بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمُتقين، ولا عدوانَ إلا على الظَّالمين كالمبتدعة والمشركين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، إله الأوَّلين والآخرين، وقيوم السَّماوات والأرضين، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه أجمعين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ وأصحابه، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإنَّ كتاب "التوحيد" الذي ألَّفه الإمامُ شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -أجزل اللهُ له الأجر والثواب، وغفر له ولمن أجاب دعوته إلى يوم يقوم الحساب- قد جاء بديعًا في معناه: من بيان التوحيد ببراهينه، وجمع جملًا من أدلته لإيضاحه وتبيينه، فصار علمًا للمُوحدين، وحُجَّةً على الملحدين، فانتفع به الخلق الكثير، والجمُّ الغفير.
فإنَّ هذا الإمام رحمه الله في مبدأ منشئه قد شرح اللهُ صدرَه للحقِّ المبين الذي بعث اللهُ به المرسلين: من إخلاص العبادة بجميع أنواعها لله ربِّ العالمين، وإنكار ما كان عليه الكثيرُ من شرك المشركين، فأعلى الله همَّته، وقوَّى عزيمته، وتصدَّى لدعوة أهل نجدٍ إلى التوحيد الذي هو أساس الإسلام والإيمان، ونهاهم عن عبادة الأشجار والأحجار والقبور والطواغيت والأوثان، وعن الإيمان بالسَّحرة والمنجمين والكهَّان، فأبطل اللهُ بدعوته كل بدعةٍ وضلالةٍ يدعو إليها كل شيطانٍ، وأقام اللهُ به علم الجهاد، وأدحض به شُبه المعارضين من أهل الشِّرك والعناد، ودان بالإسلام أكثر أهل تلك البلاد، الحاضر منهم والباد، وانتشرت دعوتُه ومُؤلفاته في الآفاق، حتى أقرَّ له بالفضل من كان من أهل الشِّقاق، إلا مَن استحوذ عليه الشيطان، وكرَّه إليه الإيمان، فأصرَّ على العناد والطُّغيان.
وقد أصبح أهلُ جزيرة العرب بدعوته كما قال قتادةُ رحمه الله عن حال أول هذه الأمة: "إنَّ المسلمين لما قالوا: "لا إله إلا الله" أنكر ذلك المشركون وكبرت عليهم، وضاق بها إبليسُ وجنوده، فأبى اللهُ إلا أن يُمضيها ويُظهرها، ويفلجها وينصرها على مَن ناوأها، إنها كلمةٌ مَن خاصم بها فلج، ومَن قاتل بها نُصر، إنما يعرفها أهلُ هذه الجزيرة التي يقطعها الراكب في ليالٍ قلائل ويسير من الدَّهر.
الشيخ: ويسير الدهر، (من) غلط، ويسير الدهر.
الشيخ: وهذا في أول الإسلام، ثم انتشرت، لما كانت في المدينة ومكة وما حولها، ثم انتشرت بجهاد الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في الآفاق، وانتشرت في أوروبا والمشرق والمغرب، وعمَّت الدَّعوة، فهكذا دعوة الشيخ رحمه الله: كان أهلُ نجدٍ وغالب البلاد قد عمَّتهم الفتنة والجهل وقلَّة العلماء، وبالأخص بلاد نجدٍ حصل فيها من الجهل في القرون الأخيرة، فلما رأى الشيخُ ما أصاب الناسَ من الجهل، والبناء على القبور، واتِّخاذ الأشجار والأحجار، وعبادة الأشجار والأحجار، شرح اللهُ صدره للدَّعوة بعدما تعلم على أبيه، وبعدما سافر للحجاز وتعلم في مكة والمدينة، وسافر للعراق أيضًا، وأخذ عن علماء البصرة، ثم رجع رحمه الله في وسط القرن الثاني عشر وقام بالدَّعوة إلى الله في حريملاء، بعدما انتقل أبوه من عُيينة إلى حريملاء، ثم انتقل من حريملاء إلى عُيينة وقام بالدَّعوة فيها مدةً طويلةً عند أميرها عثمان بن معمر، ثم حصل بينه وبين عثمان بعض الشيء؛ فانتقل إلى الدَّرعية، وبايعه الإمام محمد بن سعود في الدرعية في سنة 1157، وتمت البيعة على هذا الأمر العظيم، وقام بالدَّعوة رحمه الله من ذاك الوقت، وانتشر المجاهدون والدُّعاة من عام 58 وما بعدها في هذه الجزيرة، يدعون إلى الله، ويُعلمون ويُرشدون، وقام سوقُ الجهاد ضد مَن خالف الدَّعوة من أطراف نجدٍ وغيرها، فرحمه الله، وأجزل مثوبته وأنصاره وأعوانه، وجعلنا وإياكم من دُعاة الهدى وأنصار الحقِّ.
وقد شرح اللهُ صدورَ كثيرٍ من العلماء لدعوته، وسروا واستبشروا بطلعته، وأثنوا عليه نثرًا ونظمًا.
فمن ذلك ما قاله عالم صنعاء محمد بن إسماعيل الأمير في هذا الشيخ رحمه الله تعالى:
وقد جاءت الأخبارُ عنه بأنه | يُعيد لنا الشَّرع الحنيف بما يبدي |
وينشر جهرًا ما طوى كل جاهلٍ | ومبتدعٍ منه فوافق ما عندي |
ويعمر أركان الشَّريعة هادمًا | مشاهد ضلَّ الناسُ فيها عن الرُّشد |
أعادوا بها معنى سواع ومثله | يغوث وود بئس ذلك من ود |
وقد هتفوا عند الشَّدائد باسمها | كما يهتف المضطر بالصمد الفرد |
وكم عقروا في سوحها من عقيرةٍ | أُهِلَّت لغير الله جهرًا على عمدِ |
وكم طائفٍ حول القبور مقبل | ومُستلم الأركان منهن بالأيدي |
الشيخ: باليد، خطّها بالأيدي؟
الطالب: نعم.
الشيخ: لا، باليد مُشددة. هذا صاحب "السُّبل" رحمه الله.
وقال شيخُنا عالم الأحساء أبو بكر حسين بن غنام رحمه الله تعالى:
لقد رفع المولى به رتبة الهدى | بوقتٍ به يعلى الضَّلال ويرفع |
سقاه نمير الفهم مولاه فارتوى | وعام بتيار المعارف يقطع |
فأحيا به التوحيد بعد اندراسه | وأوهى به من مطلع الشِّرك مهيع |
سما ذروة المجد التي ما ارتقى لها | سواه ولا حاذى فناها سميدع |
الشيخ: يعني في زمانه وما حوله، الله أكبر، الله المستعان.
وشمَّر في منهاج سنة أحمد | يشيد ويُحيي ما تعفى ويرفع |
يُناظر بالآيات والسنة التي | أمرنا إليها في التَّنازع نرجع |
فأضحت به السَّمحاء يبسم ثغرها | وأمسى مُحياها يُضيء ويلمع |
وعاد به نهج الغواية طامسًا | وقد كان مسلوكًا به الناس ترتع |
وجرت به نجد ذيول افتخارها | وحُقَّ لها بالألمعي ترفع |
فآثاره فيها سوام سوافر | وأنواره فيها تُضيء وتلمع |
س: فأضحت به السَّمحاء؟
ج: السّمحاء: الشَّريعة.
وأما كتابه المذكور فموضوعه في بيان ما بعث اللهُ به رسله من توحيد العبادة، وبيانه بالأدلة من الكتاب والسنة، وذكر ما يُنافيه من الشِّرك الأكبر، أو يُنافي كماله الواجب من الشِّرك الأصغر ونحوه، وما يقرب من ذلك أو يُوصل إليه.
وقد تصدَّى لشرحه حفيد المصنف، وهو الشيخ سليمان بن عبدالله رحمه الله تعالى، فوضع عليه شرحًا أجاد فيه وأفاد، وأبرز فيه من البيان ما يجب أن يُطلب منه ويُراد، وسمَّاه "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد".
وحيث أطلق "شيخ الإسلام" فالمراد به أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيمية، و"الحافظ" فالمراد به أحمد بن حجر العسقلاني.
ولما قرأتُ شرحه رأيتُه أطنب في مواضع، وفي بعضها تكرار يُستغنى بالبعض منه عن الكلِّ، ولم يكمله، فأخذتُ في تهذيبه وتقريبه وتكميله، وربما أدخلتُ فيه بعض النقول المستحسنة؛ تتميمًا للفائدة، وسميته "فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد".
الشيخ: رحمة الله على الجميع، وجزاهم الله خيرًا رحمهم الله.
سليمان قُتل في حرب الدَّرعية سنة 33 رحمه الله؛ ولهذا قام المؤلفُ الشيخ عبدالرحمن بن حسن بتهذيب هذا الشرح وتكميله؛ لأنه ما كمَّله سليمان، فكمله الشيخ عبدالرحمن، وزاد فيه نقولًا حسنةً، الشيخ عبدالرحمن رحمه الله مات سنة 1285، في آخر القرن الثالث، رحمة الله على الجميع.
س: حدود الجزيرة؟
ج: محل العرب: نجد والحجاز واليمن والخليج، كله جزيرة، كل هذا جزيرة العرب: نجد والحجاز واليمن، اليمن على الصحيح من جزيرة العرب؛ لأنها من مساكن العرب، وهكذا بلدان الخليج كلها من الجزيرة.
وأسأل الله أن ينفع به كلَّ طالبٍ للعلم ومُستفيد، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، ومُوصلًا مَن سعى فيه إلى جنات النَّعيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم) ابتدأ كتابه بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز، وعملًا بحديث: كل أمرٍ ذي بالٍ لا يُبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع أخرجه ابنُ حبان من طريقين. قال ابنُ الصلاح: والحديث حسن.
ولأبي داود وابن ماجه: كل أمرٍ ذي بالٍ لا يُبدأ فيه بالحمد لله -أو بالحمد- فهو أقطع.
ولأحمد: كل أمرٍ ذي بالٍ لا يُفتتح بذكر الله فهو أبتر -أو أقطع.
وللدَّارقطني عن أبي هريرة مرفوعًا: كل أمرٍ ذي بالٍ لا يُبدأ فيه بذكر الله فهو أقطع.
والمصنف قد اقتصر في بعض نُسخه على البسملة؛ لأنها من أبلغ الثَّناء والذكر؛ للحديث المتقدم، وكان النبيُّ ﷺ يقتصر عليها في مُراسلاته، كما في كتابه لهرقل عظيم الروم.
ووقع لي نسخة بخطه رحمه الله تعالى بدأ فيها بالبسملة، وثنَّى بالحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله.
وعلى هذا فالابتداء بالبسملة حقيقي، وبالحمد له نسبي إضافي، أي بالنسبة إلى ما بعد الحمد يكون مبدوءًا به.
والباء في "بسم الله" مُتعلقة بمحذوف، واختار كثيرٌ من المتأخرين كونه فعلًا خاصًّا مُتأخِّرًا:
أما كونه فعلًا؛ فلأنَّ الأصل في العمل للأفعال.
وأما كونه خاصًّا؛ فلأنَّ كل مُبتدئٍ بالبسملة في أمرٍ يُضمر ما جعل البسملة مبدأً له.
الشيخ: والمعنى: بسم الله أُؤلف، أو أكتب، وعند الأكل: بسم الله، يعني: آكل، وعند الشُّرب: بسم الله، يعني: أشرب، المعلق على حسب الواقع، فالسنة البداءة بالبسملة، كما فعل النبيُّ ﷺ في مُراسلاته، وكما نزل القرآنُ بالبسملة في أول كل سورةٍ.
أما التَّثنية بالحمد فهذا من باب الكمال.
س: حديث البسملة؟
ج: طرقه يشدّ بعضُها بعضًا، من باب الحسن لغيره.
س: تأسيًا بالكتاب العزيز؟
ج: لا مانع، طيب، إذا اقتدى بالله جلَّ وعلا فيما فعل : كونه بدأ كل سورةٍ بالبسملة، وأولها اقْرَأْ [العلق].
وأما كونه مُتأخِّرًا: فلدلالته على الاختصاص، وأدخل في التَّعظيم، وأوفق للوجود؛ ولأنَّ أهمَّ ما يبدأ به ذكر الله تعالى.
وذكر العلامةُ ابنُ القيم رحمه الله تعالى لحذف العامل فوائد:
منها: أنه موطنٌ لا ينبغي أن يتقدم فيه غير ذكر الله.
ومنها: أنَّ الفعل إذا حُذف صحَّ الابتداء بالبسملة في كل عملٍ وقولٍ وحركةٍ، فكان الحذفُ أعمَّ. انتهى مُلخَّصًا.
وباء "بسم الله" للمُصاحبة. وقيل: للاستعانة. فيكون التَّقدير: بسم الله أُؤلف حال كوني مُستعينًا بذكره، مُتبركًا به.
وأما ظهوره في: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1]، وفي: بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا [هود:41]؛ فلأنَّ المقام يقتضي ذلك كما لا يخفى.
والاسم مُشتقٌّ من السُّمو، وهو العُلو.
وقيل: من الوسم، وهو العلامة؛ لأنَّ كلَّ ما سُمي فقد نوه باسمه ووسم.
قوله: "الله" قال الكسائي والفرَّاء: أصله "الإله"، حذفوا الهمزة، وأدغموا اللام في اللام، فصارتا لامًا واحدةً مُشددةً مُفخَّمةً.
قال العلامةُ ابن القيم رحمه الله: الصحيح أنه مشتقٌّ، وأنَّ أصله "الإله"، كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلَّا مَن شذَّ. وهو الجامع لمعاني الأسماء الحسنى والصِّفات العُلى.
والذين قالوا بالاشتقاق إنما أرادوا أنه دالٌّ على صفةٍ له تعالى، وهي الإلهية، كسائر أسمائه الحسنى: كالعليم والقدير، والسَّميع، والبصير، ونحو ذلك. فإنَّ هذه الأسماء مشتقة من مصادرها بلا ريبٍ، وهي قديمة، ونحن لا نعني بالاشتقاق إلا أنها مُلاقية لمصادرها في اللَّفظ والمعنى، لا أنها مُتولدة منه تولد الفرع من أصله.
وتسمية النُّحاة للمصدر والمشتقّ منه: أصلًا وفرعًا، ليس معناه أنَّ أحدهما مُتولد من الآخر، وإنما هو باعتبار أنَّ أحدهما يتضمن الآخر وزيادة.
الشيخ: وهذا هو الحقّ: أنَّ أسماءه جلَّ وعلا كلها أعلام ونعوت، جمعت بين هذا وهذا، فهي علمٌ عليه، يُنادى به ، ويُعرف به، وهي نعوت أيضًا؛ لأنها مشتملة على المعاني، وليست جامدةً، كلها مشتقة، حتى الجلالة: الله من الألوهية، وهي العبادة، سُمي الله لأنه يُؤله ويُعبد ويُستعان به ويُدعا، كما أنه الرحمن؛ لأنه يرحم، والعزيز لأنه ذو العزة العظيمة، وهكذا السَّميع، والبصير، والقدير، كلها أسماء مشتقة من معانيها.
قال أبو جعفر ابن جرير: "الله" أصله "الإله"، أُسقطت الهمزة التي هي فاء الاسم، فالتقت اللامُ التي هي عين الاسم، واللام الزائدة، وهي ساكنة، فأُدغمت في الأخرى، فصارتا في اللَّفظ لامًا واحدةً مُشددةً.
وأما تأويل "الله" فإنه على معنى ما رُوي لنا عن عبدالله بن عباسٍ قال: "هو الذي يألهه كل شيءٍ، ويعبده كل خلقٍ".
وساق بسنده عن الضَّحاك، عن عبدالله بن عباسٍ قال: "الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين".
فإن قال لنا قائلٌ: وما دلَّ على أنَّ الألوهية هي العبادة، وأنَّ الإله هو المعبود، وأنَّ له أصلًا في فَعِلَ ويَفْعَل؟ وذكر بيت رُؤبة بن العجاج:
لله درّ الغانيات المدَّه | سبحن واسترجعن من تألهي |
يعني: من تعبدي وطلبي الله بعملي.
مداخلة: في الحاشية: كذا في الأصل، والعبارة ناقصة، ونصها: فإن قال لنا قائل: فهل لذلك في فَعِلَ ويفعل أصلٌ كان منه بناء هذا الاسم؟
قيل: أما سماعًا من العرب فلا، ولكن استدلالًا.
فإن قال: وما دلَّ على أنَّ الألوهية هي العبادة، وأنَّ الإله هو المعبود، وأنَّ له أصلًا في فعل يفعل؟
قيل: لا تُمانع العرب في الحكم لقول القائل يصف رجلًا بعبادة الله ويطلب مما عند الله: "تأله فلان" بالصحة، ولا خلاف. ومن ذلك قول رؤبة .. إلخ.
الشيخ: المعنى واضح، أقول: المعنى واضح.
يعني: من تعبدي وطلبي الله بعملي.
ولا شكَّ أنَّ التَّأله التَّفعل، من أله يأله، وأنَّ معنى "أله" إذا نُطق به: عبد الله. وقد جاء منه مصدر يدل على أنَّ العرب قد نطقت منه بفعل يفعل بغير زيادةٍ.
مداخلة: في الحاشية: قال في اللِّسان: مَدَهَه يَمْدَهُه مَدْهًا، مثل: مدحه، والجمع: المدَّه، أي: المستحِقَّات للمدح لحسنهنَّ وجمالهنَّ. انتهى. والتَّأله: التَّنسك والتَّعبد.
الشيخ: نعم.
الشيخ: ويمكن أن يُستعمل أله مثل سمع ..... أَلِهَ يَأْلَه من باب فَعِلَ، وأَلَهَ يَأْلَه من باب قَطَعَ يقطع، نحر ينحر، مفتوح الماضي والمضارع.
المقصود أنه مشتقّ: أَلَهَ يأله، أو أَلِهَ يأله إلهةً، مثل ما في قراءة بعض القُرَّاء: وَيَذَرَكَ وَإِلهَتَكَ يعني: فرعون، يعني: وعبادتك.
التَّأله: التَّعبد، والإله: المعبود، فهو كله مشتقٌّ من الألف واللام والهاء: أله مصدر هذا الفعل.
"القاموس"؟
الطالب: موجود.
الشيخ: انظر: أله.
وذلك ما حدَّثنا به سفيان بن وكيع، وساق السند إلى ابن عباسٍ: أنه قرأ وَيَذَرَكَ وَإِلهَتَكَ قال: عبادتك. ويقول: "إنه كان يُعبَد ولا يَعْبُد".
وساق آخر عن ابن عباسٍ: وَيَذَرَكَ وَإِلهَتَكَ، قال: "إنما كان فرعون يُعْبَد ولا يَعْبُد".
وذكر مثله عن مجاهد، ثم قال: فقد بيَّن قول ابن عباسٍ ومجاهد هذا: أنَّ "أله" عبد، وأنَّ الإلهة مصدره، وساق حديثًا عن أبي سعيدٍ مرفوعًا: "أنَّ عيسى أسلمته أمُّه إلى الكُتَّاب ليُعلمه، فقال له المعلم: اكتب بسم الله. فقال عيسى: أتدري ما الله؟ الله إله الآلهة".
قال العلامةُ ابن القيم رحمه الله: لهذا الاسم الشَّريف عشر خصائص لفظية. وساقها، ثم قال: وأما خصائصه المعنوية فقد قال أعلمُ الخلق ﷺ: لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك، وكيف نُحصي خصائص اسمٍ لمسماه كل كمالٍ على الإطلاق، وكل مدحٍ وحمدٍ، وكل ثناءٍ، وكل مجدٍ، وكل جلالٍ، وكل كمالٍ، وكل عزٍّ، وكل جمالٍ، وكل خيرٍ وإحسانٍ وجودٍ وفضلٍ وبرٍّ فله ومنه؟
فما ذُكر هذا الاسم في قليلٍ إلا كثَّره، ولا عند خوفٍ إلا أزاله، ولا عند كربٍ إلا كشفه، ولا عند همٍّ وغمٍّ إلا فرَّجه، ولا عند ضيقٍ إلا وسعه، ولا تعلَّق به ضعيفٌ إلا أفاده القوة، ولا ذليلٌ إلا أناله العزَّ، ولا فقيرٌ إلا أصاره غنيًّا، ولا مُستوحش إلا آنسه، ولا مغلوبٌ إلا أيَّده ونصره، ولا مُضطرٌّ إلا كشف ضرَّه، ولا شريدٌ إلا آواه.
فهو الاسم الذي تُكشف به الكربات، وتُستنزل به البركات، وتُجاب به الدَّعوات، وتُقال به العثرات، وتُستدفع به السَّيئات، وتُستجلب به الحسنات.
وهو الاسم الذي قامت به الأرض والسَّماوات، وبه أُنزلت الكتب، وبه أُرسلت الرسل، وبه شُرعت الشَّرائع، وبه قامت الحدود، وبه شُرع الجهاد، وبه انقسمت الخليقةُ إلى السُّعداء والأشقياء، وبه حقَّت الحاقَّة، ووقعت الواقعة، وبه وُضعت الموازين القسط، ونُصب الصراط، وقام سوقُ الجنة والنار، وبه عُبد ربُّ العالمين وحُمد، وبحقِّه بُعثت الرسل، وعنه السؤال في القبر ويوم البعث والنُّشور، وبه الخِصام، وإليه المحاكمة، وفيه الموالاة والمعاداة، وبه سعد مَن عرفه وقام بحقِّه، وبه شقي مَن جهله وترك حقَّه، فهو سرُّ الخلق والأمر، وبه قاما وثبتا، وإليه انتهيا، فالخلق به وإليه ولأجله، فما وُجد خلقٌ ولا أمرٌ ولا ثوابٌ ولا عقابٌ إلا مُبتدئًا منه، ومُنتهيًا إليه، وذلك مُوجبه ومُقتضاه: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191]. إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.
الشيخ: هذا كله يعني التَّمسك بهذا الاسم الكريم (الله)، وأداء حقه، فإنَّ مَن تمسك بهذا الاسم الكريم وأدى حقَّه: عبادةً، وتوحيدًا، وإخلاصًا، وتركًا للنَّواهي، وطاعةً للأوامر؛ حصل به كل خيرٍ، فهذا هو الأساس، وبقية الأسماء تابعة لذلك.
مداخلة: تعليق على حديث أبي سعيدٍ، قال: موضوع، لا أصلَ له، ابن جرير، وفي إسناده إسماعيل بن عبدالله التَّيمي، مُجمعٌ على تركه، كما قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"، وعدَّ هذا الحديث من أكاذيبه، وكذا الذَّهبي في "الميزان"، وراجع تعليق الشيخ أحمد شاكر على تفسير الطبري، وسيأتي جزء منه بعد قليلٍ.
الشيخ: في قصة عيسى؟
الطالب: إيه.
الشيخ: نعم، نعم.
س: ..............؟
ج: الربّ جلَّ وعلا، هذا المقصود؛ لأنَّ هذا أصل الأسماء، الله أصل الأسماء، والبقية تابعة له: الرحمن، الرحيم، العزيز، الحكيم، القدير، السَّميع، المراد أنه هو الرب دائمًا إلهه ومعبوده.
س: الله من أسماء الله الحسنى؟
ج: هو أصل الأسماء وأعظمها وأشهرها (الله)، نعم، والباقي تبع.
مداخلة: قال في "القاموس": أَلَهَ إلاهةً وألوهةً وألوهيَّةً: عبد عبادةً، ومنه لفظ الجلالة، واختُلف فيه على عشرين قولًا، ذكرتُها في المباسيط، وأصحّها أنه عَلَمٌ غير مُشتقٍّ.
الشيخ: هذا في رأيه، والصواب أنه علمٌ ومُشتق جميعًا، ضبط (أله) وإلا ما ضبطه؟
الطالب: في الشكل فقط: أَلَهَ. وفي بقية أحسن الله إليك: وأصله (إله) كفِعال، بمعنى: مألوه، وكل ما اتّخذ معبودًا إله عند متَّخذه بين الإلهية والأُلهانية –بالضم- والإلهة موضع بالجزيرة، والحية ..
الشيخ: خرج، خرج، لما أطلق هذا معناه أنَّ الأصل فيه الفتح، لما أطلق الأصل فيه الفتح: أَلَهَ يَأْلَه، مثل: جعل يجعل، قطع يقطع، يعني مفتوح الماضي والمضارع.
قوله: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3].
قال ابنُ جرير: حدَّثني السَّري بن يحيى: حدَّثنا عثمان بن زفر، سمعتُ العرزمي يقول: "الرحمن بجميع الخلق، والرحيم بالمؤمنين".
وساق بسنده عن أبي سعيدٍ -يعني الخدري- قال: قال رسولُ الله ﷺ: إنَّ عيسى ابن مريم قال: الرحمن: رحمن الآخرة والدنيا. والرحيم: رحيم الآخرة.
قال ابنُ القيم رحمه الله تعالى: فاسمه "الله" دلَّ على كونه مألوهًا معبودًا، يألهه الخلائق محبَّةً وتعظيمًا وخضوعًا، ومفزعًا إليه في الحوائج والنَّوائب. وذلك مُستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمنين لكمال الملك والحمد، وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه مُستلزم لجميع صفات كماله؛ إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحيٍّ، ولا سميعٍ، ولا بصيرٍ، ولا قادرٍ، ولا مُتكلِّمٍ، ولا فعَّالٍ لما يريد، ولا حكيمٍ في أقواله وأفعاله.
فصفات الجلال والجمال أخصّ باسم "الله"، وصفات الفعل والقُدرة والتَّفرد بالضُّرِّ والنَّفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة، وكمال القُوة، وتدبير أمر الخليقة أخصّ باسم "الرب"، وصفات الإحسان والجود والبرّ والحنان والمنة والرأفة واللُّطف أخصّ باسم "الرحمن".
الشيخ: وفي هذا المعنى يقول جلَّ وعلا: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحج:65]، فهو رؤوف بهم، ورحيم بهم؛ لكمال إحسانه وجوده وكرمه، وهو خالقهم وربهم، والمستحقّ لأن يعبدوه ؛ ولهذا قال : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56- 58]، فأتى بالأسماء المناسبة لكونه هو المستحقّ لأن يُعبد ، وهو الرزاق، وهو ذو القوة، وهو المتين، وقال جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] بيَّن أنه خالقهم، وهو المستحقّ لأن يعبدوه جلَّ وعلا.
الشيخ: والمعنى أنَّ الرحمن صفة قائمة به، "ذو الرحمة الواسعة" وصفٌ له، قائمٌ به جلَّ وعلا، وصف نفسه بالرحيم لتعلّقها بالمخلوقين: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا، إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحج:65]، ولم يقل: إنَّ الله بالناس لرحمان؛ لأنَّ وصف فعلان تتعلق بوصفه جلَّ وعلا: كالعلَّام، والقدوس، ونحو ذلك، ورحيم مثل: الرؤوف، والبصير بهم؛ لأنه يرحم أحوالهم، ويعطف عليهم، ويُحسن إليهم، وهو بصيرٌ بهم جلَّ وعلا.
الشيخ: بل ورود الاسم العلم.
القارئ: بل ورود الاسم العلم.
الشيخ: مثل قوله جلَّ وعلا: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].
القارئ: كقوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. انتهى مُلخَّصًا.
الشيخ: وهذه قاعدة: أنَّ أسماءه جلَّ وعلا هي أسماء ونعوت، هي أعلام يُدعا بها، وهي أوصاف له ، كلها، كل الأسماء: الله، والرحمن، جميع الأسماء، حتى الجلالة اسم مُشتق من الألوهية، فجميع أسمائه وصفاته هي أسماء وأعلام عليه، يُنادى بها ويُدعا، وهي أيضًا أوصاف دالَّة على الوصف القائم به من الرحمة والسَّمع والبصر والخلق وغير ذلك.
س: ...............؟
ج: الأمر واسع في هذا إن شاء الله.
س: ................؟
ج: ورد النَّافع، الضَّار، لكن ما أعرف فيه أحاديث صحيحة، جاء في أحاديث فيها ضعف، لكن وصفه (النَّافع، الضَّار) حقٌّ، هو النافع الضَّار .
س: أليس من أسماء الله: النَّاصر؟
ج: النَّصير: نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الأنفال:40]، أما الناصر فما أعرف فيه شيئًا من الرِّوايات.
س: مَن حصر لله تسعةً وتسعين اسمًا؟
ج: لا، هذا فقط معلّق: إنَّ لله تسعةً وتسعين اسمًا، مَن أحصاها دخل الجنة، هذه الأسماء تعلّق بها مَن أحصاها دخل الجنة، وإلا فأسماؤه أكثر من ذلك ، أسماؤه كثيرة في القرآن وفي السُّنة.
س: اسم عبدالناصر؟
ج: تركه أولى، إذا رأى عبدالنَّصير، أو عبدالملك؛ لأنَّ الناصر لا نعرفه في شيءٍ من الرِّوايات الصَّحيحة.
س: الصِّفة يُدعا بها؟
ج: يُدعا بها، لا تُدعا، يُدعا بها، يُتوسل بها، أما الأسماء فتُدعا: يا رحمن، يا رحيم، يا سميع، يا بصير، لكن لا يقال: يا رضا الله ارضَ عني، أو يا عفو الله، لا، اللهم إني أسألك بعفوك، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، يتوسل بها، ولكن الأسماء هي التي تُدعا: يا رحمن، يا رحيم، يا سميع، يا قوي، يا خلَّاق، يا رزَّاق، يُدعا بأسمائه .
س: أعوذ بعزة الله؟
ج: هذا تعوذ وتوسل: أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، بعزة الله وقُدرته، لا يقال: يا عزة الله انصرينا، نقل الشيخُ تقي الدين ابن تيمية إجماعَ العلماء على منع ذلك: أن الصِّفات لا تُدعا، إنما الدَّعوة للأسماء، يُدعا بأسمائه .
س: يُتوسل بها؟
ج: التوسل لا بأس بالصِّفات، والتَّعوذ بالصِّفات: أعوذ بكلمات الله التامات، أعوذ برضا الله من سخطه، برضاك من سخطك، لكن لا يقال: يا رضا الله، يا عفو الله، يا علم الله، يا سمع الله، لا، يقول: يا الله، يا سميع، يا عليم، يا رؤوف، يا رحيم، اغفر لنا وارحمنا، يُدعا بأسمائه : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180].
(الحمد لله، وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وسلم).
قوله: (الحمد لله) معناه الثناء بالكلام على الجميل الاختياري على وجه التَّعظيم. فمورده: اللِّسان والقلب. والشكر يكون باللِّسان والجنان والأركان. فهو أعمّ من الحمد مُتعلقًا، وأخصّ منه سببًا؛ لأنه يكون في مقابلة النِّعمة، والحمد أعمّ سببًا، وأخصّ مُتعلقًا؛ لأنه يكون في مقابلة النِّعمة وغيرها. فبينهما عموم وخصوص وجهي، يجتمعان في مادةٍ، وينفرد كل واحدٍ عن الآخر في مادةٍ.
الشيخ: هذا قولٌ لبعض أهل العلم، وبعض أهل العلم يرى الحمد والشكر شيء واحد، فهو محمود، مشكور ؛ لأسمائه وصفاته وعظيم إنعامه.
وقال آخرون من أهل العلم: الحمد يكون بالثناء باللسان، ويكون بالقلب، وأما الشكر فيكون بالقلب واللسان والعمل: اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا [سبأ:13]، والشكر يكون أسبابه النِّعَم، والحمد يكون للنِّعمة والصفات، يُحمد لذاته ولأسمائه وصفاته، ويُشكر لإنعامه وإفضاله وجوده جلَّ وعلا.
وأما القول الثاني فهو يُشكر لهذا وهذا، ويُحمد لهذا وهذا؛ لصفاته وأسمائه وإنعامه جلَّ وعلا.
قوله: (وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وسلم) أصحّ ما قيل في معنى صلاة الله على عبده: ما ذكره البخاري رحمه الله تعالى عن أبي العالية قال: "صلاةُ الله على عبده ثناؤه عليه عند الملائكة".
وقرره ابنُ القيم رحمه الله ونصره في كتابيه: "جلاء الأفهام"، و"بدائع الفوائد".
قلتُ: وقد يُراد بها الدُّعاء، كما في "المسند" عن عليٍّ مرفوعًا: الملائكة تُصلي على أحدكم ما دام في مُصلاه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه.
الشيخ: الصَّلاة من الله على رسوله ثناؤه عليه، ويدخل فيها الرحمة أيضًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] بصلاته عليه: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، ووصفه له بالصِّفات العظيمة: من كونه سيد ولد آدم، ومن كونه بالمؤمنين رؤوف رحيم، فهذا من صلاته عليه: ثناؤه عليه عند الملأ الأعلى، وهكذا رحمته إياه بأن جعله خاتم الأنبياء، وجعله خاتم المرسلين، وأعانه على إبلاغ الرسالة، وأيَّده، كل هذا من رحمته له .
فقد تُطلق الصلاة على الثَّناء، وعلى الرحمة جميعًا، وإذا اجتمعا صارت الصلاةُ بمعنى الثَّناء، والرحمة بمعنى الإحسان، كما قال تعالى: أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة:157]، الصلاة: ثناء من الله، والرحمة: إحسان لهم، إحسان إليهم بتوفيقه لهم، وتصبيره إياهم .
الشيخ: يعني يشمل آل البيت، ويشمل غيرهم، آله: أتباعه، أصحاب النبي من أهل البيت وغيرهم، ويُطلق الآل على أهل البيت، هذا حقٌّ، فقوله: (وعلى آله) يشملهم ويشمل جميع الصَّحابة، ويشمل جميع الأتباع، كما قال تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] يعني: أتباع فرعون، نسأل الله العافية.
س: ...............؟
ج: أزواجه هم أهل بيته، وذُريته أهل بيته، لكن الذين تحرم عليهم الصَّدقة هم بنو هاشم فقط خاصَّةً، وأما أزواجه هم من أهل بيته، لكن لا تحرم عليهم الصَّدقة.
س: ...............؟
ج: وصفٌ له جلَّ وعلا، ومعناه: الإحسان والجود والكرم.
س: قوله : وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]؟
ج: ادعُ لهم، يعني تُطلق على الدعاء أيضًا.
كتاب التوحيد
كتاب: مصدر كتب يكتب كتابًا وكتابةً وكتبًا، ومدار المادة على الجمع. ومنه: تكتب بنو فلان، إذا اجتمعوا. والكتيبة لجماعة الخيل، والكتابة بالقلم لاجتماع الكلمات والحروف. وسُمي الكتاب كتابًا لجمعه ما وُضع له.
والتوحيد نوعان:
- توحيد في المعرفة والإثبات، وهو توحيد الربوبية والأسماء والصِّفات.
- وتوحيد في الطلب والقصد، وهو توحيد الإلهية والعبادة.
قال العلامةُ ابن القيم رحمه الله: وأما التوحيد الذي دعت إليه الرسلُ، ونزلت به الكتب، فهو نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات، وتوحيد في الطلب والقصد.
فالأول: هو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى، وصفاته، وأفعاله، وأسمائه، وتكلمه بكتبه، وتكليمه لمن شاء من عباده، وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمته، وقد أفصح القرآنُ عن هذا النوع جدّ الإفصاح، كما في أول سورة الحديد، وسورة طه، وآخر الحشر، وأول تنزيل السَّجدة، وأول آل عمران، وسورة الإخلاص بكمالها، وغير ذلك.
النوع الثاني: ما تضمنته سورة: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون]، وقوله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64]، وأول سورة تنزيل الكتاب وآخرها، وأول سورة المؤمن ووسطها وآخرها، وأول سورة الأعراف وآخرها، وجملة سورة الأنعام، وغالب سور القرآن، بل كل سورةٍ في القرآن فهي مُتضمنة لنوعي التوحيد، شاهدة به، داعية إليه.
فإنَّ القرآن إما خبرٌ عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله، فهو التوحيد العلمي الخبري.
وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريكَ له، وخلع ما يُعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي.
وإما أمرٌ ونهي، وإلزام بطاعته وأمره ونهيه، فهو حقوق التوحيد ومُكملاته.
وإما خبرٌ عن إكرام أهل التوحيد، وما فعل بهم في الدنيا، وما يُكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده.
وإما خبرٌ عن أهل الشِّرك وما فعل بهم في الدنيا من النَّكال، وما يحلّ بهم في العُقبى من العذاب، فهو جزاء مَن خرج عن حكم التوحيد.
فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشِّرك وأهله وجزائهم. انتهى.
الشيخ: وهذا كلام عظيم، كلام ابن القيم رحمه الله كلام عظيم، فإنَّ التوحيد الذي بعث اللهُ به الرسلَ، وأنزل به الكتبَ ينقسم إلى هذين القسمين:
توحيد في الخبر، وبيان أنه سبحانه هو الخلَّاق الرَّزاق، مع إثبات ذاته، وإثبات صفاته، وخلقه لعباده، فهذا هو توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصِّفات، ويُقال له: توحيد المعرفة والإثبات، وهو الذي أقرَّ به المشركون، أقرُّوا بأنه خالقهم ورازقهم، وأقرُّوا بأسمائه وصفاته، إلا مَن أنكر منهم صفة الرحمن مُكابرةً.
فهذا يُقال له: توحيد المعرفة والإثبات، ويقال له: توحيد الربوبية والأسماء والصِّفات، وهذا أقرَّ به المشركون، أقرُّوا بأنَّ الله ربهم، وأنه هو الخالق الرزاق، وأنه الرحيم، وأنه الرؤوف، وأنه السَّميع البصير، أقرُّوا بهذا، ولكن لم يدخلوا في الإسلام، الرسل طالبوهم بأن يُوحِّدوا الله ويخصّوه بالعبادة، وهو النوع الثاني: توحيد القصد والطلب، يعني: توحيد الله في تخصيصه بالعبادة، وإفراده بالعبادة، هذا هو الذي أنكره المشركون، وعادوا الرسل من أجله، قالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا [ص:5]، أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات:36]، فأبوا أن ينقادوا لهذا الأمر، والرسل بعثهم اللهُ بالدَّعوة إلى هذا الأمر: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]. فالنِّزاع بين الرسل والأمم في هذا الأمر؛ في تخصيص الله بالعبادة في دعائهم، واستغاثتهم، وذبحهم، ونذرهم، ونحو ذلك من العبادات، هذا هو توحيد القصد والطلب، وهو توحيد الإلهية، توحيد العبادة، فهذا هو الذي جحده المشركون، وقاتلهم الرسل وأتباعهم على هذا.
وبعض أهل العلم قسَّمه إلى ثلاثة أقسام من باب الإيضاح، قال: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصِّفات، وتوحيد الإلهية والعبادة.
وكلها تقسيمات صحيحة، ولك أن تقول: التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، والإيمان بربوبيته: أنه الخلَّاق، الرَّزاق، والإيمان بأسمائه وصفاته، تُفسره بالجميع، والتوحيد هو هذا كله، لكن مَن أقرَّ بهذا كله فهو المؤمن حقًّا، المتابع للرسل، ومَن جحد بعضه كفر، مَن جحد الربوبية كفر، ومَن جحد الأسماء والصِّفات كفر، ومَن جحد توحيد العبادة كفر، فهو تقسيمٌ اصطلاحي للإيضاح والبيان، والفرق بين ما أقرَّ به المشركون وبين ما جحده المشركون؛ حتى يكون المؤمنُ على بصيرةٍ، على بينةٍ، بالتفصيل والبيان تتضح الأمور، فما أقرَّ به المشركون لا يُدخلهم في الإسلام: كونهم أقرُّوا بأنه ربهم وخالقهم ورازقهم، وأنه ذو الأسماء الحسنى، والصِّفات العُلى، هذا لا يكفي، بل لا بدَّ من تخصيصه بالعبادة، وهذا هو التوحيد الذي جحده المشركون، وجاءت به الرسل، هو توحيد العبادة، توحيد القصد والطَّلب.