قال شيخُ الإسلام: "أما بناء المساجد على القبور فقد صرَّح عامَّة الطوائف بالنَّهي عنه؛ مُتابعةً للأحاديث الصَّحيحة، وصرَّح أصحابنا وغيرهم من أصحاب مالك والشَّافعي بتحريمه. قال: ولا ريب في القطع بتحريمه. ثم ذكر الأحاديث في ذلك.
إلى أن قال: وهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصَّالحين أو الملوك وغيرهم تتعين إزالتها بهدمٍ أو غيره. هذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء المعروفين".
الشيخ: وهذا هو الحقّ؛ لأنَّ الرسول قال: لعن اللهُ اليهودَ والنَّصارى؛ اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد، ونهى أن يُبنى على القبر، وأن يُجصص، وأن يُقعد عليه، فهذه مع القُدرة تجب إزالتها، كل المساجد على القبور يجب على ولاة الأمور إذا كان فيهم خير أن يُزيلوها؛ لأنها وسيلة للشرك، وتعظيم للموتى، وللتَّعلق بهم، وللاستغاثة بهم، كما قد وقع في كثيرٍ من الأمصار، وهذا محل إجماعٍ بين أهل العلم رحمة الله عليهم.
س: مَن زار المقبرةَ ورأى على أحد القبور رخامًا مكتوبًا عليه اسم الميت وتاريخ وفاته يُزيلها؟
ج: يُزيلها؛ لأنَّ الرسول نهى أن يُكتب على القبور، نهى أن يُكتب عليها، وأن يُبنى عليها، فإذا وجد على قبرٍ كتابةً يُزيلها.
س: لكن إذا أزالها يمكن أن يُسبب له الأذى؟
ج: يرفع أمره إلى الهيئة، إذا كان يخشى شيئًا يرفع أمره إلى ولاة الأمور، يقول: ترى رأيت في المحل الفلاني كذا وكذا.
س: نقل صاحب "تلخيص الحبير": أن الكتابة على القبور زيادة لا ثابتة؟
ج: لا، ثابتة، ثبت أنه نهى عن الكتابة على القبور.
س: الكتابة إذا وضع أرقامًا؟
ج: كذلك تُزال الأرقام، كتابة تُفهم.
س: والحكمة في النهي؟
ج: قد يكون سبب فتنةٍ بالشخص، ما حطّ عليه هذا إلا لأجل شيءٍ، وإذا سُمي كان كذلك قد يفتتن به؛ لأنه أمير، أو عابد، أو عالم، أو شيء.
س: إذا وضع الشخصُ بنفسه ليعرف أباه؟
ج: لا، يحطّ علامةً، شيئًا: حجرًا، أو عودًا، أو خشبةً صغيرةً، أو شيئًا، مثلما علَّم النبيُّ على عثمان بن مظعون بحجرٍ.
س: كثير من الناس إذا قيل لهم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر أنها لا تصح ويجب إعادتها، يحتجون بالمسجد النبوي؟
ج: المسجد النبوي، ما هو قبره في المسجد، قبره في بيت عائشة، ليس في المسجد، الرسول دُفن في بيت عائشة.
س: كذلك النَّهي عن الكتابة يعمّ جدار المقبرة المسور على المقبرة؟
ج: كله نعم.
وقال ابنُ القيم رحمه الله: "يجب هدم القباب التي بُنيت على القبور؛ لأنها أُسست على معصية الرسول ﷺ، وقد أفتى جماعةٌ من الشافعية بهدم ما في القرافة من الأبنية، منهم: ابن الجميزي، والظهير التزمنتي، وغيرهما".
وقال القاضي ابن كجّ: "ولا يجوز أن تُجصص القبور، ولا أن يُبنى عليها قباب، ولا غير قباب، والوصية بها باطلة".
وقال الأذرعي: "وأما بطلان الوصية ببناء القباب وغيرها من الأبنية وإنفاق الأموال الكثيرة، فلا ريب في تحريمه".
وقال القرطبي في حديث جابرٍ : "نهى أن يُجصص القبر، أو يُبنى عليه، وبظاهر هذا الحديث قال مالك، وكره البناء والجصّ على القبور، وقد أجازه غيره، وهذا الحديث حُجَّة عليه".
وقال ابنُ رشد: "كره مالك البناء على القبر، وجعل البلاطة المكتوبة، وهو من بدع أهل الطول، أحدثوه إرادة الفخر والمباهاة والسُّمعة، وهو مما لا اختلافَ عليه".
وقال الزَّيلعي في شرح "الكنز": "ويُكره أن يُبنى على القبر، وذكر قاضي خان: أنه لا يُجصص القبر، ولا يُبنى عليه؛ لما رُوي عن النبي ﷺ أنه نهى عن التَّجصيص والبناء فوق القبر. والمراد بالكراهة عند الحنفية رحمهم الله كراهة التَّحريم، وقد ذكر ذلك ابنُ نجيم في شرح الكنز".
الشيخ: لأنَّ الأحاديث صريحة في هذا، الكراهة كراهة تحريم، والأصل في النَّهي التَّحريم؛ ولأنه وسيلة إلى الشِّرك.
وقال الشافعي رحمه الله: "أكره أن يعظم مخلوق حتى يُجعل قبره مسجدًا؛ مخافة الفتنة عليه وعلى مَن بعده من الناس".
وكلام الشافعي رحمه الله يُبين أنَّ مُراده بالكراهة: كراهة التَّحريم.
قال الشارحُ رحمه الله تعالى: "وجزم النَّووي رحمه الله في شرح "المهذب" بتحريم البناء مطلقًا، وذكر في شرح مسلمٍ نحوه أيضًا".
وقال أبو محمد عبدالله بن أحمد بن قدامة، إمام الحنابلة، صاحب المصنفات الكبار: كـ"المغني"، و"الكافي"، وغيرهما رحمه الله تعالى: "ولا يجوز اتِّخاذ المساجد على القبور؛ لأنَّ النبي ﷺ قال: لعن اللهُ اليهودَ والنصارى .. الحديث، وقد روينا أن ابتداء عبادة الأصنام: تعظيم الأموات، واتِّخاذ صورهم، والتَّمسح بها، والصلاة عندها". انتهى.
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما المقبرة فلا فرقَ فيها بين الجديدة والعتيقة، ومَن انقلبت تربتها أو لم تنقلب، ولا فرق بين أن يكون بينه وبين الأرض حائل أو لا؛ لعموم الاسم، وعموم العلة؛ ولأنَّ النبي ﷺ لعن الذين اتَّخذوا قبورَ الأنبياء مساجد، ومعلوم أنَّ قبور الأنبياء لا تنجس".
الشيخ: في الحديث: أنَّ الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجسادَ الأنبياء، يعني: أنها باقية.
س: ............؟
ج: لا، الظاهر والله أعلم أنَّ مقصودهم أنها خارج المقبرة، يعني: على حافة المقبرة، ما قصدهم أنها من المقبرة، فالواجب أن يكون سورها داخلًا؛ حتى لا يكون شبهةً، يجب أن يكون السور داخل المقبرة؛ حتى يخرج البيت.
س: ...............؟
ج: هذا محل البحث، الذي ينبغي أن يكون السور داخلًا؛ حتى يخرجه، حتى لا تكون شبهة.
س: ...............؟
ج: لا، ما في إعادة.
س: ................؟
ج: كل هذا باطل لا يجوز، والذي كتب على قبر النبي باطل ما يجوز، يجب إزالته، نسأل الله أن يُوفق الدولة لإزالته.
س: إذا بُني المسجد على مقبرةٍ قديمةٍ لم يتبين حالها، ثم بعد أن بُني المسجد تبين أنها مقبرة قديمة؟
ج: يُهدم، يُزال المسجد.
س: ولو لم يوجد أثر؟
ج: ما دام معلوم أنها مقبرة ما يجوز.
س: ما وُجد رميم؟
ج: ما وجد عرف أنها مقبرة.
س: ..............؟
ج: الأخير يُزال، نعم.
س: ...............؟
ج: مرفوع على عودٍ، أو على كرسيٍّ، كله واحد، سواء باشرت الأرض، أو رُفعت على أعوادٍ أو نحوها.
وبالجملة فمَن علل النَّهي عن الصلاة في المقبرة بنجاسة التربة خاصَّة فهو بعيد عن مقصود النبي ﷺ، ثم لا يخلو أن يكون القبرُ قد بُني عليه مسجد، فلا يُصلي في هذا المسجد، سواء صلَّى خلف القبر أو أمامه، بغير خلافٍ في المذهب؛ لأنَّ النبيَّ ﷺ قال: إنَّ مَن كان قبلكم كانوا يتَّخذون قبورَ أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتَّخذوا القبورَ مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك.
وخصَّ قبور الأنبياء لأنَّ عكوف الناس على قبورهم أعظم، واتِّخاذها مساجد أشدّ، وكذلك إن لم يكن عليه بُني مسجد، فهذا قد ارتكب حقيقة المفسدة التي كان النَّهي عن الصلاة عند القبور من أجلها، فإن كل مكانٍ صُلِّي فيه يُسمَّى مسجدًا، كما قال ﷺ: جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وإن كان موضع قبرٍ أو قبرين.
وقال بعضُ أصحابنا: لا يمنع الصلاة فيها؛ لأنَّه لا يتناولها اسم المقبرة، وليس في كلام أحمد ولا بعض أصحابه هذا الفرق، بل عموم كلامهم يقتضي منع الصلاة عند كل قبرٍ. وقد تقدم عن عليٍّ أنه قال: "لا أُصلي في حمامٍ، ولا عند قبرٍ".
فعلى هذا ينبغي أن يكون النَّهي متناولًا لحريم القبر وفنائه.
الشيخ: لحريم القبر وفنائه: ما حول القبر، يعني: لا يُصلَّى حول القبر، ولا في فناء القبر، كل ما يدخل في المقبرة لا يُصلَّى فيه.
س: صلاة الجنازة مُستثناة من ذلك؟
ج: الجنازة مستثناة، صلاة الجنازة يُصلَّى عليها ولو على القبر.
س: لماذا استُثْنِيَتْ؟
ج: ما هي من الصَّلوات التي يُخشى منها فتنة.
ولا تجوز الصلاةُ في مسجدٍ بُني في مقبرةٍ، سواء كانت له حيطان تحجز بينه وبين القبور، أو كان مكشوفًا.
قال في رواية الأثرم: "إذا كان المسجدُ بين القبور لا يُصلَّى فيه الفريضة، وإن كان بينها وبين المسجد حاجزٌ فرخّص أن يُصلَّى فيه على الجنائز، ولا يُصلَّى فيه على غير الجنائز".
وذكر حديث أبي مرثد عن النبيِّ ﷺ: لا تُصلوا إلى القبور. وقال: إسناده جيد. انتهى.
ولو تتبعنا كلام العلماء في ذلك لاحتمل عدة أوراقٍ، فتبين بهذا أنَّ العلماء رحمهم الله بيَّنوا أنَّ علة النَّهي ما يُؤدي إليه ذلك من الغلو فيها وعبادتها من دون الله، كما هو الواقع، والله المستعان.
الشيخ: وهذا هو العلة: أنها وسيلة إلى الشرك، النهي عن الصلاة في القبور علته لأنها وسيلة للشرك والغلو، والعياذ بالله.
س: إذا كان في طرف المقبرة بعيدًا عن القبور، يعني: بجنب السُّور؟
ج: ولو، ولو.
س: لا يُصلَّى فيه؟
ج: يُهدم.
س: هذه مقبرة العود فيها مسجد بطرف المقبرة؟
ج: يجب أن يُهدم، لا يجوز أن تكون فيها مساجد.
س: ولا تُصلَّى فيه الصَّلوات الخمس؟
ج: نعم إذا كان داخل المقبرة.
س: في داخل السور؟
ج: اكتب لنا عنه حتى نُرسل له مَن يشوفه.
س: .............؟
ج: إذا كان داخل المقبرة كتبنا عنه، نرسل مَن يشوفه.
س: داخل سورها الخارجي؟
ج: إذا كان خارج سورها الخاصّ الحمد لله.
س: لا، داخل سورها؟
ج: اكتب لنا عنه، نُرسل مَن يشوفه.
وقد حدث بعد الأئمة الذين يُعتدُّ بقولهم أناس كثر في أبواب العلم بالله اضطرابهم، وغلظ عن معرفة ما بعث اللهُ به رسولَه من الهدى والعلم حجابهم، فقيَّدوا نصوصَ الكتاب والسنة بقيودٍ أوهنت الانقياد، وغيَّروا بها ما قصده الرسولُ ﷺ بالنَّهي وأراد.
فقال بعضُهم: النَّهي عن البناء على القبور يختص بالمقبرة المسبلة، والنَّهي عن الصلاة فيها لتنجسها بصديد الموتى، وهذا كله باطل من وجوهٍ:
منها: أنه من القول على الله بلا علمٍ، وهو حرام بنصِّ الكتاب.
ومنها: أنَّ ما قالوه لا يقتضي لعن فاعله والتَّغليظ عليه، وما المانع له أن يقول: مَن صلَّى في بقعةٍ نجسةٍ فعليه لعنة الله.
ويلزم على ما قاله هؤلاء أنَّ النبي ﷺ لم يُبين العلة، وأحال الأمةَ في بيانها على مَن يجيء بعده ﷺ وبعد القرون المفضلة والأئمة، وهذا باطل قطعًا وعقلًا وشرعًا؛ لما يلزم عليه من أن الرسول ﷺ عجز عن البيان، أو قصر في البلاغ، وهذا من أبطل الباطل؛ فإنَّ النبي ﷺ بلَّغ البلاغ المبين، وقدرته في البيان فوق قُدرة كل أحدٍ، فإذا بطل اللازمُ بطل الملزوم.
ويُقال أيضًا: هذا اللَّعن والتَّغليظ الشَّديد إنما هو فيمَن اتَّخذ قبور الأنبياء مساجد، وجاء في بعض النصوص ما يعمّ الأنبياء وغيرهم، فلو كانت هذه هي العلة لكانت مُنتفيةً في قبور الأنبياء؛ لكون أجسادهم طريةً، لا يكون لها صديد يمنع من الصلاة عند قبورهم.
فإذا كان النَّهي عن اتِّخاذ المساجد عند القبور يتناول قبور الأنبياء بالنصِّ، عُلم أنَّ العلة ما ذكره هؤلاء العلماء الذين قد نُقلت أقوالهم، والحمد لله على ظهور الحجَّة وبيان المحجَّة. والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
الشيخ: ولا شكَّ أنَّ العلة أنها وسيلة للشِّرك، وسيلة إلى أن يُعبَدوا من دون الله، ثم أيضًا الصديد ما هو على وجه الأرض، الصديد في اللحود، لو كان هناك علّة الصديد ما كان المصلي حولها يُصلي على الصديد، بينه وبين الصديد مسافة وتراب كثير، إنما العلة نجاسة الشِّرك، وذريعة الشرك، وخوف الوقوع في الشرك، أما الصديد: فلو وُجد صديدٌ فهو في اللَّحد، حتى لو كان في غير الأنبياء.
كل هذا كلام باطل، وأنَّ العلة أنه وسيلة إلى الشِّرك.
س: المسجد الذي لا يُصلَّى فيه الفجر في أحد الأحياء، هل يُنتدب لأقرب جماعة مسجدٍ جماعة يُصلون فيه حتى لا يعطل الفجر؟
ج: ما هو بلازمٍ.