بَابُ مَا جَاءَ فِي حِجَامَةِ الصَّائِمِ
30- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ. قَالَ: ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بَعْدُ، فَكَانَ إِذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ حَتَّى يُفْطِرَ.
الشيخ: وهذا هو الصواب؛ لأنَّ الحجامة نُسخت، فلا يجوز للصائم أن يحتجم في صوم الفريضة؛ لقوله ﷺ: أفطر الحاجمُ والمحجوم.
س: الذي يُجامع في نهار رمضان وعليه كفَّارة، ولكنه فقير .....؟
ج: لا، لا، عليه كفَّارة، يعتق رقبة، فإن عجز يصوم شهرين مُتتابعين، فإن عجز يُطعم ستين مسكينًا، يُطعم مسكينًا لغيره، ما هو يأخذه هو، يُطعم ستين مسكينًا.
س: وإذا كان هو فقيرًا وعنده أسرة؟
ج: إذا تصدَّقوا عليه من كفَّارةٍ أخرى ما في بأس، من عرض المساكين، لكن كفَّارته هو لا، ما يأخذ كفَّارته هو.
الشيخ: إن صحَّ عنهما فهو لم يبلغهما، لكن الزُّهري لم يسمع منه، منقطع، لكن لو صحَّ عنهما يُحمل على أنه لم يبلغهما الحديث في النَّهي عن الحجامة، أيش قال المحشي عليه؟
الطالب: قال مالك: وعن ابن شهابٍ: أنَّ سعد بن أبي وقَّاص أحد العشرة وعبدالله بن عمر كانا يحتجمان وهما صائمان، ثم ترك ذلك ابنُ عمر، كما قال نافع، قال ابن عبدالبر: هذا مُنقطع، ثم أخرجه من وجهٍ آخر عن عامر بن سعد، عن أبيه، ثمَّ قَالَ: وَفِعْلُ سَعْدٍ يُضَعِّفُ حَدِيثَهُ الْمَرْفُوعَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، وَقَدِ انْفَرَدَ بِهِ دَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
وَإِنْ صَحَّ حَدِيثُ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ عَنْ غَيْرِ سَعْدٍ، وَعِنْدِي أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، يَعْنِي: عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ شَدَّادٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ ﷺ مَرَّ عَامَ الْفَتْحِ عَلَى مَنْ يَحْتَجِمُ لِثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ.
وَابْنُ عَبَّاسٍ شَهِدَ مَعَهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَشَهِدَ حِجَامَتَهُ حِينَئِذٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا مَدْفَعَ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَهُوَ نَاسِخٌ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ بَعْدَ ذَلِكَ رَمَضَانَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ.
الشيخ: ليس بصوابٍ، الصواب أنَّ الحجامة تُفطر، وهو الأخير: أفطر الحاجمُ والمحجوم، هذا هو الأخير، فحجامته وهو محرم قد يكون سفرًا آخر غير حجَّة الوداع، قد يكون في سفر الفتح؛ لأنه سافر في رمضان، عام الفتح في رمضان، وقد يكون في غير ذلك، المقصود أنَّ المسافر له أن يُفطر بالأكل والشُّرب، ما هو بالحجامة، فالصواب أن الحجامة تُفطر الصائم، وأما ما يُروى عن سعدٍ وعن ابن عمر فإن صحَّ عنهما فلم يبلغهما خبرُ المنع.
س: قبل الحديث هذا عن ابن عمر أنه كان يحتجم وهو صائم، قال: ثم ترك؟
ج: نعم، نعم.
32- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ لَا يُفْطِرُ.
قَالَ: وَمَا رَأَيْتُهُ احْتَجَمَ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ صَائِمٌ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا تُكْرَهُ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ إِلَّا خَشْيَةً مِنْ أَنْ يَضْعُفَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تُكْرَهْ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا احْتَجَمَ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ سَلِمَ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ، لَمْ أَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَمْ آمُرْهُ بِالْقَضَاءِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي احْتَجَمَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحِجَامَةَ إِنَّمَا تُكْرَهُ لِلصَّائِمِ لِمَوْضِعِ التَّغْرِيرِ بِالصِّيَامِ، فَمَنِ احْتَجَمَ وَسَلِمَ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ حَتَّى يُمْسِيَ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
الشيخ: وهذا اتِّباعٌ لما يُروى عن أنسٍ، والصواب أنه يُفطر، قول مالك هنا اتِّباع لما يُروى عن أنسٍ، فهو لمن شقَّ عليه ذلك وتأثر بذلك، والصواب أنَّ الحجامة مُفطرة للصائم، هذا هو الذي استقرَّت عليه السنة.
بَابُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ
33- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ- أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ هُوَ الْفَرِيضَةَ، وَتُرِكَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.
الشيخ: وهذا هو السنة، يوم عاشوراء سنة، وهو اليوم العاشر من محرم، والأفضل أن يُصام قبله يومٌ أو بعده يومٌ؛ خلافًا لليهود، نعم.
س: صيام يوم عاشوراء كان واجبًا قبل فرض صيام رمضان؟
ج: قيل: واجب. وقيل: سنة. قال بعضُ أهل العلم أنه واجب، وبعض أهل العلم قال: سنة مؤكدة. وفي لفظٍ في بعض الروايات: إنَّ الله لم يكتب عليكم صيامه، فدلَّ على أنه ليس بفريضةٍ، ولكن كان مؤكدًا، ثم تُرك التأكيد، وصار مَن شاء صام، ومن شاء أفطر، صيامه يُكفر اللهُ به سنةً قبله.
س: إذا أفرد العاشر بالصوم؟
ج: لا بأس، لكن كونه يصوم معه يومًا قبله أو بعده أفضل.
34- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ: هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ.
35- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرْسَلَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: أَنَّ غَدًا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَصُمْ، وَأْمُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَصُومُوا».
الشيخ: هذا ضعيف؛ لأنَّ بلاغات مالك ضعيفة رحمه الله، أيش قال المحشي عليه؟
الطالب: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرْسَلَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَكِّيِّ، مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَكَانَ مِنَ الْفُضَلَاءِ، سَأَلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْوَحْيِ كَمَا مَرَّ، وَاسْتُشْهِدَ بِالشَّامِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ: أَنَّ غَدًا يَوْم عَاشُورَاءَ فَصُمْ، وَأْمُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَصُومُوا.
كَأَنَّ الْإِمَامَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَصَدَ بِإِيرَادِ هَذَا بَعْدَ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ وَمُعَاوِيَةَ الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّ تَخْيِيرَهُ فِيهِمَا إِنَّمَا كَانَ لِسُقُوطِ وُجُوبِ صِيَامِهِ، لَا أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِيهِ، فَلَمَّا سَقَطَ وُجُوبُهُ صِيمَ عَلَى جِهَةِ الْفَضْلِ، وَلِأَمْرِ عُمَرَ بِهِ فِي خِلَافَتِهِ، وَكَذَا عَلِيٌّ: رَوَى قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَقَدْ صَامَهُ النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَ وُجُوبِ رَمَضَانَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ تَبَرُّرًا، وَفَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَهُ أَصْحَابُهُ ، أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو عُمَرَ.
الشيخ: ماشٍ، ما تعرَّض للبلاغات رحمه الله.
س: هذا رجل أوصى بثلث ماله أن يُوضع في ثلاث ضحايا فقط، نصَّ على العدد، والثلث أكثر بكثيرٍ من ثلاث ضحايا؟
ج: يُصرف في وجوه البرِّ إذا كان يبقى شيء زائد .....، وإن كان قدره الذي يبقى ثلاث ضحايا لا يتصرَّفون فيه، فإن كان فيه سعة يُصرف في وجوه البرِّ: الصَّدقة على الفقراء والمساكين، زيادة على الثلاث، الضَّحية الرابعة والخامسة تصدقه على الفقراء والمساكين، ومُشاركة في تعمير المساجد، وصدقة على الأقارب الفقراء.
س: إذا كان عرف الناس أنهم إذا أوصوا بكذا .....؟
ج: لا، لا، ما دام الثلث لا، يكون للجميع، إلا إذا قال: ثلاثة والباقي للورثة، يصير دفينةً، أما إذا أطلق الثلثَ ما هو لهم، ما لهم شيء في الثلث، مثل: لو أوقف بيته في وجوه البرِّ، أو أوقف أرضَه في وجوه البرِّ، يُصرف في وجوه البرِّ، أو قال: وقفًا في ثلاث أضاحٍ، أو وقفًا في صدقةٍ على الفقراء.
س: الدَّفين هذا يُقسم: للذكر مثل حظِّ الأُنثيين؟
ج: ورث بين الجميع: للذَّكر مثل حظِّ الأُنثيين، إذا كان دفينةً: كان في غلته ريال أو صاع أو عشر أوزانٍ، الباقي ورث، يُسمونها: دفينة.
س: لجميع الورثة؟
ج: نعم، للورثة وللزوجة وكلهم.
س: أيش معنى الدَّفينة؟
ج: يعني: مدفونًا في ثوبي هذا، يعني: تستمر فيه، يُسمونها: دفينة، صبرة دائمة، مثل: شيء مدسوس فيه.
س: مَن قال أنَّ الورثة نسبًا، وأنَّ الزوجة لا تدخل؟
ج: غلط هذا، هذا إذا كان وقفًا في الفاضل يُوزعه على الفقراء، ولا يختص به: لا زيد، ولا عمرو، يُصرف في وجوه البرِّ، وقف بيته على كذا، وقف بيته في تعمير المساجد في كذا، أو وقف بيته في ضحايا، إذا فضل شيءٌ يتصدق به على الفقراء من أقارب أو غيرهم، لا بأس، أما أن يجعله لهم ورثًا لا، ما له أصلٌ هذا.
س: مَن أوقف على زوجته وأولاده القُصر، والثانية وأولادها لم يُوقف عليهم؟
ج: الوقف يأكلون من غلته، إذا وقف عليهم يأكلون من غلة هذا الوقف، إذا وقف عليهم، أو على بني فلان، أو بني فلان، يأكلون من غلة هذا الوقف.
س: وإذا كَبُرَ القُصَّرُ؟
ج: ما دام أطلق، ما قال: ما داموا قاصرين، إذا كبروا واستغنوا ما يُعطون شيئًا، ما داموا فقراء قيد، أو ما داموا قاصرين يُعمل بالقيد.
بَابُ صِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَالدَّهْرِ
36- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حبَّانَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ الْأَضْحَى.
37- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَا بَأْسَ بِصِيَامِ الدَّهْرِ إِذَا أَفْطَرَ الْأَيَّامَ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ صِيَامِهَا، وَهِيَ أَيَّامُ مِنًى، وَيَوْمُ الْأَضْحَى، وَيَوْمُ الْفِطْرِ فِيمَا بَلَغَنَا.
الشيخ: هذا قول ضعيف، قول مالك وما نقله عن أهل العلم ضعيف؛ النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا صام مَن صام الأبد، لا صام ولا أفطر، وقال لعبدالله بن عمرو لما ألحَّ قال له: صم صوم داود: صوم يومًا، وأفطر يومًا، قال: إني أُريد أفضلَ من ذلك، قال: لا أفضلَ من ذلك، فأقل أحواله الكراهة الشَّديدة أو التَّحريم.
س: لو أفطر الأيام المحرَّمة ما يخرج عن كونه صام الدَّهر؟
ج: لا، ما يكون، صوم الأيام المحرَّمة معروفة: أيام التشريق، وأيام العيد، هذا ما يشتبه على عبدالله بن عمرو ولا مالك. ثم أيضًا هو مشقة على الإنسان، مشقة، الله أرحم بعباده منهم بأنفسهم: يَسِّروا ولا تُعَسِّروا.
بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ
38- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنِ الْوِصَالِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى.
39- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي.
الشيخ: وهذا يُفيد كراهة الوصال كراهةً شديدةً، وأنه لا ينبغي أن يُواصل، كونه يصوم يومين أو ثلاثة بليلها لا يأكل شيئًا: لا في الليل، ولا في النهار، ولا يُفطر، هذا الوصال، الرسول نهاهم، فلما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يومًا، ثم يومًا، ثم يومًا، واصل بهم يومًا، ثم يومًا، ثم رأوا الهلال فقال: لو تأخَّر الهلالُ لزدتكم كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا.
فالمقصود أنه مكروه كراهةً شديدةً، فيُفطر إذا غابت الشمس يُفطر، فإذا كان ولا بدَّ فإلى السَّحر، يُواصل إلى السَّحَر، والأفضل ألا يُواصل إلى السَّحر، الأفضل أن يُفطر إذا غابت الشمس؛ لقوله ﷺ: إذا أقبل الليلُ من هاهنا، وأدبر النهارُ من هاهنا، وغربت الشمسُ فقد أفطر الصائم، وقوله ﷺ: يقول الله جلَّ وعلا: أحبُّ عبادي إليَّ أعجلهم فطرًا.
س: هذا الحديث بارك الله فيكم من جهة الإخبار أو من جهة الأمر؟
ج: إخبارٌ نعم.
س: أقلّ وقتٍ له أن يصوم إلى السَّحر؟
ج: هذا أكثر وقتٍ، يُباح له إلى السَّحر أكثر وقتٍ، ولكن تركه أفضل، لا يُواصل إلى السَّحر أفضل، يُفطر إذا غابت الشمسُ.
س: ما ثبت عن ابن الزبير أنه كان يُواصل؟
ج: بلى، ابن الزبير كان يُواصل، لكنه غلط، مخالف للسنة ، وعفا الله عنه وعنا.
س: صيام شهر كامل؟
ج: شهرًا كاملًا بدون الليل، يُفطر يعني ما في بأس، المنهي عنه مُواصلة الدهر، ولكن الأفضل إذا كان ولا بدَّ: الاثنين والخميس، ثلاثة أيام من كل شهرٍ، هذا أفضل، وإذا كان ولا بدَّ يصوم يومًا، ويُفطر يومًا، هذا هو الأفضل.
س: ..............؟
ج: ما في بأس، ما كان يصوم شهرًا كاملًا، لكن لو صام لا حرج، إنما المنهي عنه صوم الأبد.
س: مَن كان يصوم شعبان كله؟
ج: كان يصوم شعبان كله في بعض الأحيان ﷺ، مرة يصومه كله، ومرة يصومه إلا قليلًا.
س: امرأة عليها صيام شهرين مُتتابعين، أيام التَّشريق تصومها أم تُفطرها؟
ج: لا، ما تصوم أيام التَّشريق، ما يصوم التَّشريق إلا مَن عجز عن الهدي، له أن يصوم أيام التَّشريق، هدي التمتع أو غيره ما يصوم أيام التَّشريق، أيام عيدٍ هي، لا تصومها المرأة، ولا غير المرأة.
س: التتابع يسقط في حقِّها، تكون معذورةً؟
ج: معذورة نعم، إفطارها يوم العيد وأيام التَّشريق عذر، تُكمل ستين يومًا، ولا عليها، ولا يضرّها أيام التشريق ويوم العيد، تُكمل ستين يومًا، لا تحسبها، هي ستون يومًا غير أيام العيد.
س: يعني مَن عليه صيام شهرين مُتتابعين؟
ج: لو صامت ثلاثين يومًا قبل يوم العيد، ثم جاء العيدُ وأيام التَّشريق تصوم ثلاثين أخرى وتُكمل شهرين.
س: يعني مَن عليه صيام شهرين مُتتابعين وأفطر من عذرٍ؟
ج: إذا أفطرت في الحيض، أو في أيام التَّشريق ما يضرّ، ما يقطع، تُكمل صيامًا مُستقلًّا ستين يومًا.
بَابُ صِيَامِ الَّذِي يَقْتُلُ خَطَأً أَوْ يَتَظَاهَرُ
40- حَدَّثَنِي يَحْيَى، وسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي قَتْلِ خَطَأ أَوْ تَظَاهَر فَعَرَضَ لَهُ مَرَضٌ يَغْلِبُهُ وَيَقْطَعُ عَلَيْهِ صِيَامَهُ، أَنَّهُ إِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ وَقَوِيَ عَلَى الصِّيَامِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ، وَهُوَ يَبْنِي عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ صِيَامِهِ.
وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهَا الصِّيَامُ فِي قَتْلِ النَّفْسِ خَطَأً، إِذَا حَاضَتْ بَيْنَ ظَهْرَيْ صِيَامِهَا أَنَّهَا إِذَا طَهُرَتْ لَا تُؤَخِّرُ الصِّيَامَ، وَهِيَ تَبْنِي عَلَى مَا قَدْ صَامَتْ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنْ يُفْطِرَ إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ: مَرَضٍ أَوْ حَيْضَةٍ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فَيُفْطِرَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ.
الشيخ: مثلما قال رحمه الله هذا هو الصواب: إذا أفطرت في الحيض أو لمرضٍ فلا يقطع، صار صيام الكفَّارة مُتتابعًا، وأفطرت لمرضٍ منعها، أو حيض منعها، تُتابع، ولا تضرّها الأيام التي أفطرتها، ولا يجوز السَّفر لأجل الإفطار، هذا تحول ما يجوز.
س: لكن إذا سافر؟
ج: إذا سافر لأجل التَّحيل لا يجوز، أما إذا سافر لعلةٍ، لأسبابٍ أخرى فلا بأس، لا يقطع.
س: يُفطر؟
ج: يُفطر ولا يقطع إذا كان سفرًا شرعيًّا، ما هو بحيلةٍ.
س: .............؟
ج: مثلما بيَّن أهلُ العلم: طعام، وشراب، ما يرد على قلبه من أنواع الذكر والتَّلذذ بمناجاة الله، ما هو بطعامٍ وشرابٍ، ما يُغذي قلبه من نعيم العبادة، والتَّلذذ بطاعة الله، وقراءة القرآن، والذكر، ونحو ذلك، لو كان يطعم من الجنة ما صار صائمًا.
س: مَن احتال على صيام الشَّهرين بالسَّفر؟
ج: إذا سافر حيلةً يستأنف، وهو عاصٍ، وعليه التوبة إلى الله ويستأنف.