29- باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء
قول الله تعالى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة: 82].
وعن أبي مالك الأشعري أن رسول الله ﷺ قال: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة.
وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب رواه مسلم.
ولهما عن زيد بن خالد قال: "صلى لنا رسول الله ﷺ صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب. وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب.
ولهما من حديث ابن عباس بمعناه، وفيه: "قال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا، فأنزل الله هذه الآيات: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ إلى قوله: تُكَذِّبُونَ [الواقعة: 75-82].

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا الباب عقده المؤلف في بيان تحريم الاستسقاء بالنجوم؛ وأنه من عمل المشركين، والنجوم ليس لها تصرف في إنزال المطر ولا في غيره، وإنما الله خلقها لثلاث: زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدى بها كما تقدم.
فلا يجوز الاعتقاد فيها غير ذلك من أنها يحصل بها السقيا أو غير ذلك، بل يجب الحذر من عمل الجاهلية، وقد أنكر الله عليهم ذلك بقوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة: 82] يعني حظكم ونصيبكم من شكر الله أنكم تكذبون أنه من الله وتنسبونه إلى غيره: أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة: 81-82] يعني حظكم من كتاب الله وما جاء به رسوله من العلم تكذيبكم بذلك وإنكاركم لإنزال المطر من عنده جل وعلا.

يقول النبي ﷺ: أربعة في أمتي من أمور الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة يعني على الميت.
يعني أن الغالب أن الأمة يقع فيها هذا البلاء، إلا من رحم الله من أهل الإيمان والتقوى، الفخر بالأحساب كل واحد يفخر بأبيه وجده.
والطعن في أنساب الناس تنقصها والاستسقاء بالنجوم سقينا بنجم كذا سقينا بنجم كذا أو تدعا وتسأل من دون الله.
والنياحة على الميت كذلك من أمر الجاهلية، وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب هذا وعيد عظيم نعوذ بالله من ذلك، وهذا يفيد الحذر من النياحة، وأن الواجب على من وقع منها شيء أن تتوب إلى الله.
والنياحة: رفع الصوت على الموت، الصياح على الميت، أو شق الثوب، أو خمش الوجه أو ما أشبه ذلك.
يقول ﷺ: ليس منا من ضرب الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية، ويقول ﷺ: أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة الصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة التي تحلق شعرها، والشاقة تشق ثوبها، كل هذا من الجزع، فالواجب الحذر من ذلك، والحذر من جميع خصال الجاهلية إلا ما أقره الإسلام.

وهكذا حديث زيد بن خالد الجهني أن النبي ﷺ خطبهم بعد صلاة الفجر يوم الحديبية حين صلح الحديبية مع أهل مكة، على إثر مطر من الليل فلما سلم من الصلاة خطبهم وأخبرهم: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب، فهذا فيه التحذير من هذه العبارة أن لا يقال مطرنا بنوء كذا وكذا، أو بنجم كذا بل مطرنا بفضل الله ورحمته، أما إذا قال مطرنا في نجم كذا في وقت كذا في الشتاء؛ فهذا إخبار عن الظرف عن الوقت، أما الباء تقتضي السببية فلا يجوز؛ لأن الله ما جعلها أسبابًا؛ فنسبة الشيء إليها غلط ومنكر، وسماه الرسول صلى الله عليه وسلم كفرًا، فإذا كان يعتقد أنها هي التي تنزل المطر أو لها تصرف في الكون صار شركا أكبر، وإن كان لم يعتقد ذلك فهو كفرٌ أصغر، مثل: ثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت، لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض من الكفر الأصغر.
وإذا اعتقد أن لها تصرف في الكون أو أنها تسبب نحسًا لقوم أو شرًا لقوم أو خيرًا لقوم فهذا كفرٌ أكبر.
وقال في الحديث ابن عباس أنهم قالوا: لقد صدق نوء كذا وكذا، يعني في إنزال المطر وفي وجود كذا ووجود كذا، فهذا صدق مثل مطرنا بنوء كذا وكذا فالمعنى واحد.
فالواجب الحذر من خصال الجاهلية وعدم التأسي بهم في ذلك.
نسأل الله العافية والسلامة.

الأسئلة:

س: هل يشرع للإنسان إذا نزل مطرًا أن يقول مطرنا بفضل الله ورحمته؟
الجواب: نعم هذه السنة، كان النبي ﷺ إذا مطر قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، اللهم صيبًا نافعًا.