بَابُ مَا يَفْعَلُ الْمَرِيضُ فِي صِيَامِهِ
41- قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: الْأَمْرُ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا أَصَابَهُ الْمَرَضُ الَّذِي يَشُقُّ عَلَيْهِ الصِّيَامُ مَعَهُ، وَيُتْعِبُهُ، وَيَبْلُغُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ الَّذِي اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ، وَبَلَغَ مِنْهُ وَمَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِعُذْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَا تَبْلُغُ صِفَتُهُ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ صَلَّى وَهُوَ جَالِسٌ، وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ.
وَقَدْ أَرْخَصَ اللَّهُ لِلْمُسَافِرِ فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الصِّيَامِ مِنَ الْمَرِيضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، فَأَرْخَصَ اللَّهُ لِلْمُسَافِرِ فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ مِنَ الْمَرِيضِ. فَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ، وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ.
الشيخ: وهذا نصُّ القرآن: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، فالمريض له أن يُفطر إذا شقَّ عليه الصوم، والمسافر مطلقًا له الفطر، فضلٌ من الله جلَّ وعلا.
س: قوله: "وما الله أعلم بعذر ذلك من العبد"؟
ج: أيش قبله؟
الطالب: قال في الشَّرح.
الشيخ: لا، في المتن أيش؟
الطالب: في المتن: "وما الله أعلم بعذر ذلك من العبد"؟
الشيخ: قبله بكلمةٍ؟
الطالب: "وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ الَّذِي اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ، وَبَلَغَ مِنْهُ وَمَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِعُذْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ".
الشيخ: الواو ما لها محل: "وبلغ منه ما الله أعلم"، يعني: الذي الله أعلم به، يعني: اشتدَّ به الأمر.
الطالب: يقول في الشرح: الواو زائدة.
الشيخ: هي زائدة نعم، صدق: "وبلغ منه ما الله"، مفعول "ما بلغ" الواو زائدة.
س: ............؟
ج: وبلغ منه، نعم؟
الطالب: وَبَلَغَ مِنْهُ ومَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِعُذْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَا تَبْلُغُ صِفَتُهُ.
الشيخ: إذا بلغه المرضُ الله أعلم به.
س: ..............؟
ج: أيش، أيش؟
الطالب: وكذلك المريض الذي اشتدَّ عليه القيام في الصَّلاة.
الشيخ: اشتدَّ عليه القيام في الصلاة، يعني: اشتدَّ عليه أن يقوم في الصلاة، يمنعه المرض من أن يقوم.
بَابُ النَّذْرِ فِي الصِّيَامِ، وَالصِّيَامِ عَنِ الْمَيِّتِ
42- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ، هَلْ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: لِيَبْدَأْ بِالنَّذْرِ قَبْلَ أَنْ يَتَطَوَّعَ.
الشيخ: صدق، صدق؛ لأنه واجب على الفور، النذر واجب على الفور إذا كان مطلقًا.
قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ مِنْ رَقَبَةٍ يُعْتِقُهَا، أَوْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ بَدَنَةٍ، فَأَوْصَى بِأَنْ يُوَفَّى ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ وَالْبَدَنَةَ فِي ثُلُثِهِ، وَهُوَ يُبَدَّى عَلَى مَا سِوَاهُ مِنَ الْوَصَايَا، إِلَّا مَا كَانَ مِثْلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِنَ النُّذُورِ وَغَيْرِهَا كَهَيْئَةِ مَا يَتَطَوَّعُ بِهِ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ خَاصَّةً، دُونَ رَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِهِ لَأَخَّرَ الْمُتَوَفَّى مِثْلَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَصَارَ الْمَالُ لِوَرَثَتِهِ سَمَّى مِثْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَتَقَاضَاهَا مِنْهُ مُتَقَاضٍ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ أَخَّرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ سَمَّاهَا، وَعَسَى أَنْ يُحِيطَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ.
الشيخ: والصواب أنه من ماله، ما هو من الثلث الذي قاله مالك رحمه الله، ليس بجيدٍ، والصواب أنه إذا كان عليه رقبة يعتقها، أو دَين من صيامٍ، أو دَين من مالٍ، أو ما أشبه ذلك؛ يكون من رأس المال، سواء كان عتقًا أو نقودًا أو غير ذلك من الأموال، ليس من الثلث، الثلث للوصية، إذا أراد أن يُوصي بشيءٍ يكون من الثلث، أما الشيء الواجب في الذمة مثل ديون، فهذا يكون من رأس المال: كدين الآدمي: دين الله أحقُّ بالقضاء.
س: ..............؟
ج: إذا عُرف شيء هذا شيء آخر، الأصل عدم الحيلة.
س: لو أوصى أن يتصدق بمئة ألفٍ يكون من أصل المال؟
ج: الوصية من ثلث المال، لكن إذا صار دَين عليه، إذا مات وعليه دَين يكون من رأس المال، أو عليه كفَّارات، نعم.
س: وإن أثرت على رأس المال هذه الأشياء؟
ج: نعم، وإن أثرت، لو مات وعليه مئة ألف، وتركته مئة ألف، ما لهم شيء، ما للورثة شيء.
س: مَن نذر نذرًا، ولكنه يشقُّ عليه يا شيخ، فهل نقول: عليه كفَّارة؟
ج: إن كان نذر طاعةٍ يلزمه الوفاء.
س: وإن كان يشقّ، مثل: رجل نذر لو شفاه الله أن يُصلي خمسة أشهر، في كل يوم مئة ركعة؟
ج: الله أعلم.
س: قوله هنا كما ذكر: أو صدقة، أو بدنة، ثم ذكر فيها، فإنَّ الصَّدقة والبدنة في ثلثها؟
ج: قول مالك في هذا ضعيف، والصواب من رأس المال، ما دام نذر الصواب من رأس المال.
الشيخ: هذا مطلقًا في الحياة، أما إذا مات وعليه صوم صِيم عنه، كما قال النبيُّ ﷺ: مَن مات وعليه صيام صام عنه وليُّه، وقول النبي ﷺ مُقدَّمٌ على ابن عمر وعلى غيره، أما في الحياة فلا يصم أحدٌ عن أحدٍ، ولا يُصلِّ أحدٌ عن أحدٍ.
س: الولي هو الوالد؟
ج: الوالد والقريب، الأقرباء كلهم أولياء.
س: درجاتهم؟
ج: أقول: كلهم أولياء، ولو ما هم ورثة.
س: مَن نذر أن يُصلي ركعتين، هل لوليه أن يُصلي عنه ركعتين؟
ج: ما عليه دليل، لا، بعض أهل العلم يرى أنه يُصلي عنه، لكن ما عليه دليل واضح، إنما جاء في الصيام، أما الصلاة لا ينوب فيها أحدٌ عن أحدٍ إلا إذا كانت تبعًا، مثل: الحجّ، إذا حجَّ عنه غيرُه يُصلي ركعتي الطواف تبعًا؛ لأنها تابعة.
س: الصوم عن الميت خاصٌّ بالولي فقط؟
ج: لا، عام، مَن مات وعليه صيام صام عنه وليُّه، يعني: قريبه.
س: فقط؟
ج: ومحتمل أن يُقال: وغير القريب؛ لأنها دَين، لكن نصّ الحديث: وليه، قريبه، هذا نصّ الحديث.
س: يُفرق بين النَّذر وغيره .....؟
ج: الله أعلم، محل نظر.
س: قول مالك يُحمل على الحياة: لا يصوم أحدٌ عن أحدٍ، ولا يُصلي أحدٌ عن أحدٍ؟
ج: ممكن حمله، هذا كلام ابن عمر.