فالحسنات تغلب فِيهَا الْمصَالح، والسَّيئات تغلب فِيهَا الْمَفَاسِد، والحسنات دَرَجَات بَعْضُهَا فَوق بعضٍ، والسَّيئات بَعْضُهَا أكبر من بعضٍ، فَكَمَا أَنَّ أهل الْحَسَنَات ينقسمون إِلَى: الْأَبْرَار الْمُقْتَصِدِينَ، والسَّابقين المقرَّبين، فَأهل السَّيِّئَات ينقسمون إِلَى: الْفُجَّار الظَّالِمين، وَالْكُفَّار المكذِّبين، وكل من هَؤُلَاءِ هم دَرَجَات عِنْد الله.
وَمن الْمَعْلُوم أَنَّ الْحَسَنَات كلما كَانَت أعظم كَانَ صَاحبُهَا أفضل، فَإِذا انْتَقل الرجلُ من حَسَنَةٍ إِلَى أحسن مِنْهَا كَانَ فِي مزِيد التَّقْرِيب، وَإِن انْتَقل إِلَى مَا هُوَ دونهَا كَانَ فِي التَّأَخُّر وَالرُّجُوع، وَكَذَلِكَ السَّيِّئَات كلما كَانَت أعظم كَانَ صَاحبهَا أولى بِالْغَضَبِ واللَّعنة وَالْعِقَاب.
وَقد قَالَ تَعَالَى: لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً [النساء:95].
وَقَالَ: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى قَوْله: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [التوبة:19- 20].
وَقَالَ: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ [الحديد:10].
وَقَالَ: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي السَّيِّئَات: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة:37].
وَقَالَ: زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ [النحل:88].
وَقَالَ: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة:125].
وَقَالَ: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا [البقرة:10].
وَقَالَ: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء:82].
وَمَعْلُوم أَنَّ التَّوْبَة هِيَ جماع الرُّجُوع من السَّيِّئَات إِلَى الْحَسَنَات؛ وَلِهَذَا لَا يحبط جَمِيع السَّيِّئَات إِلَّا التَّوْبَة، وَالرِّدَّة هِيَ جماع الرُّجُوع من الْحَسَنَات إِلَى السَّيِّئَات؛ وَلِهَذَا لَا يحبط جَمِيع الْحَسَنَات إِلَّا الرِّدَّة عَن الْإِيمَان.
وَكَذَلِكَ مَا ذَكرْنَاهُ فِي تفَاوت السَّيِّئَات هُوَ فِي الْكُفْر وَالْفِسْق والعصيان، فالكفَّار بَعضُهم دون بعضٍ؛ وَلِهَذَا يذكر الْفُقَهَاء فِي بَاب الرِّدَّة وَالْإِسْلَام انْتِقَال الرجل -كَأحد الزَّوْجَيْنِ- من دينٍ إِلَى دينٍ آخر، انْتِقَال إِلَى دينٍ خير من دينه، أَو دون دينه، أَو مثل دينه، فَيَقُولُونَ: إِذا صَار الْكِتَابِيُّ مجوسيًّا أَو مُشْركًا فقد انْتَقل إِلَى شَرٍّ من دينه، وَإِذا صَار الْمُشرك أَو الْمَجُوسِيّ كتابيًّا فقد انْتَقل إِلَى خيرٍ من دينه، وَإِذا تهود النَّصْرَانِي أَو بِالْعَكْسِ فقد انْتَقل إِلَى نَظِير دينه.
والتَّمجس يقرّ عَلَيْهِ بالِاتِّفَاقِ، وَأمَّا الْإِشْرَاك فَلَا يقرّ عَلَيْهِ إِلَّا بعض النَّاس عِنْد بعض الْعُلمَاء.
والصَّابئة نَوْعَانِ عِنْد الْمُحَقِّقين، وعَلى قَوْلَيْنِ عِنْد آخَرين، وَمَعْرِفَة مَرَاتِب الْأَدْيَان مُحْتَاج إِلَيْهَا فِي مَوَاضِع كَثِيرَة لمعْرِفَة مَرَاتِب الْحَسَنَات.
الشيخ: لعلها: كمعرفة، كما أنَّ هذه محتاجٌ إليها: مراتب الحسنات، فهكذا مراتب ..... لعلها بالكاف.
وَالْفُقَهَاء يَذكرُونَ ذَلِك لأجل معرفَة أحكامهم وتناكُحهم وذبائحهم، وَفِي دِمَائِهِمْ وقتالهم وإقرارهم بالجزية المضروبة عَلَيْهِم، وَنَحْو ذَلِك من الْأَحْكَام الَّتِي جَاءَ بهَا الْكِتاب وَالسُّنة فِي أهل الْمِلَل والأحزاب الَّذين قَالَ الله فيهم: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هود:17].
وَقد قَالَ الله تَعَالَى لنَبيه: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ [الشورى:15].
وَالْعَدْل وضع كل شيءٍ فِي مَوْضِعه، كَمَا أَنَّ الظُّلم وضع الشيء فِي غير مَوْضِعه.
وَلِهَذَا لما اقْتتلَتْ فَارس الْمَجُوس وَالروم النَّصَارَى، وَكَانَ النَّبِي ﷺ بِمَكَّة إِذْ ذَاك، وَهُوَ فِي طَائِفَةٍ قَليلَةٍ مِمَّن آمن بِهِ، كَانَ هُوَ وَأَصْحَابه يُحبونَ أَن تغلب الرّوم؛ لأَنَّهم أهل كتابٍ، وَكَانَ الْمُشْركُونَ يُحبونَ أَن تغلب فَارس؛ لأَنَّهم من جنسهم، لَيْسُوا أهل كتابٍ، فَأَنْزل الله فِي ذَلِك: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ [الروم:1- 3]، والقصة مَشْهُورَة فِي كتب الحَدِيث وَالتَّفْسِير والمغازي.
وَإِذا كَانَ كَذَلِك فقد يكون الرجلُ على طَريقَةٍ من الشَّرّ عَظِيمَة، فَيَنْتَقل إِلَى مَا هُوَ أقلّ مِنْهَا شرًّا، وَأقرب إِلَى الْخَيْر، فَيكون حمد تِلْكَ الطَّرِيقَة ومدحها؛ لكَونهَا طَريقَة الْخَيْر الممدوحة.
مِثَال ذَلِك: أَنَّ الظُّلم كُله حرَام مَذْمُوم، فأعلاه الشّرك: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وَالله لَا يَغْفر أَن يُشْرك بِهِ. وأوسطه ظلم الْعِباد بالبغي والعدوان. وَأَدْنَاهُ ظلم العَبْد نَفسه فِيمَا بَينه وَبَين الله، فَإِذا كَانَ الرجلُ مُشْركًا كَافِرًا فَأسلم بَاطِنًا وظاهرًا، بِحَيْثُ صَار مُؤمنًا، وَهُوَ مَعَ إِسْلَامه يظلم النَّاس، وَيَظْلم نَفسه، فَهُوَ خيرٌ من أَن يَبْقى على كفره، وَلَو كَانَ تَارِكًا لذَلِك الظُّلم.
وأما إِذا أسلم فَقَط وَهُوَ مُنَافِق فِي الْبَاطِن، فَهَذَا فِي الْآخِرَة فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار، وَأمَّا فِي الدُّنْيَا فقد يكون أضرَّ على الْمُسلمين مِنْهُ لَو بقي على كفره، وَقد لَا يكون كَذَلِك، فَإِنَّ إِضْرَار الْمُنَافِقين بِالْمُؤْمِنِينَ يخْتَلف باختلاف الْأَحْوَال.
لَكِن إِذا أسلم نفَاقًا فقد يُرْجَى لَهُ حُسن الْإِسْلَام فَيصير مُؤمنًا، كمَن أسلم تَحت السَّيْف، وَكَذَلِكَ مَن أسلم لرغبةٍ أَو لرهبةٍ أَو نَحْو ذَلِك، فالإسلام وَالْإِيمَان أصل كل خيرٍ وَجَمَاعَة.
وَكَذَلِكَ مَن كَانَ ظَالِمًا للنَّاس فِي نُفُوسهم وأموالهم وأعراضهم، فانتقل عَن ذَلِك إلى مَا يظلم بِهِ نَفسه خَاصَّةً: من خمرٍ وزنا، فَهَذَا أخفّ لإثمه، وَأَقلّ لعذابه.
وَهَكَذَا النِّحَل الَّتِي فِيهَا بِدعَة: قد يكون الرجلُ رَافِضِيًّا فَيصير زيديًّا؛ فَذَلِك خيرٌ لَهُ. وَقد يكون جهميًّا غير قدري، أَو قدريًّا غير جهمي، أَو يكون من الْجَهْمِية الْكِبَار، فيتجهم فِي بعض الصِّفَات دون بعضٍ، وَنَحْو ذَلِك.
فَهَؤُلَاءِ المتفلسفة وَنَحْوهم مِمَّن مدح الْعِشْق والغناء وَنَحْو ذَلِك، وجعلوه مِمَّا يستعينون بِهِ على رياضة أنفسهم وتهذيبها وصلاحها من هَذَا الْبَاب، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ فِي طريقهم من الشّرك والضَّلال مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا ذُو الْجلَال، فَإِنَّ المتفلسفة قد يَعْبدُونَ الْأَوْثَان وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَنَحْو ذَلِك، فَإِذا صَار أحدُهم يروض نَفسه بالعشق لعبادة الله وَحده، أَو رياضة مُطلقَة لَا يعبد فِيهَا غير الله؛ كَانَ ذَلِك خيرًا لَهُ من أَن يعبد غير الله.
وَكَذَلِكَ الاتحادية الَّذين يجْعَلُونَ الله هُوَ الْوُجُود الْمُطلق، أَو يَقُولُونَ: إِنَّه يحل فِي الصُّور الجميلة. مَتى تَابَ الرجل مِنْهُم من هَذَا وَصَارَ يسكن نَفسه بعشق بعض الصُّور، وَهُوَ لَا يعبد إِلَّا الله وَحده، كَانَت هَذِه الْحَال خيرًا من تِلْكَ الْحَال.
فَهَذِهِ الذُّنُوب مَعَ صِحَّة التَّوْحِيد خيرٌ من فَسَاد التَّوْحِيد مَعَ عدم هَذِه الذُّنُوب؛ وَلِهَذَا نجد النَّاسَ يُفضلون مَن كَانَ من الْمُلُوك وَنَحْوهم إِنَّمَا يظلم نَفسه بِشرب الْخَمر وَالزِّنَا، أَو الْفَوَاحِش، ويتجنب ظلم الرّعية، ويتحرى الْعَدْل فيهم، على مَن كَانَ يتَجَنَّب الْفَوَاحِش وَالْخمر وَالزِّنَا، وينتصب لظلم النَّاس فِي نُفُوسهم وَأَمْوَالهمْ وأعراضهم.
وَهَؤُلَاء الظَّالِمُونَ قد يجْعَلُونَ الظُّلم دينًا يَتَقَرَّبُون بِهِ بجهلهم، كَمَا أَنَّ أُولَئِكَ الظَّالِمين لأَنْفُسِهِمْ قد يجْعَلُونَ ذَلِك بجهلهم دينًا يَتَقَرَّبُون بِهِ، فالشَّيطان قد زيَّن لكثيرٍ من هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء سُوء عَمَلهم فرأوه حسنًا.
لَكِنَّ كثيرًا من النَّاس يجمعُونَ بَين هَذَا وَهَذَا، فَإِنَّ من عُقُوبَة السَّيئَة السَّيئَة بعْدهَا، وَمن ثَوَاب الْحَسَنَة الْحَسَنَة بعْدهَا، والحسنات والسَّيئات قد تتلازم وَيَدْعُو بَعْضُهَا إِلَى بعضٍ، كَمَا فِي الصَّحِيح عَن عبدالله بن مَسْعُودٍ، عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ: عَلَيْكُم بِالصِّدقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْق يهدي إِلَى الْبرِّ، وَالْبرّ يهدي إِلَى الْجنَّة، وَلَا يزَال الرجلُ يصدق ويتحرى الصِّدْق حَتَّى يُكْتب عِنْد الله صديقًا، وَإِيَّاكُم وَالْكَذب؛ فَإِنَّ الْكَذِب يهدي إِلَى الْفُجُور، والفجور يهدي إِلَى النَّار، وَلَا يزَال العَبْدُ يكذب ويتحرى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَب عِنْد الله كذَّابًا.
فالصِّدق مِفْتَاح كل خيرٍ، كَمَا أنَّ الْكَذِبَ مِفْتَاح كل شَرٍّ؛ وَلِهَذَا يَقُولُونَ عَن بعض الْمَشَايِخ: إِنَّه قَالَ لبَعض مَن استتابه من أَصْحَابه: أَنا لَا أُوصيك إِلَّا بِالصِّدقِ. فتأمَّلوا فوجدوا الصِّدْقَ يَدعُوهُ إِلَى كل خيرٍ.
الشيخ: وفي هذ المعنى يقول الله : هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [المائدة:119]، فمَن صدق في قوله وفي عمله أفلح، ومَن كذب هلك، نسأل الله السَّلامة، والصدق أصلٌ في كل خيرٍ.
وَلِهَذَا فرَّق الله سُبْحَانَهُ بَين أهل السَّعَادَة وَأهل الشَّقاوة بذلك، فَقَالَ: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [الزمر:32- 35].
وترتيب الْكَبَائِر ثَابتٌ فِي الْكِتاب وَالسُّنة، كَمَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَن عبدالله بن مَسْعُودٍ قَالَ: قلتُ: يَا رَسُول الله، أَيّ الذَّنب أعظم؟ قَالَ: أَن تجْعَل لله ندًّا وَهُوَ خلقك، قلتُ: ثمَّ أَيّ؟ قَالَ: أَن تقتل ولدك خشيَة أَن يطعم مَعَك، قلتُ: ثمَّ أَيّ؟ قَالَ: أَن تُزَانِي بحليلة جَارك، وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ [الفرقان:68].
وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاء: أكبر الْكَبَائِر الْكُفْر، ثمَّ قتل النَّفس بِغَيْر حقٍّ، ثمَّ الزِّنَا. لَكِن النَّبِي ﷺ ذكر لِابْنِ مَسْعُودٍ من جنس أَعلَى فأعلى: الْكُفْر هُوَ أَن تجْعَل لله ندًّا، بِخِلَاف الْكِتَابِيّ الَّذِي لَيْسَ بمُشركٍ، فَإِنَّهُ دون ذَلِك، وَأعظم الْقَتْل ولدك، وَأعظم الزِّنَا الزِّنَا بحليلة الْجَار.
وَهَذَا كَمَا ذكرنَا أَنَّ الظُّلم ثَلَاث مَرَاتِب: الشِّرك، ثمَّ الظُّلم لِلْخلقِ، ثمَّ ظلم النَّفس. فالقتل من ظلم الْخلق، فَإِذا كَانَ قتلًا للْوَلَد الَّذِي هُوَ بضعة مِنْك كَانَ فِيهِ الظُّلمان، وَالزِّنَا هُوَ من ظلم النَّفس، لَكِن إِذا كَانَ بحليلة الْجَار صَار فِيهِ الظُّلمان أَيْضًا.
الشيخ: والمعنى: الظُّلمان في قتل الولد وقطيعة الرحم، مع قتل النفس بغير حقٍّ وزوجة الجار، ظلمان: الزنا وإيذاء الجار، لا حول ولا قوة إلا بالله.
لَكِن الْمُغَلب فِي الْقَتْل ظلم الْغَيْر، وَالظُّلم فِي الزِّنَا ظلم النَّفس.
وَلِهَذَا كَانَ الْقودُ حَقًّا للآدمي: إِن شَاءَ اسْتَوْفَاهُ، وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ.
وَكَانَ حدُّ الزِّنَا حدًّا لله، لَيْسَ لآدَمِيٍّ فِيهِ حقّ معين، لَكِن قد يَقْتَرن بِبَعْض أنواع الزِّنَا، وَيَقْتَضِي أمورًا تضرّ النَّاس، يكون بهَا أعظم من قتلٍ لَا يضرّ بِهِ إِلَّا الْمَقْتُول فَقَط.
وَأَيْضًا فَقتل النَّفس يَدْخل فِيهِ من التَّأْوِيل مَا لَيْسَ يَدْخل فِي الزِّنَا؛ فَإِنَّ حَلَاله بَيِّن من حرَامه، بِخِلَاف الْقَتْل؛ فَإِنَّ فِيهِ مَا يَظْهر تَحْرِيمه، وَفِيه مَا يَظْهر وُجُوبه أَو اسْتِحْبَابه أَو حلّه، وَفِيه مَا يَشْتَبه؛ وَلِهَذَا جعل اللهُ فِيهِ شَيْئًا، وَلم يَجْعَل ذَلِك فِي الزِّنَا بقوله: وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الآية [الفرقان:68].
والله أعلم، وصلَّى الله على محمدٍ.
الشيخ: هذا بحثٌ عظيمٌ في مراتب الشُّرور ومراتب الخير.
س: ................؟
ج: على كل حالٍ هذا أسهل، أسهل من بقائه على الرَّفض، لكن يُنصح في البقية، ويسأل ربه العافية من البقية، ومثلما قال المؤلفُ، مثلما دلَّ عليه الكتاب والسُّنة: الكفر أنواع ودرجات، والمعاصي أنواع ودرجات، فإذا انتقل من الرَّفض الذي هو كفر محض، كفر أكبر، وسبٌّ للصحابة، وغلو في أهل البيت، وعبادة لهم من دون الله، إلى الاستقامة، لكن بقي عنده شيء من الغيبة، أو شيء من الحقد على بعض الناس، فهذا أسهل.
س: ................؟
ج: هذا لا يمكن أن يقوله عن عمر إلا وهو باقٍ على أصله.
س: ................؟
ج: هذا أسهل، إيذاؤه لبعض المسلمين أسهل من رميه لعمر، فرق بعيد.
س: ................؟
ج: المقصود أنه لا يتَّخذهم أصحابًا له: يجمعهم، وينام معهم، ويخلو بهم. قد يُبتلى بعشق أحدٍ منهم، ثم يقع في فاحشة اللِّواط، لكن الصُّحبة الخفيفة العارضة بقصد النَّصيحة والتَّعليم والتَّوجيه غير داخلةٍ في هذا.
س: ................؟
ج: مقصودهم بهذا اتِّخاذهم أصحابًا لبعض الصوفية، مثل: الزوج، يعني: ينام معه، ويجلس هو وإياه، فيُبتلى بالبلاء العظيم، نسأل الله العافية.