28- باب ما جاء في التطير

باب ما جاء في التطير
وقول الله تعالى: أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ  [الأعراف: 131]، وقوله: قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ  [يس: 19].
وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر أخرجاه. زاد مسلم: ولا نوء ولا غول.
ولهما عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل. قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة.
ولأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر  قال: "ذكرت الطيرة عند رسول الله ﷺ فقال: أحسنها الفأل، ولا ترد مسلما؛ فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك.
وعن ابن مسعود مرفوعا: الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل رواه أبو داود والترمذي وصححه. وجعل آخره من قول ابن مسعود.
ولأحمد من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما: من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك. قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: أن تقولوا: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك.
وله من حديث الفضل بن عباس : "إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك".

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا الباب في التطير، لما كان التطير موجودًا في الجاهلية وفي الإسلام يبتلى به الكثير من الناس، عقد المؤلف رحمه الله وهو أبو عبدالله شيخ الإسلام في زمانه والمجدد لما اندرس من معالم الإسلام في وقته في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري، وهو الشيخ محمد بن الشيخ عبدالوهاب بن الشيخ سليمان بن علي التميمي الحنبلي رحمه الله المتوفى سنة 1206 من الهجرة النبوية.

يقول رحمه الله: باب ما جاء في التطير والتطير مصدر تطير تطيرًا وهو التشاؤم بالمرئيات أو المسموعات يقال له التطير التشاؤم بالمرئي أو المسموع إذا أمضى الإنسان أورده يسمى تطيرًا وكانت الجاهلية تستعمل ذلك وتبتلى بذلك فأبطله الإسلام وبين لهم أن التطير باطل لا حقيقة له، ولما قال له بعض الناس: يا رسول الله، إن الإنسان يجد في صدره كذا وكذا قال: ذاك يجده أحدكم في صدره فلا يصدنكم! يعني وساوس يجدها الإنسان في صدره فلا ينبغي أن يصده عن حاجته، يقول الله جل وعلا: أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ  [الأعراف: 131]، وقال تعالى: فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ [الأعراف:131] يعني أن ضعفاء العقول وضعفاء الإيمان إذا أصابتهم نكبة تطيروا بموسى وقالوا هذا من شؤم موسى، وهذا من ضعف الإيمان وقلة البصيرة، قال الله جل وعلا في حقهم: إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ [الأعراف:131]، يعني نحسهم وشرهم بأسباب ذنوبهم ومعاصيهم وكفرهم هو عند الله جل وعلا أصابهم بسبب ما تلبسوا به من الكفر والمعاصي، وفي الآية الأخرى قالوا: قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ  [يس: 19] لما قالت أعداء الرسل للرسل: قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ  [يس: 18] قالت لهم رسلهم: طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ  [يس: 19]، يعني نحسكم وشركم معكم، وهو كفركم وضلالكم هو الذي أصابكم وحصل به البلاء عليكم، ولكن القوم لا يفقهون، كفار لا يفقهون ما هم فيه من الباطل ولا يشعرون بما هم فيه من الباطل لضلالهم وجهلهم، ولهذا عبدوا الأشجار والأحجار من دون الله وشركوها مع الله كل هذا من الجهل والضلال وقلة البصيرة، ولو كانت عندهم بصيرة لعرفوا أن الذي ينجيهم في الشدائد هو الذي ينجيهم في الرخاء وهم في الشدائد يخلصون لله العبادة، كما قال تعالى: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ  [العنكبوت: 65]، وقال جل وعلا: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 67] يعني ذهب من تدعون إلا إياه: فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ [الإسراء: 67] هذه حالهم لجهلهم عند الشدائد يخلصون لله العبادة وعند الرخاء يعبدون معه الآلهة والأصنام وهذا كله من الجهل الكبير.
فالواجب على المسلم مهما كان الحذر من التطير وجهاد نفسه حتى يستقيم على الحق، وأن لا يتطير بشيء مما يرى أو يسمع، يتوب إلى الله من ذنوبه وسيئاته ويعلم أن ما أصابه هو بسبب ذنوبه فليحذر وليبادر بالتوبة وليحذر خلق الجاهلية وهو التطير، ولهذا يقول ﷺ: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول، كل هذا إبطال لها إبطال العدوى والطيرة وقوله: لا عدوى يعني لا حقيقة لها؛ لأن الجهلة تعتقد أن هذه الأشياء تؤذي بطبعها كالجرب ونحوه، بين النبي ﷺ أنه لا عدوى، بيد الله هو الذي ينقل المرض من هذا إلى هذا، فلما قال ﷺ في بعض الأحاديث: لا عدوى قال بعض الحاضرين من البادية: يا رسول الله، الإبل تكون كذا وكذا في الصحة، فيدخل فيها البعير الأجرب فتجرب! فقال ﷺ: فمن أعدى الأول المقصود الذي أنزله بالأول هو الذي أنزله بالبقية، لكن اختلاط الصحيح بالمريض من أسباب النقل، من أسباب نقل المرض في  بعض الأمراض؛ فلهذا قال ﷺ: لا يورد ممرض على مصح لا يورد عند إيراد الماء، لا يورد ممرض على مصح، يعني تكون الإبل الصحاح وحدها والجُرب وحدها؛ من باب اتقاء الخطر والبعد عن أسباب الشر.
وقال ﷺ: فر من المجذوم فرارك من الأسد لما كان الجذام مما جرت العادة أنه ينتقل، قال فر من المجذوم، هذا من باب البعد عن أسباب الشر، وإلا فالعدوى لا حقيقة لها باطلة، لأنها لا تعدي الناس بطبعها، بل الله الذي يقدر ذلك وينزل ذلك سبحانه وتعالى.
و الطيرة التشاؤم بالمرئيات هذه الطيرة إذا أمضى الإنسان في حاجة أو رده عنه هذا هو التطير.
ولا هامة الهامة طائر يتشاؤمون به يقولون أنه إذا وقع على بيت أحدهم أنه يموت. وهذا من جهل الجاهلية، ويسميها بعضهم البومة إذا صاحت على جدار أحدهم معناها أنها تنعاه وأنه سيموت، وهذا من الجهل وبين النبي ﷺ أنها باطلة فهذا لا أصل له.
ولا صفر كذلك بعض الجاهليين يتشاءم بصفر شهر صفر، أبطل النبي ﷺ هذا وأن صفر مثل غيره من الشهور ولا يتشاءم به، وليس فيه ما يوجب التشاؤم. بل هو كمحرم وربيع لا يجوز التشاؤم بشيء منها.
وقال بعضهم: مرادهم بصفر أنها دابة في البطن يقال لها صفر، ولكن الصحيح والمعروف عند أهل العلم أن المراد به الشهر المعروف، بعض الجاهليين يتشاءمون به فأبطل النبي ﷺ ذلك.
كذلك ولا نوء ولا غول بعضهم يتشاءم ببعض الأنواء إذا طلع بعض الأنواء، قال: يقع كذا يقع كذا وهذا باطل، فالأنواء ما عندها حل ولا عقد الأنواء خلقها الله زينة للسماء ورجومًا للشياطين وعلامات يهتدى بها ليس عندها حل ولا عقد.
ولا غول يعني ليست الغول تعمل بنفسها بل هي من جنس  المخلوقات الأخرى، يقال لها مخبلة الجن تغتال الناس في البراري؛ فهي من جنس المخلوقات الأخرى قد تقع، وليست بمستقلة بل مما يقدر الله أن تقع لبعض الناس، تتصور قدامه بصورة كذا أو صورة كذا، أو تركب معه على درفه، أو تتصور قدامه بصورة بشعة قبيحة توحشه، فينبغي بمثل هذا إذا رأى مثل هذا أن يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ويكفيه ذلك والحمد لله!
فالعاقل لا يهمه هؤلاء يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ولا يبالي بها.
وقال ﷺ لما قيل له عن الطيرة قال: أحسنها الفأل ولا ترد مسلمًا الفأل فيه نوع من التشابه بالطيرة لكن الفأل ما يرد والطيرة ترد، فالفأل خرج عن الطيرة بكونه لا يرده، مثل الإنسان الذي سمع بإنسان يقول: يا معافى أو يا مشفي، أو يخاطب غيره بأسلوب الشفاء فسره هذا الكلام، هذا من باب التفاؤل، أو إنسان يدور ضالة يلتمس ضالة فسمع إنسانًا يقول: أبشر أو يا واجد، أو أدركت مطلوبك أو كذا فيفرح بالكلام الطيب ولا ترده عن حاجته.
فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك، الحسنات هنا النعم، والخيرات والسيئات المصائب فيقول عندما يجد ما يكره، اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا  بك، يعتمد على الله ويعلم أن كل شيء بيده سبحانه وتعالى فهو الذي يأتي بالحسنات، وهو الذي يدفع السيئات، وهو الذي بيده الحول والقوة جل وعلا.

وهكذا الحديث الذي بعده: الطيرة شرك الطيرة شرك، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل بين النبي ﷺ أنها شرك؛ لأنها تشاؤم بالمرئيات وإذا ردته عن حاجته، نوع من الشرك الأصغر، قال: وما منا هذا من كلام ابن مسعود هذا موقوف على ابن مسعود، ولهذا قال الترمذي: وجعله من قول ابن مسعود. يعني قد يقع في نفوس البعض منا ولكن الله يذهبه بالتوكل، يعني قد يقع في نفسه شيء من التشاؤم، ولكن بتذكره أن الأمور بيد الله يتوكل على الله ويذهب عنه ما يجد مثل ما تقدم: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ومثل ما في حديث عبدالله بن عمرو: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك يقمع به الوساوس هذه ترد الوساوس وتقمع الشيطان.

وحديث الفضل بن العباس: إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك، هذا معروف مما تقدم من ردته طيرته عن حاجته، الطيرة التي توجب الرجوع عن الحاجة، أو المضي في الحاجة وأنت قد هونت عن المضي فيها هذه الطيرة، أما كونه يتفاءل ويمشي في حاجته ولا ترده عن حاجته فهذا ليس بطيرة "الطيرة" ما أمضاك وأنت لا تريد المضي أو ردك وأنت تريد الذهاب فتشاءمت، إنسان خرج مسافر فرأى كلبًا أسودًا أو رأى حمارًا ما ناسبه أو سمع صوتًا ما ناسبه فرجع عن السفر هذه الطيرة، أو ما هو مسافر فسمع كذا وكذا صوت يناسبه فقال سأسافر بهذا الصوت، لا يمضي في حاجته متوكلاً على الله جل وعلا، وإن سمع صوتًا يسره فرح بذلك ولا يرده عن حاجته ولا يمضي في حاجته وإن سمع ما يكره لا يرده عن حاجته بل يقول: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك، يعني يعتمد على الله في مضيه ورجوعه ولا يلتفت إلى التشاؤم بالمرئي أو المسموع.
وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: رجل تزوج امرأة ثم اكتشفت أن في عضوه خلايا سرطانية فتشاءمت فهل يجوز لها أن تطلب منه الطلاق؟ وهل هذا من التشاؤم؟
الجواب: هذا ما هو من التشاؤم، هذا من باب الاختلاط، إذا طلبت الطلاق لا بأس، إذا ثبت أنه مصاب بالسرطان فهذا عذر شرعي، هذا ما هو من التشاؤم، هذا من البعد عن الخطر.
س: رجل سوى حادث في طريق وكره أن يمر بها مرة ثانية؟
الجواب: لا يتشاءم ويتوكل على الله.
س: قول يا الله فأل خير؟
الجواب: ما فيه شيء.