني في "عمل اليوم والليلة" من حديث عبدالرحمن بن حنبش، وتمامه: من شرِّ ما خلق وبرأ وذرأ, ومن شرِّ ما ينزل من السماء، ومن شرِّ ما يعرج فيها, ومن شرِّ ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها, ومن شرِّ فتن الليل والنهار, ومن شرِّ كل طارقٍ، إلا طارقًا يطرق بخيرٍ يا رحمن، وإسناده صحيح.

الشيخ: ...........

قَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]، وَقَالَ تَعَالَى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ [الأنعام:115]، وَالْكَوْنُ كُلُّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، وَسَائِر الْخَوَارِقِ.

الشيخ: وإنما قال في هذا الحديث أنهن كلماته الكونية، قال: التي لا يُجاوزهنَّ برٌّ ولا فاجر، هذا الوصف إنما ينطبق على الكلمات الكونية، فإنه إذا أراد شيئًا لم يردَّه رادٌّ، بخلاف الكلمات الشَّرعية: كالقرآن والعبادات الشَّرعية التي شرعها الله، فهذه قد يُجاوزها الفاجر كما هو الواقع، فقد يُؤمر ويُخالف، فأكثر الخلق خالفوا الكلمات الشَّرعية، وخالفوا ما في القرآن؛ ولهذا نبَّه على هذا بقوله: التي لا يُجاوزهنَّ برٌّ ولا فاجر، هذا التَّنبيه من حديث النبي ﷺ يُبين أنَّ المراد الكلمات الكونية.

س: كيف نُفرق بين المعجزة والكرامات؟

ج: الأصل فيها أنها واحد، الكرامة والمعجزة هي الخارق للعادة، فإذا كان من باب التَّحدي كما جاءت به الرسل فهذه يُقال لها: معجزات في الاصطلاح، وتُسمَّى: كرامات في المعنى أيضًا، وإن كانت على يد المؤمنين وليسوا ممن ادَّعى الرسالةَ، بل هم من أتباع الرسل، فهذه أخص باسم الكرامة، وهي معجزة أيضًا للنبي الذي جاء بما عليه هذا المؤمن، فإن كانت ليست مع الأنبياء ولا مع المؤمنين فهي من الشَّعاوذ التي تأتي بها الشياطين، وإن سُميت: خارقًا، لكنَّها في الحقيقة شعوذة من الشيطان، وتزيين من الشيطان وتلبيس، حتى يظنَّ الناسُ أنَّ هذا مؤمن، أو أنَّ هذا نبي، وليس كذلك.

ولهذا قال العلماء كما تقدم: الميزان التزامه بالشرع، مَن كان مُلتزمًا بالشرع، مُستقيمًا عليه ظاهرًا وباطنًا، فما وقع له من الخوارق فهو كرامة، وإن كان غير ملتزمٍ فإنه مما تأتي به الشَّياطين من الخوارج لأربابها؛ للتلبيس على الناس، أو لقضاء حوائج أوليائهم من الإنس، كما قد يفعل السَّحرة والكهان والمنجمون؛ تلبيسًا من الشياطين وتغريرًا بهؤلاء.

...............

وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الْكَلِمَاتُ الدِّينِيَّةُ، وَهِيَ الْقُرْآنُ وَشَرْعُ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ، وَهِيَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ وَخَبَرُهُ، وَحَظُّ الْعَبْدِ مِنْهَا الْعِلْمُ بِهَا وَالْعَمَلُ، وَالْأَمْرُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، كَمَا أَنَّ حَظَّ الْعِبَادِ عُمُومًا وَخُصُوصًا الْعِلْمُ بِالْكَوْنِيَّاتِ وَالتَّأْثِيرُ فِيهَا، أَيْ بِمُوجبِهَا. فَالْأُولَى تَدْبِيرِيَّةٌ كَوْنِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ شَرْعِيَّةٌ دِينِيَّةٌ. فَكَشْفُ الْأُولَى الْعِلْمُ بِالْحَوَادِثِ الْكَوْنِيَّةِ، وَكَشْفُ الثَّانِيَةِ الْعِلْمُ بِالْمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَقُدْرَةُ الْأُولَى التَّأْثِيرُ فِي الْكَوْنِيَّاتِ؛ إِمَّا فِي نَفْسِهِ: كَمَشْيِهِ عَلَى الْمَاءِ، وَطَيَرَانِهِ فِي الْهَوَاءِ، وَجُلُوسِهِ فِي النَّارِ، وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ: بِإِصْحَاحٍ وَإِهْلَاكٍ، وَإِغْنَاءٍ وَإِفْقَارٍ.

وَقُدْرَةُ الثَّانِيَةِ التَّأْثِيرُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ: إِمَّا فِي نَفْسِهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ أن يأمر بطاعة الله ورسوله فَيُطَاعُ فِي ذَلِكَ طَاعَةً شَرْعِيَّةً.

الشيخ: تقدم أنَّ الكلمات نوعان: كلمات كونية قدرية مُقتضاها تنفيذ ما قضاه الله وقدَّره في العباد، كما قال جلَّ وعلا: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]، وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر:50]، فكلماته الكونية نافذة، لا رادَّ لها في جميع الخلق، من مُكلَّفين وغير مُكلَّفين، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وحظُّ العبد من ذلك أن يُؤمن بهذا الشيء، ويصبر، ويتحمل، وإذا أصابه ما يكره قال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. هذا حظُّه منها: أن يؤمن بذلك، وأنها حق، وأنَّ قدر الله نافذ، وأنَّ ما أصاب العبدَ لم يكن ليُخطئه، وما أخطأه لم يكن ليُصيبه.

وما يخرق الله من العادات للناس والأنبياء والمؤمنين له فيه حكمة بالغة، فهو يخرق العادات للرسل والأنبياء لتأييدهم وبيان صدقهم وأنه من عند الله، ويخرق العادات للأولياء المؤمنين إكرامًا لهم، وتأييدًا للحق الذي هم عليه، وإقامةً للحُجَّة على أعدائهم وخصومهم، وسدًّا لحاجتهم عند الحاجة، فقد يحتاج إلى الماء في مكانٍ لا ماءَ فيه، فيخرق الله العادةَ بأن يُوجِد له ماءً من غير سببٍ يعلمه الشخص، فيجد ماءً مُهيئًا له في إناءٍ في الصَّحراء فيشرب، أو ينزل المطر عليه حالًا بقدر حاجته؛ فضلًا منه وإحسانًا.

وقد يفعل هذا بغير المؤمنين، قد يخرق العادةَ لغير المؤمنين رحمةً منه لعباده، قد يكونون كفَّارًا في مهلكةٍ .......، فيُنزل الله عليهم المطر حتى يعيشوا؛ لأنَّ آجالهم حتى الآن لم تحضر، فيُنزل اللهُ المطرَ، وهم أعداؤه، أو البهائم يُنزل اللهُ المطر لأنها لم يُقدر موتها، بقي عليها أجل، فيُنزل الله لها المطر فتعيش.

وقد يجعل ذلك خارقًا لأوليائه وأهل طاعته إكرامًا لهم وتأييدًا لهم، وقد يكون ذلك لإقامة الحجَّة على الأعداء والخصوم؛ بأن يُعطيهم الله شيئًا من الكرامات؛ ليعلم الخصوم فضلهم وأنهم على حقٍّ، كما جرى للأنبياء عليهم الصَّلاة والسلام، وكما جرى لكثيرٍ من المؤمنين الذين احتاجوا إلى ذلك، فجعل اللهُ لهم كرامات تُؤيد ما هم عليه من الإيمان، وكما جرى لأهل الكهف، وكما جرى لأُسيد بن الحضير ولعباد بن بشر ولغيرهما من الكرامات، وكما جرى للرسل عليهم الصلاة والسلام، كل هذه تبع الكلمات الكونيَّة.

أما الكلمات الشرعية فهي مثل: القرآن، ومثل: التَّوراة، ومثل: الإنجيل، ومثل: أوامر الله للرسل: افعلوا كذا، اتركوا كذا، وأمروا الناسَ بكذا. هذه الكلمات الشرعية، فقد يُوفق العبدُ فيمتثل ويكون ذلك من سعادته، وقد لا يُوفق فلا يمتثل فيكون عاصيًا.

فكلمات الله الشَّرعية قد تُطاع، وقد لا تُطاع من الناس، قد يُطيعها بعضُ الناس، وقد لا يُطيعها بعضُ الناس، فإنَّ الناس مأمورون بأن يُوحِّدوا الله ويعبدوه ويُصلوا ويصوموا، وقد أطاع هذا الأمر بعضُ الناس وهم القليل، وعصاه الأكثرون: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، ولكن كلمات الله الكونية لا يعصيها أحدٌ، ولا يستطيع أن يُخالفها أحدٌ، فما قدَّره الله وما شاءه الله في الناس وفي العالم أمر كائن، لا يستطيع أحدٌ ردَّه، فما قدَّره الله من موتٍ لا بدَّ أن يكون الموت: بالفقر لا بدَّ أن يكون، بالغنى لا بدَّ أن يكون، بالحرب لا بدَّ أن يكون، وهكذا ما قضاه الله وقدَّره في سابق علمه ومضى به أمره الكوني فهو واقع.

ولهذا قال العلماء: تجتمع الكلمتان والإرادتان في حقِّ المطيع المؤمن، فإنه إنما أطاع بكلمات الله الكونية السَّابقة في علم الله أنه يُطيع، ثم هو وافق الكلمات الشرعية والإرادة الشرعية، فاجتمع له الأمران: موافقة الإرادة الشرعية والكلمات الشرعية، وموافقة الإرادة الكونية والكلمات الكونية التي بها وُجد هذا الشيء من طاعةٍ وترك معصيةٍ، فصارت الإرادتان والكلمتان في حقِّ المؤمن موجودتين، وأما في حقِّ العاصي والكافر فليس عنده إلا الإرادة الكونية والكلمات الكونية، وقد خالف الكلمات الشرعية والإرادة الشرعية، لم يُطبقها ولم يُوفَّق لها.

فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ الْخَوَارِقِ عِلْمًا وَقُدْرَةً لَا تَضُرُّ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ، فَمَنْ لَمْ يَنْكَشِفْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ، وَلَمْ يُسَخَّرْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْكَوْنِيَّاتِ؛ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ فِي مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ عَدَمُ ذَلِكَ أَنْفَعَ لَهُ، فَإِنَّهُ إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ الدِّينُ وَإِلَّا هَلَكَ صَاحِبُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّ الْخَارِقَ قَدْ يَكُونُ مَعَ الدِّينِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ عَدَمِهِ، أَوْ فَسَادِهِ، أَوْ نَقْصِهِ.

فَالْخَوَارِقُ النَّافِعَةُ تَابِعَةٌ لِلدِّينِ، خَادِمَةٌ لَهُ، كَمَا أَنَّ الرِّيَاسَةَ النَّافِعَةَ هِيَ التَّابِعَةُ لِلدِّينِ، وَكَذَلِكَ الْمَالُ النَّافِعُ.

الشيخ: وهذا أمر واضح، فإنَّ كثيرًا من الناس من أهل الإيمان والتَّقوى لم تحصل له خوارق، لا من الصحابة، ولا مَن بعدهم، فلم يكن هذا نقصًا في إيمانهم، ولا قدحًا فيهم، فإنَّ أكثر الصَّحابة لم تُنقل لهم كرامات، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، وخير الناس وأفضل الناس إيمانًا، فهذا لا ينقص من أقدارهم شيئًا، وهكذا مَن بعدهم من التابعين وأتباع التابعين والأئمة الكبار إلى زماننا هذا، هذا لا يضرّ، إذ قد تكون الكرامة والخارق في حقِّه من أسباب بطره وكبره وعجبه، فيهلك بسبب ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا لم يُعط شيئًا من ذلك فقد يكون خيرًا له؛ حتى يقوى إيمانه بالغيب، وليس هناك ما يُؤيده من المشاهدات الخارقة، فيكون هذا أكمل في إيمانه؛ لأنه آمن بالغيب، وصدَّق بالغيب، واستقام على الغيب، وتبع الغيب، فصار ذلك أكمل في إيمانه، وأكمل في خضوعه لله وإخلاصه لله ، وأبعد له عن خطر العُجب والكبر والتَّرفع على الناس.

وهكذا الرياسات إذا كانت تابعةً للدين ومؤيدة للدين صارت في حقِّ صاحبها خيرًا وفضلًا، وإن كانت تُكسبه عجبًا وكبرًا وظلمًا للناس صارت شرًّا في حقه، نسأل الله السَّلامة.

كَمَا كَانَ السُّلْطَانُ وَالْمَالُ النَّافِعُ بِيَدِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَمَنْ جَعَلَهَا هِيَ الْمَقْصُودَةَ، وَجَعَلَ الدِّينَ تَابِعًا لَهَا، وَوَسِيلَةً إِلَيْهَا، لَا لِأَجْلِ الدِّينِ فِي الْأَصْلِ؛ فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَنْ يَأْكُلُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، وَلَيْسَتْ حَالُهُ كَحَالِ مَنْ تَدَيَّنَ خَوْفَ الْعَذَابِ، أَوْ رَجَاءَ الْجَنَّةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَشَرِيعَةٍ صَحِيحَةٍ.

..............

وَالْعَجَبُ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّ هَمَّهُ قَدِ ارْتَفَعَ عَنْ أَنْ يَكُونَ خَوْفًا مِنَ النَّارِ أَوْ طَلَبًا لِلْجَنَّةِ؛ يَجْعَلُ هَمَّهُ بِدِينِهِ أَدْنَى خَارِقٍ مِنْ خَوَارِقِ الدُّنْيَا!

الشيخ: ثم هذا غلط؛ قوله: "ليس همي الجنة ولا النار" هذا غلط، فإنَّ المؤمن يُطلب منه أن يهتمَّ ويحذر ويحرص على حصول الجنة، ويحذر من النار، كما كان الرسلُ عليهم الصَّلاة والسلام، فرجاء الجنَّة والخوف من النار من صفات الرسل، ومن صفات المؤمنين، فالذي يُعرض عن هذا على خطرٍ من الزَّندقة والكفر والضَّلال؛ ولهذا قال بعضُ السلف: مَن عبد الله بالحبِّ -بزعمه أنه يُحب اللهَ فقط- فهو زنديق، كيف لا يخاف الله ولا يرجوه؟! ومَن هو حتى لا يخاف الله ولا يرجوه؟!

وقد قال الله في الرسل عليهم الصَّلاة والسلام: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا [الأنبياء:90]، ولم يقل: يدعوننا حبًّا فقط، بل يدعوننا رغبًا في الجنة، ورهبًا من النار، وهكذا الرسل قال في حقِّهم أيضًا: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا [الإسراء:57]، فالرسل والأنبياء والمؤمنون خافوا عذابَ الله، ورجوا ثوابه، وأحبوه حبًّا صادقًا حملهم على فعل طاعته، وترك معصيته، لم يحملهم على الغلو أو العُجب، بل حملهم على طاعة الله والخوف منه، والرغبة فيما عنده، فالعبادة تكون عن حبٍّ، وعن رجاءٍ، وعن خوفٍ، لا عن كبرٍ وبطرٍ وخيلاء وترفع على الناس.

ثُمَّ إِنَّ الدِّينَ إِذَا صَحَّ عِلْمًا وَعَمَلًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُوجِبَ خَرْقَ الْعَادَةِ، إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ صَاحِبُهُ، قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2- 3]، وَقَالَ تَعَالَى: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، وَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ۝ وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ۝ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:66- 68]، وَقَالَ تَعَالَى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ۝ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [يونس:62- 64].

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75]. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.

الشيخ: علَّق عليه؟

الطالب: ضعيف؛ فيه عند الترمذي وغيره عطية العوفي، وهو ضعيف، مدلس، وهو مخرَّج في "الأحاديث الضعيفة" (1821).

الشيخ: هذا الحديث له طرق يشدّ بعضُها بعضًا، وهو من قبيل الحسن، وكأنه لم يطلع على طرقه الكثيرة، وقد ذكر بعضها الحافظُ ابن كثيرٍ رحمه الله عند الآية الكريمة.

وَقَالَ تَعَالَى فِيمَا يَرْوِي عَنْهُ رَسُولُهُ ﷺ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لِأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ.

الشيخ: علَّق عليه؟

الطالب: قال: صحيح، أخرجه البخاري، وقد مضى بيان ما فيه.

الشيخ: شعيب؟

الطالب: أخرجه البخاري في الرقاق ..... من حديث أبي هريرة.

س: .............؟

ج: يعني عند الحاجة: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] إذا استقام الدينُ توجد المخارج، يُعطيه الله المخرج: إما بسدِّ جوعته، وإما بوجود ما يشربه، وإما بكبت عدوه، وإما بغير ذلك، كما قال : وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47].

.............

فَظَهَرَ أَنَّ الِاسْتِقَامَةَ حَظُّ الرَّبِّ، وَطَلَبَ الْكَرَامَةِ حَظُّ النَّفْسِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَقَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي إِنْكَارِ الْكَرَامَةِ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إِنْكَارِ الْمَحْسُوسَاتِ، وَقَوْلُهُمْ: لَوْ صَحَّتْ لَاشْتَبَهَتْ بِالْمُعْجِزَةِ، فَيُؤَدِّي إِلَى الْتِبَاسِ النَّبِيِّ بِالْوَلِيِّ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ!

وَهَذِهِ الدَّعْوَى إِنَّمَا تَصِحُّ إِذَا كَانَ الْوَلِيُّ يَأْتِي بِالْخَارِقِ وَيَدَّعِي النُّبُوَّةَ، وَهَذَا لَا يَقَعُ، وَلَوِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا، بَلْ كَانَ مُتَنَبِّئًا كَذَّابًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالْمُتَنَبِّئِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّيْخِ: (وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ الْمُجْتَبَى، وَنَبِيُّهُ الْمُصْطَفَى).

وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ هَاهُنَا: أَنَّ الْفِرَاسَةَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:

إِيمَانِيَّةٌ: وَسَبَبُهَا نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ عَبْدِهِ، وَحَقِيقَتُهَا أَنَّهَا خَاطِرٌ يَهْجُمُ عَلَى الْقَلْبِ، يَثِبُ عَلَيْهِ كَوُثُوبِ الْأَسَدِ عَلَى الْفَرِيسَةِ، وَمِنْهَا اشْتِقَاقُهَا.

الشيخ: ومنها اشتقاقها لأنها تفرسه، الفراسة من افتراس السبع لفريسته، فالفراسة تهجم على القلوب بأمارات، وأسبابها ظهرت للعبد، يتَّضح منها ما هجم على قلبه من ذلك الشيء المعين الذي تفرسه في شخصٍ أو قبيلةٍ أو جامعةٍ أو دولةٍ أو ما أشبه ذلك، بحسب ما وقع في قلبه من النور الذي نشأ عن قوة إيمانه وكمال بصيرته.

وَهَذِهِ الْفِرَاسَةُ عَلَى حَسَبِ قُوَّةِ الْإِيمَانِ، فَمَنْ كَانَ أَقْوَى إِيمَانًا أَخَذَ فِرَاسَتَهُ.

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْفِرَاسَةُ مُكَاشَفَةُ النَّفْسِ وَمُعَايَنَةُ الْغَيْبِ، وَهِيَ مِنْ مَقَامَاتِ الْإِيمَانِ. انْتَهَى.

وَفِرَاسَةٌ رِيَاضِيَّةٌ: وَهِيَ الَّتِي تَحْصُلُ بِالْجُوعِ وَالسَّهَرِ وَالتَّخَلِّي، فَإِنَّ النَّفْسَ إِذَا تَجَرَّدَتْ عَنِ الْعَوَائِقِ صَارَ لَهَا مِنَ الْفِرَاسَةِ وَالْكَشْفِ بِحَسَبِ تَجَرُّدِهَا، وَهَذِهِ فِرَاسَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى إِيمَانٍ، وَلَا عَلَى وِلَايَةٍ، وَلَا تَكْشِفُ عَنْ حَقٍّ نَافِعٍ، وَلَا عَنْ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ، بَلْ كَشْفُهَا مِنْ جِنْسِ فِرَاسَةِ الْوُلَاةِ وَأَصْحَابِ عِبَارَةِ الرُّؤيا وَالْأَظناء وَنَحْوِهِمْ.

الطالب: في الأصل: والأطباء.

الشيخ: الأطباء أظهر، فالأظناء ليس لها معنى، إذا تأمّل المريض قد يظهر له وينكشف له شيء من حركات المري، ومن نبضات قلبه، ومن كذا، أشياء خفية.

وَفِرَاسَةٌ خَلْقِيَّةٌ: وَهِيَ الَّتِي صَنَّفَ فِيهَا الْأَطِبَّاءُ وَغَيْرُهُمْ، وَاسْتَدَلُّوا بِالْخَلْقِ عَلَى الْخُلُقِ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِن الِارْتِبَاطِ الَّذِي اقْتَضَتْهُ حِكْمَةُ اللَّهِ: كَالِاسْتِدْلَالِ بِصِغَرِ الرَّأْسِ الْخَارِجِ عَنِ الْعَادَةِ عَلَى صِغَرِ الْعَقْلِ، وَبِكِبَرِهِ عَلَى كِبَرِهِ، وَسِعَةِ الصَّدْرِ عَلَى سِعَةِ الْخُلُقِ، وَبِضِيقِهِ عَلَى ضِيقِهِ، وَبِجُمُودِ الْعَيْنَيْنِ وَكَلَالِ نَظَرِهِمَا عَلَى بَلَادَةِ صَاحِبِهِمَا وَضَعْفِ حَرَارَةِ قَلْبِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

الشيخ: قد يتفرس بعضُ الناس في هذا الشيء، فقد يُصيب المتفرس وقد يُخطئ، فهذه فراسات خلقيَّة، قد يقع للمُتفرس صحّة ما قال، وقد لا يقع، إنما هذه من جملة الأسباب، وليس بشيءٍ لازمٍ.

قَوْلُهُ: (وَنُؤْمِنُ بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ: مِنْ خُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَنُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ السَّمَاءِ، وَنُؤْمِنُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجِ دَابَّةِ الْأَرْضِ مِنْ مَوْضِعِهَا).

عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِئَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا.

...............

الشيخ: إذا كان يسخط للمئة دينارٍ فكونه من علامات السَّاعة أن يُعطى أكثر فيسخط من باب أولى، فكثير من الناس قد يُعطى ألف دينار، وعشرة آلاف دينار، ولا يرضا؛ لأجل غلبة النُّفوس وكثرة الطَّمع.

ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، وَرُوِيَ: رَايَةً بِالرَّاءِ وَالْغَيْنِ، وَهُمَا بِمَعْنًى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ.

الطالب: علَّق عليه: صحيح، وهو مخرج في "فضائل الشام" (ص23).

يقول: أخرجه البخاري في "الجزية" باب "ما يحذر من الغدر"، وأحمد، ولم يُخرجه أبو داود ولا الترمذي.

الطالب: قال: رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه والطَّبراني.

..............

الطالب: قعص: القعص: الموت الوحي. ومات قعصًا: أصابته ضربة أو رمية فمات مكانه. وكغراب: داء في الغنم لا يلبثها أن تموت، وداء في الصدر كأنه يكسر العنق. قعصت –بالضم- فهي مقعوصة. والمقعاص والمقعص والقعاص: الأسد يقتل سريعًا. وشاة قعوص: تضرب حالبها، وتمنع الدّرة. وقعص كفرح: ما كانت كذلك فصارت.

الشيخ: قعاص.

الطالب: عقص شعره يعقصه: ضفره، وفتله. والعقصة –بالكسر- والعقيصة: الضَّفيرة، جمعه: عقص وعقاص وعقائص. وذو العقيصتين: ضمام بن ثعلبة، صحابي. وككتاب: خيط يشدّ به أطراف الذوائب. وعقصة القرن -بالضم: عقدته. والمعقص كمنبر: السَّهم المعوج، وما ينكسر نصله فيبقى سنخه في السّهم، فيخرج، ويضرب حتى يطول، ويرد إلى موضعه. والمعقاص: أسوأ من المعفاص، والشاة المعوجة القرن. وعقيصى -مقصورًا: لقب أبي سعيدٍ التَّيمي التابعي.

والأعقص من التّيوس: ما التوى قرناه على أذنيه من خلفه، والذي تلوت أصابعُه بعضها على بعضٍ، والذي دخلت ثناياه في فيه. والعقص محركة: خرم "مفاعلتن" في الوافر بعد العصب، وبيته:

لولا ملك رؤوف رحيم تداركني برحمته هلكت

مشتق منه. وككتف: رمل متعقد لا طريقَ فيه، وعنق الكرش، والبخيل، كالعيقص، كحيدر وسكيت.

والعقيصاء: كرشة صغيرة مقرونة بالكرش الكبرى. والعقنقصة كعكنكعة وخبعثنة: دويبة. والمعاقصة: المعازة.

الشيخ: ................

الطالب: والموتان -بالتحريك: خلاف الحيوان، أو أرض لم تحي بعد. وبالضم: موت يقع في الماشية، ويفتح.

الشيخ: .............

ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا. وَرُوِيَ: رَايَةً بِالرَّاءِ وَالْغَيْنِ، وَهُمَا بِمَعْنًى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ.

الشيخ: .............

وهذه الحادثة الأخيرة، وسوف يقع ما أخبر به النبيُّ ﷺ، وهم قد غدروا كثيرًا، لكن أنهم يأتون على ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا ما حصل، والحروب الصَّليبية فيما سمعنا أنهم لم يأتوا بهذا العدد الذي أخبر عنه النبيُّ ﷺ.

وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ السَّاعَةَ، فَقَالَ: مَا تَذَاكَرُونَ؟ قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، فَقَالَ: إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ، فَذَكَرَ: الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: علَّق عليه؟

الطالب: قال: أخرجه مسلم في "الفتن" باب "الآيات التي تكون قبل الساعة"، وأخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه.

وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" -وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ، وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ.

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَأَنْذَرَ قَوْمَهُ الْأَعْوَرَ الدَّجَّالَ، أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَمَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَـ فَـ ـرَ، فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةٍ: أَيْ كَافِرٌ.

الشيخ: ومع هذا يُتَّبع، مع هذا البيان العظيم من الرسل والأنبياء ومحمد عليهم الصَّلاة والسَّلام مع هذا يتبعه الأمم العظيمة، ومن عظم فتنته: أنَّ الله شرع لنا أن نستعيذ منه في آخر كل صلاةٍ، وفي حديث هشام بن عامر: ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم من الدَّجال، نسأل الله السَّلامة.

س: ..............

ج: الله أعلم، لكن من المعلوم في أولها أنَّ الدجال قبل المسيح، ثم المسيح بعد الدَّجال، ثم يأجوج ومأجوج، أما البقية ففيها اختلاف بين أهل العلم؛ لتعدد الروايات، وآخرها خروج النار، هذا آخرها، وطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة متقاربان، أيّهما خرجت فالأخرى على إثرها، والنار جاء في إحدى الروايات أنَّ خروجها من قعر عدن، وجاء في الرواية الأخرى من الشرق، وقال بعضُهم: ولعلها تخرج من عدن ثم تمتد وتزيد حتى يكون لها خروج من الشَّرق.

س: ..............؟

ج: المشهور عينه اليمنى، ولكن جاء في بعض الرِّوايات: أنَّ عينه اليسرى فيها بعض الشيء، وليست بسليمةٍ.

...............

الطالب: علَّق عليه: صحيح، رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. قلت: وهو على شرط الشَّيخين.

يقول: أخرجه البخاري في "الفتن" باب "ذكر الدجال"، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، قد قصر الشيخ ناصر فنسبه إلى الترمذي.

.................

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.

الشيخ: يفيض المال حتى لا يقبله أحدٌ، تغيرت الأحوالُ تغيرًا عظيمًا لما رأوا أمارات الساعة؛ رخصت الدنيا حتى يُؤتى للرجل بالصُّرَّة من الذهب فيقول: خذها، فيقول: لو جئتَ بها بالأمس لأخذتُها، أما الآن فلا حاجةَ لي بها.

ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء:159].

وَأَحَادِيثُ الدَّجَّالِ، وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَيَقْتُلُهُ، وَيَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ فِي أَيَّامِهِ بَعْدَ قَتْلِهِ الدَّجَّالَ، فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ عَلَيْهِمْ -يَضِيقُ هَذَا الْمُخْتَصَرُ عَنْ بَسْطِهَا.

وَأَمَّا خُرُوجُ الدَّابَّةِ وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ: فَقَالَ تَعَالَى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ [النمل:82].

وَقَالَ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ [الأنعام:158].

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ الْآيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا، فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا أَيْ: أَوَّلُ الْآيَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مَأْلُوفَةً، وَإِنْ كَانَ الدَّجَّالُ وَنُزُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ السَّمَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ.

الشيخ: أو المراد بذلك أول الآيات التي ليس بعدها توبة ولا جهاد، يعني: أول الآيات المتصلة بقيام الساعة وقريبة منها جدًّا، ليس بعدها أمل ولا توبة، بل كلٌّ يبقى له عمله، ولا يتمكن الكافرُ ولا العاصي من التوبة، وهي طلوع الشمس من مغربها، إذا طلعت الشمسُ من مغربها فلا توبةَ، والظاهر أنه معلق بطلوع الشمس من مغربها، لا بخروج الدابة، لكن إذا طلعت من مغربها فالدَّابة على إثرها، إن كانت طلعت قبلها فهي على إثرها.

...............

وَكَذَلِكَ خُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، كُلُّ ذَلِكَ أُمُورٌ مَأْلُوفَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ بَشَرٌ، مُشَاهَدَةُ مِثْلِهِمْ مَأْلُوفَةٌ، أَمَّا خُرُوجُ الدَّابَّةِ بِشَكْلٍ غَرِيبٍ غَيْرِ مَأْلُوفٍ، ثُمَّ مُخَاطَبَتُهَا النَّاسَ وَوَسْمُهَا إِيَّاهُمْ بِالْإِيمَانِ أَوِ الْكُفْرِ فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَجَارِي الْعَادَاتِ، وَذَلِكَ أَوَّلُ الْآيَاتِ الْأَرْضِيَّةِ، كَمَا أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا عَلَى خِلَافِ عَادَتِهَا الْمَأْلُوفَةِ أَوَّلُ الْآيَاتِ السَّمَاوِيَّةِ.

وَقَدْ أَفْرَدَ النَّاسُ في أَحَادِيثِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ مُصَنَّفَاتٍ مَشْهُورَةٍ، يَضِيقُ عَلَى بَسْطِهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ.