هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29] لمَّا ذَكَرَ تَعَالَى دَلَالَةً مِنْ خَلْقِهِمْ وَمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ذَكَرَ دَلِيلًا آخَرَ مِمَّا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ خلق السموات وَالْأَرْضِ فَقَالَ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ أي قصد إلى السماء. والاستواء هاهنا مضمن مَعْنَى الْقَصْدِ وَالْإِقْبَالِ، لِأَنَّهُ عُدِّيَ بِإِلَى فَسَوَّاهُنَّ أَيْ فَخَلَقَ السَّمَاءَ سَبْعًا،الشيخ: يعني ارتفاع مضمن بمعنى القصد.
وَالسَّمَاءُ هَاهُنَا اسْمُ جنس فلهذا قال فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أَيْ وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ مَا خَلَقَ، كَمَا قَالَ: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ [الْمُلْكِ:14] وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ وَهُوَ قوله تعالى قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فُصِّلَتْ:9-12] فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى ابْتَدَأَ بخلق الأرض أولا ثم خلق السموات سَبْعًا، وَهَذَا شَأْنُ الْبِنَاءِ أَنْ يَبْدَأَ بِعِمَارَةِ أَسَافِلِهِ ثُمَّ أَعَالِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُفَسِّرُونَ بِذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ [النَّازِعَاتِ:27-33] فَقَدْ قِيلَ إِنَّ ثُمَّ هَاهُنَا إِنَّمَا هِيَ لِعَطْفِ الْخَبَرِ عَلَى الْخَبَرِ لَا لِعَطْفِ الفعل على الفعل، كما قال الشاعر:
قُلْ لِمَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ | ثُمَّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهُ |
وَقِيلَ إِنَّ الدحى كان بعد خلق السموات، رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ قَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا غَيْرَ مَا خَلَقَ قَبْلَ الْمَاءِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ أَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانًا فَارْتَفَعَ فَوْقَ الْمَاءِ فَسَمَا عَلَيْهِ فَسَمَّاهُ سَمَاءً ثُمَّ أَيْبَسَ الْمَاءَ فَجَعَلَهُ أَرْضًا وَاحِدَةً ثُمَّ فَتَقَهَا فجعلها سبع أرضين في يومين في الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ فَخَلَقَ الْأَرْضَ عَلَى حُوتٍ، وَالْحُوتُ هُوَ [النُّونُ] الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ ن وَالْقَلَمِ [القلم:1] وَالْحُوتُ فِي الْمَاءِ، وَالْمَاءُ عَلَى ظَهْرِ صَفَاةٍ، وَالصَّفَاةُ عَلَى ظَهْرِ مَلَكٍ، وَالْمَلَكُ عَلَى صَخْرَةٍ، وَالصَّخْرَةُ فِي الرِّيحِ، وَهِيَ الصَّخْرَةُ الَّتِي ذَكَرَ لُقْمَانُ، لَيْسَتْ فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، فَتَحَرَّكَ الْحُوتُ فَاضْطَرَبَ فَتَزَلْزَلَتِ الْأَرْضُ فَأَرْسَى عَلَيْهَا الْجِبَالَ فَقَرَّتْ فَالْجِبَالُ تَفْخَرُ عَلَى الْأَرْضِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النَّحْلِ:15] وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا وَأَقْوَاتَ أَهْلِهَا وَشَجَرَهَا وَمَا يَنْبَغِي لَهَا فِي يَوْمَيْنِ فِي الثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ وَذَلِكَ حِينَ يقول قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها فُصِّلَتْ:9-10 يَقُولُ أنبت شجرها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها لِأَهْلِهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ [فصلت:10] يقول: لمن يسألك: هكذا الْأَمْرُ ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ [فُصِّلَتْ:11] وَذَلِكَ الدُّخَانُ مِنْ تَنَفُّسِ الْمَاءِ حِينَ تَنَفَّسَ فَجَعَلَهَا سَمَاءً وَاحِدَةً ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة، إنما سُمِّيَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ جُمِعَ فِيهِ خَلْقُ السموات والأرض، وأوحى في كل سماء أمرها قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ فِي كُلِّ سَمَاءٍ خَلْقَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَلْقِ الَّذِي فِيهَا مِنَ الْبِحَارِ والجبال والبرد ومما لا يعلم، ثُمَّ زَيَّنَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِالْكَوَاكِبِ فَجَعَلَهَا زِينَةً وحفظا تُحْفَظُ مِنَ الشَّيَاطِينِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ ما أحب استوى على العرش فذلك حيث يَقُولُ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ [الْأَعْرَافِ:54] وَيَقُولُ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الْأَنْبِيَاءِ:30]
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى عن عبداللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ عبداللَّهِ بْنِ سَلامٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَدَأَ الْخَلْقَ يَوْمَ الْأَحَدِ فَخَلَقَ الْأَرَضِينَ فِي الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْأَقْوَاتَ وَالرَّوَاسِيَ فِي الثُّلَاثَاءِ والأربعاء، وخلق السموات فِي الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ، وَفَرَغَ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَخَلَقَ فِيهَا آدَمَ عَلَى عَجَلٍ، فَتِلْكَ السَّاعَةُ الَّتِي تَقُومُ فِيهَا السَّاعَةُ.الشيخ: كل هذه من أخبار بني إسرائيل، والعمدة فيها ما دل عليه القرآن، أما ما ذكره ابن عباس وعبدالله بن سلام وغير ذلك كلها من أخبار بني إسرائيل لا يعتمد عليها وإنما العمدة على ما جاء في كتاب الله العظيم وما صحت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالله جل وعلا بين لنا أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام وجعل خلق الأرض في يومين وأقواتها وما تحتاج إليه كلها في أربعة أيام، أما السماء ففي يومين فهذا هو الذي نص عليه كتاب الله .
أما التفاصيل في الحوت أو النون والصخرة كل هذه لا يعتمد عليها كلها مما يتلقى عن بني إسرائيل وفيهم الكذبة والفجرة والكفرة فلا يعتمد عليها، ولهذا قال ﷺ: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وإنما يصدق من أخبارهم ما دل عليه الكتاب العظيم والسنة المطهرة، وما لا فلا، ولهذا ذكر ابن كثير في أول التفسير وفي التاريخ وذكر غيره أيضاً أن أخبار بني إسرائيل على أقسام ثلاثة:
قسم دل الكتاب على صدقه فيصدق.
وقسم دل الكتاب أو السنة على كذبه فيكذب.
وقسم لم يأت في الكتاب والسنة ما يدل على صدقه أو كذبه فيوقف، فيقال: آمنا بالله وما أنزل إلينا من عنده حتى يتبين ما يدل على صدقه أو كذبه أو موقوفا، حتى يتبين من الكتاب أو السنة الصحيحة ما يدل على صدقة فيصدق أو على كذبه فيكذب، هذه هي أحوال أخبار بني إسرائيل.
ومثلها في المعنى أخبار الحسابين أصحاب الفلك وما يقولون فهم على هذا النمط لا تصدق ولا تكذب إلا ما دل الدليل على صدقه أو كذبه.
وقال مجاهد في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً قَالَ خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ قَبْلَ السَّمَاءِ فَلَمَّا خَلَقَ الْأَرْضَ ثَارَ مِنْهَا دُخَانٌ فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ... فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ قَالَ: بَعْضُهُنَّ فَوْقَ بعض وسبع أرضين يعني بعضهن تَحْتَ بَعْضٍ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عبداللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سلمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِي فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلْقَ الْجِبَالَ فِيهَا يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلْقَ الشَّجَرَ فِيهَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَرَائِبِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ وَجَعَلُوهُ مِنْ كَلَامِ كَعْبٍ، وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ كَلَامِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ، فَجَعَلُوهُ مَرْفُوعًا، وَقَدْ حَرَّرَ ذَلِكَ البيهقي.الشيخ: وهذا هو الصواب، الظاهر فيه وهم أيوب بن خالد عن عبدالله بن رافع عن أبي هريرة عن كعب غلط ورفعه لأن قد تقرر بالأدلة العظيمة من القرآن أن السماوات والأرض وما فيهما خلق الجميع في ستة أيام كما نص عليه المولى سبحانه في آيات كثيرة، قال: في ستة أيام، وهذه الرواية تقتضي أن يكون الخلق في سبعة أيام فعلم أنها وهم (.......)، وقع في وهم وغلط وإنما هو من كلام كعب الأحبار، وهو ينقل عن صحف بني إسرائيل وفيها الغلط والخطأ والأوهام والتحريف، فهو من تحريفهم وأغلاطهم والصواب أنه ليس بمرفوع ولكنه موقوف، وهذا الغلط الذي وقع فيه بعض الرواة هو أيوب شيخ إسماعيل بن أمية.
.......
وقال تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
يُخْبِرُ تَعَالَى بِامْتِنَانِهِ عَلَى بَنِي آدَمَ بِتَنْوِيهِهِ بِذِكْرِهِمْ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى قَبْلَ إِيجَادِهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ أَيْ وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ وَاقْصُصْ عَلَى قَوْمِكَ ذَلِكَ.
وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ «إِذْ» هَاهُنَا زَائِدَةٌ وَأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ: وَقَالَ رَبُّكَ، وَرَدَّهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وقوله: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً أَيْ قَوْمًا يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَجِيلًا بَعْدَ جيل كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ [الأنعام:165] قال: وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ [النَّمْلِ:62] وَقَالَ: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ [الزُّخْرُفِ:60] وَقَالَ: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [مَرْيَمَ:59] وَلَيْسَ الْمُرَادُ هَاهُنَا بِالْخَلِيفَةِ آدَمَ فَقَطْ إذ لو كان كذلك لما حسن قول الملائكة:
.......
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [البقرة:30] فإنهم إنما أَرَادُوا أَنَّ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَكَأَنَّهُمْ عَلِمُوا ذَلِكَ بِعِلْمٍ خَاصٍّ أَوْ بِمَا فَهِمُوهُ مِنَ الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يَخْلُقُ هَذَا الصِّنْفَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ، أَوْ أنهم قاسوه على من سبق كَمَا سَنَذْكُرُ أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ فِي ذَلِكَ.
وَقَوْلُ الْمَلَائِكَةِ هَذَا لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ وَلَا عَلَى وَجْهِ الْحَسَدِ لِبَنِي آدَمَ كَمَا قَدْ يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ-وَإِنَّمَا هُوَ سُؤَالُ اسْتِعْلَامٍ وَاسْتِكْشَافٍ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ يَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا مَا الْحِكْمَةُ فِي خَلْقِ هَؤُلَاءِ مَعَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ عِبَادَتُكَ فَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ أَيْ نُصَلِّي لَكَ كَمَا سَيَأْتِي. أَيْ وَلَا يَصْدُرُ مِنَّا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهَلَّا وَقَعَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْنَا؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُجِيبًا لَهُمْ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَيْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ فِي خَلْقِ هَذَا الصِّنْفِ عَلَى الْمَفَاسِدِ التي ذكرتموها مالا تعلمون أنتم فإني سأجعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل ويوجد منهم الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ وَالْعُبَّادُ وَالزُّهَّادُ وَالْأَوْلِيَاءُ وَالْأَبْرَارُ والمقربون والعلماء والعاملون وَالْخَاشِعُونَ وَالْمُحِبُّونَ لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمُتَّبِعُونَ رُسُلَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا صَعِدَتْ إِلَى الرَّبِّ تعالى بأعمال عباده يسألهم وهم أَعْلَمُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: أَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَتَعَاقَبُونَ فينا وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَيَمْكُثُ هَؤُلَاءِ وَيَصْعَدُ أُولَئِكَ بِالْأَعْمَالِ كَمَا قال عليه الصلاة والسلام: يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيْلِ فَقَوْلُهُمْ: أَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وتركناهم هم يصلون من تفسير قوله لهم: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ، وَقِيلَ مَعْنَى قوله تعالى جَوَابًا لَهُمْ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ إني لِي حِكْمَةً مُفَصَّلَةً فِي خَلْقِ هَؤُلَاءِ وَالْحَالَةُ ما ذكرتم لا تعلمونها، وقيل إنه جواب وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَيْ مِنْ وُجُودِ إِبْلِيسَ بَيْنَكُمْ وَلَيْسَ هُوَ كَمَا وَصَفْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِهِ. وَقِيلَ بَلْ تَضَمَّنَ قَوْلُهُمْ: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ طَلَبًا مِنْهُمْ أَنْ يَسْكُنُوا الْأَرْضَ بَدَلَ بَنِي آدَمَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ مِنْ أَنَّ بَقَاءَكُمْ فِي السماء أصلح لكم وأليق بكم. ذكرها الرازي مَعَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَجْوِبَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ بِبَسْطِ مَا ذَكَرْنَاهُ:
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَمُبَارَكٍ عَنِ الْحَسَنِ وَأَبِي بَكْرٍ عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالَ لَهُمْ إِنِّي فَاعِلٌ وَهَذَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ.
.......
وَقَالَ السُّدِّيُّ: اسْتَشَارَ الْمَلَائِكَةَ فِي خَلْقِ آدَمَ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوُهُ. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ إِنْ لَمْ تَرْجِعْ إِلَى مَعْنَى الْإِخْبَارِ فَفِيهَا تَسَاهُلٌ.الشيخ: لأن هذا ليس باستشارة، بل اخبار لهم أني جاعل في الأرض خليفة ليس باستشارة وإنما هو خبر ليعلموا ذلك ويحيطوا به، فالاستشارة هنا مالها محل.
وَعِبَارَةُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جَرِيرٍ أَحْسَنُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فِي الْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: دُحِيَتِ الْأَرْضُ مِنْ مَكَّةَ وَأَوَّلُ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ الْمَلَائِكَةُ. فَقَالَ اللَّهُ: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، يَعْنِي مَكَّةَ وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ وَفِيهِ مُدْرَجٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْضِ مَكَّةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْضِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ.
خَلِيفَةً قَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.
قَالُوا: رَبَّنَا وما يكون ذلك الْخَلِيفَةُ؟ قَالَ: يَكُونُ لَهُ ذُرِّيَّةٌ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَيَتَحَاسَدُونَ وَيَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فَكَأنَ تَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً مِنِّي يَخْلُفُنِي فِي الحكم بالعدل بَيْنَ خَلْقِي وَإِنَّ ذَلِكَ الْخَلِيفَةَ هُوَ آدَمُ وَمَنْ قَامَ مَقَامَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ خَلْقِهِ، وَأَمَّا الْإِفْسَادُ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا فَمِنْ غَيْرِ خُلَفَائِهِ. قَالَ ابْنُ جرير: وإنما مَعْنَى الْخِلَافَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ، إِنَّمَا هِيَ خلافة قرن منهم قرناالشيخ: يعني يخلف بعضهم بعضًا.
قال: والخليفة الفعلية مِنْ قَوْلِكَ: خَلَفَ فُلَانٌ فُلَانًا فِي هَذَا الْأَمْرِ إِذَا قَامَ مَقَامَهُ فِيهِ بَعْدَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يُونُسَ:14]، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلسُّلْطَانِ الْأَعْظَمِ خَلِيفَةٌ لِأَنَّهُ خَلَفَ الذي كان قبله فقام بالأمر مكانه فَكَانَ مِنْهُ خَلَفًا، قَالَ: وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، يقول ساكنا وعامرا يعمرها ويسكنها خَلَفًا لَيْسَ مِنْكُمْ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَكَنَ الْأَرْضَ الْجِنُّ، فَأَفْسَدُوا فِيهَا وَسَفَكُوا فِيهَا الدِّمَاءَ وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ إِبْلِيسَ [فِي جُنْدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ] فَقَتَلَهُمْ إِبْلِيسُ وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى أَلْحَقَهُمْ بِجَزَائِرِ البحور وأطراف الجبال، ثم خلق آدم فأسكنه إِيَّاهَا، فَلِذَلِكَ قَالَ: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنِ ابْنِ سَابِطٍ: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قالُوا: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ قَالَ: يَعْنُونَ بِهِ بَنِي آدَمَ. وَقَالَ عبدالرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: قَالَ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْلُقَ فِي الْأَرْضِ خَلْقًا وَأَجْعَلَ فِيهَا خَلِيفَةً، وليس لله خَلْقٌ إِلَّا الْمَلَائِكَةُ وَالْأَرْضُ لَيْسَ فِيهَا خَلْقٌالشيخ: يعني في ذاك الوقت.
قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ؟الشيخ: هذه الأقوال عن التابعين ومن جاء بعدهم أكثرها متلقاة عن بني إسرائيل وليس فيها حديثًا مرفوعًا ثابتًا عن النبي ﷺ وإنما المعتمد فيها أن معنى خليفة أنهم يخلف بعضهم بعضًا ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يونس:14] هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ [فاطر:39] فمعنى خليفة أي يخلف بعضهم بعضًا، يبقى في هذه الأرض ثم يذهب ويأتي غيره وهكذا إلى قيام الساعة. وليس معنى خليفة أنه خليفة لله، فإن الله شاهد أحوال عباده ويعلم كل شيء ولا تخفى عليه خافية، وإنما يتخذ خليفة من يحتاج إلى ذلك؛ لتشاغله عن البلد أو الدولة أو لأسباب أخرى، أما ربنا فهو العالم بأحوال عباده وهو المطلع عليهم ولا تخفى عليه أفعالهم ولهذا قال أكثر أهل العلم: المراد بذلك أنهم يخلف بعضهم بعضًا ويكون بعضهم خلفًا بعد بعض في هذ الأمر حتى ينتهي هذا العالم.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ: أَنَّ الله أعلم الملائكة بما تفعله ذُرِّيَّةُ آدَمَ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ آنِفًا مَا رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْجِنَّ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ قَبْلَ بَنِي آدَمَ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ ذَلِكَ فَقَاسُوا هَؤُلَاءِ بِأُولَئِكَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عبداللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ الْجِنُّ بَنُو الْجَانِّ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ آدَمُ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ، فَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ فَبَعَثَ اللَّهُ جُنْدًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَضَرَبُوهُمْ حَتَّى أَلْحَقُوهُمْ بِجَزَائِرِ الْبُحُورِ فَقَالَ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ؟ قَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تعلمون.الشيخ: وهذا أيضاً من أخبار بني إسرائيل لأن عبدالله بن عمرو حدث عن بني إسرائيل كثيرًا، وهذا من أخبارهم التي لا تصدق ولا تكذب، والجن هم الطائفة الذين منهم إبليس إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف:50] فقيل إنه طائفة من الملائكة ثم لما امتنع عن السجود مسخت صورته وطرد ولعن وأبعد.
وقال بعض السلف: أن الجن طائفة مستقلة والجن مستقل وليسوا من الملائكة وأنهم منسوبون إلى النار الشيطان وهو أبوهم كما أن آدم أبو البشر ولكنه صار مع الملائكة في التعبد فلما أمروا بالسجود امتنع وتكبر كما قص الله لنا قصته.
والأقرب والله أعلم أن الجن طائفة من الملائكة وأنه منهم لكنه لما امتنع وتكبر غيرت صورته وطرد ولعن نسأل الله السلامة.
س: وقوله: كَانَ مِنَ الْجِنِّ [الكهف:50]؟
الشيخ: من أنفسهم، لأن من الملائكة كما هو مشهور طائفة يقال لهم الجن لأنهم استجنوا عن الناس فلا يرونهم، ومنهم الجن الذين منهم الشياطين وهو انتقل إلى الثانية.
وقال: أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عن أبي العالية فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً-إِلَى قَوْلِهِ-وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَخَلْقَ الْجِنَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَكَفَرَ قَوْمٌ مِنَ الْجِنِّ فَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تَهْبِطُ إليهم في الأرض فتقاتلهم ببغيهم فَكَانَتِ الدِّمَاءُ بَيْنَهُمْ، وَكَانَ الْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ، فَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا كَمَا أَفْسَدَتِ الْجِنُّ وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ كَمَا سَفَكُوا.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ أخبرنا الْحَسَنُ قَالَ: قَالَ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالَ لَهُمْ: إِنِّي فَاعِلٌ، فَآمَنُوا بربهم فعلمهم علما وطوى عِلْمًا عَلِمَهُ وَلَمْ يَعْلَمُوهُ، فَقَالُوا بِالْعِلْمِ الَّذِي عَلَّمَهُمْ: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ؟ قَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ.
قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ الْجِنَّ كَانُوا فِي الْأَرْضِ يُفْسِدُونَ وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ، وَلَكِنْ جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ، فَقَالُوا بِالْقَوْلِ الَّذِي عَلَّمَهُمْ.
وَقَالَ عبدالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها كَأنَ اللَّهُ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ خَلْقٌ أَفْسَدُوا فِيهَا وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ، فَذَلِكَ حِينَ قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا هِشَامٌ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْرُوفٍ يَعْنِي ابْنَ خَرَّبُوذَ الْمَكِّيَّ عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: السِّجِلُّ مَلَكٌ، وَكَانَ هَارُوتُ وَمَارُوتُ مِنْ أَعْوَانِهِ، وَكَانَ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثُ لَمَحَاتٍ يَنْظُرُهُنَّ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، فَنَظَرَ نَظْرَةً لَمْ تَكُنْ لَهُ فَأَبْصَرَ فِيهَا خَلْقَ آدَمَ وَمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ فَأَسَرَّ ذَلِكَ إِلَى هَارُوتَ وماروت وكانا في أَعْوَانِهِ فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ. قَالَا ذَلِكَ اسْتِطَالَةً عَلَى الْمَلَائِكَةِ. وَهَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْبَاقِرِ فَهُوَ نَقَلَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَفِيهِ نَكَارَةٌ تُوجِبُ رَدَّهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ إِنَّمَا كَانُوا اثْنَيْنِ فَقَطْ، وَهُوَ خِلَافُ السِّيَاقِ.
وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا أبي حدثنا هشام بن أبي عبيد اللَّهِ حَدَّثَنَا عبداللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ كَانُوا عَشْرَةَ آلَافٍ فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَأَحْرَقَتْهُمْ، وَهَذَا أَيْضًا إِسْرَائِيلِيٌّ مُنْكَرٌ كَالَّذِي قَبْلَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ جرير:الشيخ: وفي نسخة ابن جريج
وقال ابن جرير: وإنما تَكَلَّمُوا بِمَا أَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ كَائِنٌ مِنْ خَلْقِ آدَمَ فَقَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ مَا قَالَتْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ لِأَنَّ اللَّهَ أَذِنَ لَهُمْ فِي السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَسَأَلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فَقَالَتْ عَلَى التَّعَجُّبِ منها: وكيف يَعْصُونَكَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ خَالِقُهُمْ؟ فَأَجَابَهُمْ رَبُّهُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوهُ أَنْتُمْ، وَمَنْ بَعْضُ مَنْ تَرَوْنَهُ لِي طَائِعًا. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى وَجْهِ الاسترشاد عما لم يعلموه مِنْ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَبِّ خَبِّرْنَا-مسألة اسْتِخْبَارٌ مِنْهُمْ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ -وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قال: استشار الْمَلَائِكَةَ فِي خَلْقِ آدَمَ، فَقَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَاا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ -وَقَدْ عَلِمَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ أكره عند اللَّهِ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ- وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ فَكَانَ فِي عِلْمِ الله أنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنوا الْجَنَّةِ، قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَخَذَ في خلق آدم قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: مَا اللَّهُ خَالِقٌ خَلْقًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنَّا وَلَا أَعْلَمَ مِنَّا فَابْتُلُوا بِخَلْقِ آدم، وكل خلق مبتلى، كما ابتليت السموات والأرض بالطاعة فقال الله تعالى: ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فُصِّلَتْ:11].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ عبدالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، قال: التَّسْبِيحُ التَّسْبِيحُ وَالتَّقْدِيسُ الصَّلَاةُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ ناس من الصحابة ونحن نسبح بحمد وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ: يَقُولُونَ: نُصَلِّي لَكَ. وَقَالَ: مُجَاهِدٌ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ: نُعَظِّمُكَ وَنُكَبِّرُكَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: التَّقْدِيسُ التَّطْهِيرُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ: لَا نَعْصِي وَلَا نَأْتِي شَيْئًا تَكْرَهُهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: التَّقْدِيسُ هُوَ التَّعْظِيمُ وَالتَّطْهِيرُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ. يَعْنِي بِقَوْلِهِمْ سبوح: تنزيه لله، وبقولهم قدوس: طهارة وتعظيم له، وكذلك قِيلَ لِلْأَرْضِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُطَهَّرَةَ، فَمَعْنَى قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ إِذًا وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ نُنَزِّهُكَ وَنُبَرِّئُكَ مِمَّا يُضِيفُهُ إِلَيْكَ أَهْلُ الشِّرْكِ بِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ نَنْسِبُكَ إِلَى مَا هُوَ مِنْ صِفَاتِكَ مِنَ الطَّهَارَةِ مِنَ الْأَدْنَاسِ وَمَا أَضَافَ إِلَيْكَ أَهْلُ الْكُفْرِ بِكَ.
وَفِي صَحِيحِ مسلم عن أبي ذر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ سَمِعَ تَسْبِيحًا فِي السموات الْعُلَا سُبْحَانَ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى .
قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ قَالَ قَتَادَةُ: فَكَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ فِي تلك الخليفة أَنْبِيَاءُ وَرُسُلٌ وَقَوْمٌ صَالِحُونَ وَسَاكِنُو الْجَنَّةِ. وَسَيَأْتِي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَقْوَالٌ فِي حِكْمَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ نَصْبِ الْخَلِيفَةِ لِيَفْصِلَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اختلفوا فِيهِ وَيَقْطَعَ تَنَازُعَهُمْ وَيَنْتَصِرَ لِمَظْلُومِهِمْ مِنْ ظَالِمِهِمْ وَيُقِيمَ الْحُدُودَ وَيَزْجُرَ عَنْ تَعَاطِي الْفَوَاحِشِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي لَا تمكن إِقَامَتُهَا إِلَّا بِالْإِمَامِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَالْإِمَامَةُ تُنَالُ بِالنَّصِّ كَمَا يَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَبِي بَكْرٍ، أَوْ بِالْإِيمَاءِ إِلَيْهِ كَمَا يَقُولُ آخَرُونَ مِنْهُمْ.
.......
أَوْ بِاسْتِخْلَافِ الْخَلِيفَةِ آخَرَ بَعْدَهُ كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ بِتَرْكِهِ شُورَى فِي جَمَاعَةٍ صَالِحِينَ كَذَلِكَ كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ، أَوْ بِاجْتِمَاعِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ عَلَى مُبَايَعَتِهِ أَوْ بِمُبَايَعَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ فَيَجِبُ الْتِزَامُهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَحَكَى عَلَى ذَلِكَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْإِجْمَاعَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. أَوْ بِقَهْرِ وَاحِدٍ النَّاسَ عَلَى طَاعَتِهِ فَتَجِبُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إِلَى الشِّقَاقِ وَالِاخْتِلَافِ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشافعي. وهل يجب الإشهاد على عقد الإمام؟ فِيهِ خِلَافٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُشْتَرَطُ وَقِيلَ بَلَى وَيَكْفِي شَاهِدَانِ، وَقَالَ الْجُبَّائِيُّ: يَجِبُ أَرْبَعَةٌ وَعَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ لَهُ، كَمَا تَرَكَ عُمَرُ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ فَوَقَعَ الْأَمْرُ عَلَى ما عَاقِد وَهُوَ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَمَعْقُودٌ لَهُ وَهُوَ عُثْمَانُ، وَاسْتَنْبَطَ وُجُوبَ الْأَرْبَعَةِ الشُّهُودِ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِينَ وَفِي هَذَا نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا عَدْلًا مُجْتَهِدًا بَصِيرًا سَلِيمَ الْأَعْضَاءِ خَبِيرًا بِالْحُرُوبِ وَالْآرَاءِ، قُرَشِيًّا عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْهَاشِمِيُّ وَلَا الْمَعْصُومُ مِنَ الْخَطَأِ خِلَافًا لِلْغُلَاةِ الرَّوَافِضِ. وَلَوْ فَسَقَ الْإِمَامُ هَلْ يَنْعَزِلُ أَمْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ. وَقَدْ عَزَلَ الْحَسَنُ بن علي نَفْسَهُ وَسَلَّمَ الْأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، لَكِنْ هَذَا لِعُذْرٍ، وَقَدْ مُدِحَ عَلَى ذَلِكَ. فَأَمَّا نَصْبُ إِمَامَيْنِ فِي الْأَرْضِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا يَجُوزُ لقوله عليه الصلاة وَالسَّلَامُ «مَنْ جَاءَكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَكُمْ فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ» وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَقَالَتِ الْكَرَّامِيَّةُ يجوز اثنان فَأَكْثَرَ، كَمَا كَانَ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ إِمَامَيْنِ وَاجِبَيِ الطَّاعَةِ، قَالُوا: وَإِذَا جَازَ بَعْثُ نَبِيَّيْنِ فِي وقت واحد وأكثر جاز ذلك في الإمام لِأَنَّ النُّبُوَّةَ أَعْلَى رُتْبَةً بِلَا خِلَافٍ.
وَحَكَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنِ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ جَوَّزَ نَصْبَ إِمَامَيْنِ فَأَكْثَرَ إِذَا تَبَاعَدَتِ الْأَقْطَارُ وَاتَّسَعَتِ الْأَقَالِيمُ بَيْنَهُمَا، وَتَرَدَّدَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي ذلك.
قلت: وهذا يشبه حال الخلفاء بَنِي الْعَبَّاسِ بِالْعِرَاقِ وَالْفَاطِمِيِّينَ بِمِصْرَ وَالْأُمَوِيِّينَ بِالْمَغْرِبِ ولنقرر هذا كله في موضع آخر من كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى.الشيخ: والخلاصة أن هذا البحث تنازع فيه العلماء في مسألة الخليفة، ومسألة قول الملائكة: أتجعل فيها؟ والصواب مثل ما تقدم أن الله جل وعلا أخبر الملائكة أنه سيجعل خليفة في الأرض يعمرها في طاعة الله جل وعلا ويخلف بعضهم بعضًا وأنه سيقع منهم بعض المعاصي وبعض الشرور (.......) الملائكة على شيء من ذلك فلهذا استنكروا وسألوا فقال: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:30] قد خلق الجن والأنبياء والصالحين والأخيار وعبد وعرف ورفع ذكره جل وعلا وكان في ذلك مصالح عظيمة، وأما ما يتعلق بالملائكة فالظاهر كما قال جماعة من المفسرين: أنه أطلعهم على هذا الشيء فلهذا قالوا هذا السؤال مستغربين وسائلين وبين لهم سبحانه أنه يعلم ما لا يعلمون.
وأما ما يتعلق بنصب الأئمة فالواجب إمام واحد إذا تيسر كما كان في عهد الصديق وعمر وعثمان لكن إذا لم يتيسر تنازع الناس واختلف الناس فلا مانع من وجود إمامين أو أكثر كل واحد في إقليم يبايع ويطاع في طاعة الله حقنًا للدماء ومنعًا للاختلاف والنزاع، ثم إذا تيسر اجتماعهم على إمام واحد في أقطار الدنيا فهذا هو الأرجح وهو الأصوب وهو الواجب كما كان في عهد الصديق وعمر وعثمان، ثم تكاثر الناس بعد ذلك لاتساع الدنيا واتساع رقعة الأرض واتساع العالم فعند ذلك جاز أن يستولي هذا على إقليم وهذا على إقليم يبايع هذا ويبايع هذا وكل منهم يقوم بما يجب عليه في محله وفي قطره وإقليمه وتجب طاعته بالمعروف حتى لا يختلف الناس وحتى لا تسفك الدماء.
.......
قوله: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قالُوا سُبْحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
هَذَا مَقَامٌ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ شرف آدم على الملائكة بما اختصه مِنْ عِلْمِ أَسْمَاءِ كُلِّ شَيْءٍ دُونَهُمْ، وَهَذَا كَانَ بَعْدَ سُجُودِهِمْ لَهُ وَإِنَّمَا قَدَّمَ هَذَا الفصل على ذلك لمناسبة ما بين هذا الْمَقَامِ وَعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِحِكْمَةِ خَلْقِ الْخَلِيفَةِ حِينَ سألوه عن ذلك، فأخبرهم تَعَالَى بِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُونَ.
.......
وَلِهَذَا ذكر الله هَذَا الْمَقَامَ عَقِيبَ هَذَا لِيُبَيِّنَ لَهُمْ شَرَفَ آدَمَ بِمَا فُضِّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ فقال تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها وقال السُّدِّيُّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها قال: علمه أَسْمَاءَ وَلَدِهِ إِنْسَانًا إِنْسَانًا وَالدَّوَابِّ فَقِيلَ: هَذَا الْحِمَارُ، هَذَا الْجَمَلُ، هَذَا الْفَرَسُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها قَالَ: هِيَ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ الَّتِي يَتَعَارَفُ بِهَا النَّاسُ: إِنْسَانٌ وَدَابَّةٌ وَسَمَاءٌ وَأَرْضٌ وَسَهْلٌ وَبَحْرٌ وجمل وَحِمَارٌ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمَمِ وَغَيْرِهَا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَعبدعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها
قَالَ: عَلَّمَهُ اسْمَ الصَّحْفَةِ وَالْقِدْرِ، قَالَ نَعَمْ حَتَّى الْفَسْوَةَ وَالْفُسَيَّةَ «. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها قَالَ: عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ دَابَّةٍ وكل طير وكل شيء. كذلك رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ.الشيخ: يعني المعنى: أن الآية على إطلاقها وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [البقرة:31] الآية على إطلاقها علمه أسماء ذريته إلى آخر الدهر، وعلمه الأسماء الأخرى التي يتخاطب بها الناس، وعلمه أسماء المعاني، وأسماء الأحداث وغير ذلك يعني الآية على عمومها وإطلاقها كونه علمه أسماء كل شيء يمكن أن يحتاج إليه الناس ويحتاج إليه بنو آدم.
وقال الربيع في رواية عنه: أَسْمَاءُ الْمَلَائِكَةِ. وَقَالَ حُمَيْدٌ الشَّامِيُّ: أَسْمَاءُ النُّجُومِ. وَقَالَ عبدالرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ ذُرِّيَّتِهِ كُلِّهِمْ. وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّهُ عَلَّمَهُ أسماء الملائكة وأسماء الذرية؛ لِأَنَّهُ قَالَ ثُمَّ عَرَضَهُمْ. وَهَذَا عِبَارَةٌ عَمَّا يَعْقِلُ.
.......
وَهَذَا الَّذِي رَجَّحَ بِهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، فإنَّهُ لَا يَنْفِي أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ، وَيُعَبَّرَ عَنِ الْجَمِيعِ بِصِيغَةِ مَنْ يَعْقِلُ لِلتَّغْلِيبِ كما قال تعالى وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [النُّورِ:45]الشيخ: ومنهم من يمشي على رجلين وهذا لا يخص بني آدم، بل يعم بني آدم والعقلاء ويعم غيرهم تبعًا لهم فالطير يمشي على رجلين والنعامة على رجلين وحيوانات كثيرة على رجلين
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا ذَوَاتَهَا وصفاتها وَأَفْعَالَهَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ حَتَّى الْفَسْوَةَ وَالْفُسَيَّةَ، يَعْنِي أَسْمَاءَ الذَّوَاتِ وَالْأَفْعَالِ الْمُكَبَّرُ وَالْمُصَغَّرُ. وَلِهَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ في كِتَابِ التَّفْسِيرِ مِنْ صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبراهيم حدثنا هشام حدثنا قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حدثنا سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هناكم، ويذكر ذنبه فيستحي. ائْتُوا نُوحًا فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ سُؤَالَهُ رَبَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ فيستحي. فَيَقُولُ ائْتُوا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، فَيَقُولُ: ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا كَلَّمَهُ اللَّهُ وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ نفس فيستحي مِنْ رَبِّهِ. فَيَقُولُ: ائْتُوا عِيسَى عبداللَّهِ وَرَسُولَهُ وَكَلِمَةَ اللَّهِ وَرُوحَهُ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ ائْتُوا مُحَمَّدًا عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَيَأْتُونِي فأنطلق حتى أستأذن على ربي فيأذن لِي فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَحْمَدُهُ بِتَحْمِيدٍ يُعْلِمُنِيهِ ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْهِ فإذا رأيت ربي مِثْلَهُ ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ثم أعود الثالثة ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَقُولُ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ هَكَذَا سَاقَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ هَاهُنَا.
.......
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي عبداللَّهِ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَوَجْهُ إِيرَادِهِ هَاهُنَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ أَنْتَ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ. فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلِهَذَا قَالَ: ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ يَعْنِي الْمُسَمَّيَاتُ كَمَا قَالَ عبدالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَ الْخَلْقَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ثُمَّ عَرَضَهُمْ: عَرَضَ أَصْحَابَ الْأَسْمَاءِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ.الشيخ: لأنه قال: أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ [البقرة:31] فدل ذلك على أن المعهود هي الحقائق المسماة، آدم علم الأسماء كلها، ثم عرفت تلك المسميات حمار حمار، جمل جمل، صحفة صحفة، سيف سيف، سكين سكين وهكذا قدمت تلك المسميات وربك على كل شيء قدير، يعني خلقها ووجدت صورها بينهم ثم سألهم عن تلك الأسماء عن أسماء هذه الأشياء ما اسم هذا وما اسم هذا وما اسم هذا؟
س: تحديد الشفاعة بأربع مرات أو ثلاث مرات؟
الشيخ: أربع مرات، وهذا في حق العصاة أهل الكبائر، وأما الشفاعة في أهل الموقف فمرة واحدة يشفع للناس فيقضى بينهم (.......) العامة لكن جاء في إحدى الروايات الأخرى أنه (.......) الشفاعة وقضى بين الناس، فلما قضى بين الناس ودخل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة، شفع أربع شفاعات بعد ذلك للعصاة الذين دخلوا النار، شفع أولاً فحد له حدًا فلان وفلان وفلان على حسب ما قسم الله جل وعلا، فيحد حدًا بعلامات أو بكمية محدودة مائة ألف مائتي ألف مليون شيء محدد، ثم يخرجهم الله، لأن مدتهم انتهت، مدتهم التي كتب الله عليهم، من عذاب الزنا أو العقوق أو قطيعة رحم أو ربا أو غير ذلك، ثم يشفع مرة أخرى فيُحد له من العصاة حدًا يخرجهم وهكذا. حتى لا يبقى إلا من حبسه القرآن، يعني حتى لا يبقى إلا الكفرة وهذا بحسب ما ظهر له عليه الصلاة والسلام حسب ما حد له، ولكن جاءت في الراوية الأخرى أنه يبقى أيضاً ناس ما نالتهم الشفاعة ما أخرجتهم الشفاعة من العصاة، فيقول الله جل وعلا: "شفعت الرسل، وشفعت الأنبياء، وشفعت الملائكة، وشفع المؤمنون ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين، فيخرج الله أقوامًا من النار بغير شفاعة أحد، بل منه برحمته ممن مات لا يشرك بالله شيئًا، ممن يقول لا إله إلا الله، لكن دخلوها بذنوبهم".
س: العصاة مطلقًا أم خاص بعصاة أمته عليه الصلاة والسلام؟
الشيخ: المتبادر والله أعلم أنهم من أمته عليه الصلاة والسلام، وأما الأمم الأخرى فلهم أنبياؤهم هذا الظاهر؛ لأنه في بعض الروايات قال: أمتي أمتي يا ربي أمتي أمتي.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ وَأَبِي بَكْرٍ عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ قَالَا: عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ، وَجَعَلَ يُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ بِاسْمِهِ وَعُرِضَتْ عَلَيْهِ أُمَّةً أُمَّةً. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عن الحسن وقتادة في قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إِنِّي لَمْ أَخْلُقْ خَلْقًا إِلَّا كُنْتُمْ أَعْلَمَ مِنْهُ فَأَخْبِرُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أني لَمْ أَجْعَلْ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.
وَقَالَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَنَّ بَنِي آدَمَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ: فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ مَنْ عَرَضْتُهُ عليكم أيها الملائكة القائلون أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ مِنْ غَيْرِنَا أَمْ مِنَّا فَنَحْنُ نَسْبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؟ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي قِيلِكُمْ إِنِّي إِنْ جَعَلْتُ خَلِيفَتِي فِي الْأَرْضِ مِنْ غيركم عصاني ذريته وأفسدوا فيها وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ وَإِنْ جَعَلَتُكُمْ فِيهَا أَطَعْتُمُونِي وَاتَّبَعْتُمْ أَمْرِي بِالتَّعْظِيمِ لِي وَالتَّقْدِيسِ، فَإِذَا كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أَسْمَاءَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَرَضْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ تشاهدونهم فَأَنْتُمْ بِمَا هُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ مِنَ الْأُمُورِ الْكَائِنَةِ الَّتِي لَمْ تُوجَدْ أَحْرَى أَنْ تَكُونُوا غير عالمين.
قالُوا سُبْحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ هَذَا تَقْدِيسٌ وَتَنْزِيهٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُحِيطَ أَحَدٌ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَأَنْ يَعْلَمُوا شَيْئًا إِلَّا مَا عَلَّمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِهَذَا قَالُوا سُبْحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ أَيِ الْعَلِيمُ بِكُلِّ شَيْءٍ الْحَكِيمُ فِي خَلْقِكَ وَأَمْرِكَ وَفِي تَعْلِيمِكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْعِكَ مَنْ تَشَاءُ لَكَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ وَالْعَدْلُ التَّامُّ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ، قَالَ تَنْزِيهُ اللَّهِ نَفْسَهُ عَنِ السوء، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ لَعَلِيٍّ وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا سُبْحَانَ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: كَلِمَةٌ أَحَبَّهَا اللَّهُ لِنَفْسِهِ وَرَضِيَهَا وَأَحَبَّ أَنْ تُقَالَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ عَرَبِيٍّ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ عن سبحان الله، قال: اسْمٌ يُعَظَّمُ اللَّهُ بِهِ، وَيُحَاشَى بِهِ مِنَ السوء.الشيخ: ومعنى أنه يحاشى به يعني أنه تنزيه لله، التسبيح هو التقديس والتنزيه لله عما لا يليق به في سائر الأمور، والحمد ثناء وهذا تنزيه.
س: وقول علي: كلمة أحبها لنفسه؟
الشيخ: إن صحت عنه، فما ينافي أنها تنزيه.
.......
قوله تَعَالَى: قالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: قال: أنت جبرائيل أَنْتَ مِيكَائِيلُ أَنْتَ إِسْرَافِيلُ حَتَّى عَدَّدَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا حَتَّى بَلَغَ الْغُرَابَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قول الله قالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قَالَ اسْمُ الْحَمَامَةِ وَالْغُرَابِ وَاسْمُ كُلِّ شَيْءٍ.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ نَحْوُ ذَلِكَ، فَلَمَّا ظهر فضل آدَمَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي سَرْدِهِ مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَسْمَاءِ الْأَشْيَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ أَيْ أَلَمْ أَتَقَدَّمْ إِلَيْكُمْ أَنِّي أَعْلَمُ الْغَيْبَ الظَّاهِرَ والخفي كما قال تَعَالَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى [طه:7] وكما قال إِخْبَارًا عَنِ الْهُدْهُدِ أَنَّهُ قَالَ لِسُلَيْمَانَ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل:25، 26].
.......