بَابُ صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ
23- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ قَرَأَ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الصَّدَقَةِ، قَالَ: فَوَجَدْتُ فِيهِ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابُ الصَّدَقَةِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ فَدُونَهَا: الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ ابْنَةُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى سِتِّينَ حِقَّةٌ، طَرُوقَةُ الْفَحْلِ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ جَذَعَةٌ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى تِسْعِينَ ابْنَتَا لَبُونٍ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ حِقَّتَانِ، طَرُوقَتَا الْفَحْلِ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْإِبِلِ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ.
وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ شَاةٌ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى مِئَتَيْنِ شَاتَانِ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى ثَلَاثِمِئَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَفِي كُلِّ مِئَةٍ شَاةٌ.
وَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ تَيْسٌ، وَلَا هَرِمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصَّدِّقُ.
وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ.
وَفِي الرِّقَةِ إِذَا بَلَغَتْ خَمْسَ أَوَاقٍ رُبُعُ الْعُشْرِ".
الشيخ: وهذا كتبه النبيُّ ﷺ لعمَّاله، ورواه البخاري، هذه الزكاة وضَّحها النبيُّ ﷺ، كما رواها البخاري من حديث أنسٍ: أن الصديق قال: "هذه فريضة الزكاة التي فرضها رسولُ الله على المسلمين" على هذا الترتيب.
س: يكون هذا له حكم الرفع؟
ج: عن النبي ﷺ، هو الذي فرضها ﷺ.
س: يقول: عن عمر؟
ج: لا، رواية أنَّ الصديق رواها عن النبي ﷺ، وهذه نفذها عمر في خلافته، وهو ثابت من رواية أنسٍ عن الصديق: أن النبي ﷺ فرض هذه الفريضة.
ومعنى: "لا يُفرَّق بين مجتمعٍ، ولا يُجمَع بين مُفْتَرقٍ" بعض الناس قد يتحيل حتى يُخفف عنه الزكاة، فلا يُفرَّق بين مجتمعٍ مثل: إنسان عنده أربعين، وآخر عنده أربعين، كل واحدٍ عليه شاة، فأرادوا أن يتحيلوا قالوا: إذا جاء العُمَّال نجتمع ونصير ثمانين؛ حتى ما يصير علينا إلا واحدة، عليك نصف، وعليَّ نصف. ما يجوز هذا؛ لأنَّ هذا تجمع لأجل إسقاط الزكاة.
والتفريق بين المجتمع: يكون عنده مثلًا مئتا شاةٍ وأربع شياهٍ أو نحوها، فيُفرقها؛ لأنها لو اجتمعت مئتين وواحدة صار عليه ثلاث شياهٍ، فيُفَرِّقها ويجعل كلَّ واحدةٍ لحالها: مئة وخمسين لحالها، ومئة وخمسين لحالها، ومئة وعشرين لحالها، ومئة وعشرين لحالها، حتى لا تجب عليه إلا شاة واحدة في كل واحدٍ، تسقط عنه واحدة، تجب عليه شاتان في المفرقة، وتسقط عنه الثالثة، المقصود لا يتحيل، ليس له التَّحيل.
س: ..............؟
ج: لأنَّ الغالب أنه دون قيمة الشاة، إلا أن يرى المتصدق العامل أنه جيد، وأنه أحسن من الشاة، أحسن من الأنثى، لا بأس إذا رأى المصلحةَ فيه للفقراء؛ لأنَّ بعض التيوس قد يكون غاليًا، أحسن من الأنثى، إذا رأى المتصدق ذلك لا بأس، المتصدق: العامل يعني.
س: إذا كانوا شُركاء في مالٍ، هل ينطبق عليهم التَّفريق بين مُجتمعٍ من سائر الأموال من غير الماشية؟
ج: لا، هذا ما يتغير، سائر الأموال ما تتغير، نعم.
س: مَن كانت أموالُه عروض تجارةٍ من أصنافٍ مختلفةٍ يُزَكِّي عامَّة الأرباح باعتبارها مالًا واحدًا، أو يُزكي كلَّ نوعٍ على حدةٍ؟
ج: لا، يُزَكِّيها كلها.
س: باعتبارها كلها مالًا واحدًا؟
ج: كلها بأرباحها على حسب قيمتها؛ لأنها عروض تجارةٍ، كلها ينظر في قيمتها ويُزكيها جميعًا –قيمتها- عند تمام الحول.
س: ..............؟
ج: إذا كلها مرضى، الزكاة مُواساة، يأخذ منها.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صَدَقَةِ الْبَقَرِ
24- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ طَاوُوسٍ الْيَمَانِيِّ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخَذَ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا، وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً. وَأُتِيَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَ: "لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهِ شَيْئًا، حَتَّى أَلْقَاهُ فَأَسْأَلَهُ"، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ.
قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ عَلَى رَاعِيَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ، أَوْ عَلَى رِعَاءٍ مُفْتَرِقِينَ فِي بُلْدَانٍ شَتَّى: أَنَّ ذَلِكَ يُجْمَعُ كُلُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَيُؤَدِّي مِنْهُ صَدَقَتَهُ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الذَّهَبُ أَوِ الْوَرِقُ مُتَفَرِّقَةً فِي أَيْدِي نَاسٍ شَتَّى، أنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْمَعَهَا، فَيُخْرِجَ مِنْهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ زَكَاتِهَا.
الشيخ: وهذا هو الواجب، لا شكَّ عند أهل العلم هذا هو الواجب: له مال في الرياض، وله مال في مكة، وله مال في المدينة، وله مال في مصر، عليه زكاة الجميع، وهكذا لو كانت عنده غنمٌ أو إبلٌ وراعية يُزكيها، ولو كانت مُتفرقةً يجمعها في الحكم، فإذا كان عنده عشرون شاة في مكة وراعية، وعشر شياهٍ في المدينة راعية، وعشر في الرياض راعية، صارت أربعين، عليه الزكاة ولو مُتفرقة.
والبقر ثلاثون، أقل النِّصاب ثلاثون، فيها تبيع أو تبيعة، فإذا بلغت أربعين ففيها مُسنَّة قد تمَّ لها سنتان.
س: قول مالك: ينبغي؟
ج: يعني: يجب، هذا المراد.
س: إذا كانت غير راعيةٍ؟
ج: غير الراعية ما فيها شيء إلا إذا كانت من أموال التِّجارة، يُزكيها زكاة التِّجارة: زكاة الذهب والفضة، زكاة البيع.
س: طاووس روى عن معاذٍ؟
ج: منقطع، المعروف أنه منقطع، ما أدركه، لكنه ثابت حديث معاذٍ من طريقٍ آخر.
وقَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ: أَنَّهَا تُجْمَعُ عَلَيْهِ فِي الصَّدَقَةِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ صُدِّقَتْ.
وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ غَنَمٌ كُلُّهَا.
وَفِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: "وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ".
قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ كَانَتِ الضَّأْنُ هِيَ أَكْثَرَ مِنَ الْمَعْزِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى رَبِّهَا إِلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ؛ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ تِلْكَ الشَّاةَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنَ الضَّأْنِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْزُ أَكْثَرَ مِنَ الضَّأْنِ أخذَ مِنْهَا، فَإِنِ اسْتَوَى الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ أَخَذَ الشَّاةَ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ.
قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ الْعِرَابُ وَالْبُخْتُ يُجْمَعَانِ عَلَى رَبِّهِمَا فِي الصَّدَقَةِ.
وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ إِبِلٌ كُلُّهَا، فَإِنْ كَانَتِ الْعِرَابُ هِيَ أَكْثَرَ مِنَ الْبُخْتِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى رَبِّهَا إِلَّا بَعِيرٌ وَاحِدٌ، فَلْيَأْخُذْ مِنَ الْعِرَابِ صَدَقَتَهَا، فَإِنْ كَانَتِ الْبُخْتُ أَكْثَرَ فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا، فَإِنِ اسْتَوَتْ فَلْيَأْخُذْ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ.
الشيخ: كل هذا كلام صحيح: يأخذ من الأكثر ..... الزكاة إن كان الضَّأن أكثر أخذ من الضأن، وإن كان المعزُ أكثر أخذ من المعز، وإن كُنَّ مستويات مُتقاربات أخذ من أحدهما.
س: .............؟
ج: ..... وإن أخرج منهما كان أكمل، وإن أخرج من الطيب كان أكمل أيضًا.
س: لكن يُجزئ لو أخرج من ...؟
ج: من الأكثر، نعم.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْجَوَامِيسُ تُجْمَعُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى رَبِّهَا.
وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ بَقَرٌ كُلُّهَا، فَإِنْ كَانَتِ الْبَقَرُ هِيَ أَكْثَرَ مِنَ الْجَوَامِيسِ، وَلَا تَجِبُ عَلَى رَبِّهَا إِلَّا بَقَرَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلْيَأْخُذْ مِنَ الْبَقَرِ صَدَقَتَهُمَا، وَإِنْ كَانَتِ الْجَوَامِيسُ أَكْثَرَ، فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا، فَإِنِ اسْتَوَتْ فَلْيَأْخُذْ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ. فَإِذَا وَجَبَتْ فِي ذَلِكَ الصَّدَقَةُ صُدِّقَ الصِّنْفَانِ جَمِيعًا.
قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَفَادَ مَاشِيَةً مِنْ إِبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ فَلَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْم أَفَادَهَا.
الشيخ: يعني: ورثها، أو اشتراها من جديدٍ، حتى يحول عليها الحولُ، نعم.
الشيخ: النِّصاب الماشي فيه زكاته، لكن الجديد إنما يكون بعدما يحول عليه الحول، إذا كان عنده أربعون شاة، ثم ورث أربعين شاة، الأولى فيها زكاة إذا حال عليها الحولُ، والتي جاءت من جديدٍ بالورثة أو بالهبة عليه الزكاة إذا حال عليها الحولُ، الكلام هذا مُوهم.
س: قوله: إلا أن يكون قبلها نصابٌ، يعني: ما يضمّ المتأخِّر إلى المتقدم؟
ج: يريد أن يضمَّه إليه، لكن هذا ليس بجيدٍ، ليس بصوابٍ، لا يضمّ إلا إذا كانت ذرية نتاجٍ، لها نتاجها تبعها، أما إن كان عنده أربعون قديمة ففيها زكاة، وإن جاءت أربعون جديدة بالإرث أو بالهبة ففيها زكاتها إذا حال عليها الحولُ وهي سائمة، ما تضمّ إلى الأولى.
س: زكاة العوامل؟
ج: فيها خلاف: إذا كانت ترعى الأقرب فيها الزكاة، وإن كانت ما ترعى -تُعلف- ما فيها زكاة، في حديث عليٍّ: "ليس في العوامل زكاة"، فيها نظر، لكن العوامل التي لا ترعى الظاهر لا شيء فيها، أما إن كانت ترعى غالب الحول ففيها الزكاة؛ لأنَّ الدليل ليس بظاهرٍ في حديث العوامل، فيه نظر كلام عليٍّ .