باب التيمم
- عن جابر بن عبدالله : أنَّ النبيَّ ﷺ قال: أُعْطِيتُ خمسًا لم يُعْطَهُنَّ أحدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَة شهرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهُورًا، فأيُّما رجلٍ أدركَتْهُ الصلاةُ فَلْيُصَلِّ .. وذكر الحديث.
وفي حديث حُذيفة عند مسلم: وجُعِلَتْ تُربتُها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء.
وعن عليٍّ عند أحمد: وجُعِلَ التُّرابُ لي طهورًا.
- وعن عمَّار بن ياسر رضي الله عنهما قال: بعثني النبيُّ ﷺ في حاجةٍ، فأجنبتُ، فلم أجد الماء، فتمرَّغْتُ في الصَّعيد كما تتمرَّغ الدَّابةُ، ثم أتيتُ النبيَّ ﷺ، فذكرتُ له ذلك، فقال: إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربةً واحدةً، ثم مسح الشِّمال على اليمين، وظاهر كفَّيه ووجهه.
متفقٌ عليه، واللفظ لمسلمٍ.
وفي روايةٍ للبخاري: وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفَّيه.
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله ﷺ: التَّيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المِرْفَقين.
رواه الدَّارقطني، وصحح الأئمَّةُ وقفَه.
الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث كلها في التَّيمم، والتيمم هو: قصد الأرض ليمسح بها وجهه وكفَّيه، هذا هو التيمم، أن يقصد الأرضَ فيضرب بها كفَّيه، ثم يمسح وجهه وكفَّيه، وهو مصدر: تيمَّم، تيمُّمًا، والأصل في هذا قوله جلَّ وعلا: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6].
وقد أجمع المسلمون على أنَّ مَن فقد الماء أجزأه التيمم، وهذا من خصائص هذه الأمة، وكان مَن قبلها مكلَّفين بالماء، أمَّا هذه الأمة فقد جعل الله لها فرجًا عند عدم الماء، وهو التيمم.
ولهذا قال ﷺ: أُعْطِيتُ خمسًا لم يُعطهنَّ أحدٌ قبلي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مسيرة شهر يعني: يخافه عدوه من مسيرة شهر، فيُنصر عليه بالرعب، وجُعلت لي الأرضُ مسجدًا وطهورًا، فأيما رجلٍ أدركته الصلاةُ فإنه مسجده وطهوره، وهذا من رحمة الله ونعمته، فعند العبد مسجده وطهوره: مسجده يُصلِّي فيه، وطهوره هو التراب.
وأُعطيتُ الشَّفاعة يعني: في الأمم يوم القيامة عليه الصلاة والسلام.
وأُحِلَّت لي المغانم، ولم تحلّ لأحدٍ قبلي، وبُعِثْتُ إلى الناس عامَّة، فهو رسول الله إلى الجميع، كما قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158].
والشاهد قوله: وجُعلت لي الأرضُ مسجدًا وطهورًا فالله جعل الأرضَ لهذه الأمة مسجدًا، وجعلها لهم طهورًا، يعني: تُرابها، كما في الرواية الأخرى: وجُعِل لي الترابُ طهورًا، فمَن فقد الماء أو عجز عن استعماله لمرضٍ فإنه يتيمم والحمد لله: عن الجنابة، وعن الحدث الأصغر.
وفي حديث عمَّار الدلالة على أنَّ الكيفية ضربة واحدة، يضرب التراب بيديه، ثم يمسح بهما وجهه وكفَّيه، هذا المشروع، تكفيه ضربة واحدة، يمسح ببطون يديه –كفَّيه- وجهه، ويمسح كفَّيه: اليُمنى باليسرى، واليُسرى باليمنى، ويبدأ بالوجه؛ لأنَّ الله قال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [المائدة:6]، ورواية حديث عمَّار يُفسِّر بعضُها بعضًا: أن يضرب التراب بيديه، ثم يمسح بهما وجهَه وكفَّيه.
وأسقط الله عن المتيمّم: مسح الذراع، ومسح الرأس، ومسح الرِّجلين، فيكفيه الوجه والكفَّان، وهذا من لطف الله جلَّ وعلا، ومن نعمته .
أما حديث ابن عمر: "التَّيمُّم ضربتان" فهذا من اجتهاده ، والصواب أنه موقوفٌ عليه، وليس من كلام النبي ﷺ.
فالتيمم ضربةٌ واحدةٌ، هذا هو الأفضل، وأمَّا ابن عمر فكان يختار ضربتين باجتهادٍ منه : ضربة للوجه، وضربة لليدين، ولكن الصواب ضربة واحدة تكفي؛ كما دلَّ عليه حديثُ عمَّار.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: كيف نجمع بين رواية عمار والرواية الأخرى: الأولى أنَّه قدَّم اليدين، والأخرى أنه قدَّم الوجه؟
ج: هذا من تصرف الرواة.
س: والصَّحيح هو الوجه كما في الآية؟
ج: الوجه، ثم اليدين، نعم، كما في الآية.
س: ........... قطعًا هو الماء، ثم كانت المياه عندهم في آنيةٍ، فهل الصواب أن يكبَّ من الآنية ثلاث مرات ثم يغتسل بجانب الآنية ولا بأس؟
ج: يصبّ من الآنية في الأواني الصِّغار حتى يصبَّ بكفِّه.
س: يعني: يصبَّ من الآنية على الفرج؟
ج: من الآنية الكبار في الأواني الصِّغار حتى يتوضَّأ منها.
س: وتغطيس اليد في الإناء؟
ج: إن كانت طاهرةً ما يضرّ.
س: بعد القيام من النوم؟
ج: إذا ما استطاع، أمَّا إن استطاع فلا بُدَّ أن يغسلها خارج الإناء، أمَّا إن لم يستطع؛ لأنَّ الإناء كبيرٌ، وليس عنده مغرفةٌ ولا شيء، فله أن يأخذ بأطراف يديه ويغسل كفَّيه.
س: هل يُشرع عند التيمم النَّفخ في اليدين؟
ج: إذا كان هناك ترابٌ زائدٌ ينفخ، كما نفخ النبيُّ ﷺ.
س: وإذا لم يكن؟
ج: ما يحتاج إلى النّفخ.
س: هل يجوز التَّيمم على الأرض الرَّطبة؟
ج: يُزيل الرُّطوبة ويتيمَّم بعدها.
س: هل يُشترط في التُّراب أن يكون له غبارٌ؟
ج: لا بُدَّ أن يكون ترابًا، فإذا كان ترابًا يكفي.
س: أذكار التَّيمم تكون هي أذكار الوضوء؟
ج: نعم، يُسمِّي عند التيمم، ويتشهد بعد الفراغ.
س: التَّرتيب بين الوجه واليدين؟
ج: هذا الواجب نعم.
س: هل يجمع المريضُ التُّرابَ في المستشفى؟
ج: نعم، يجمع التراب.
س: حتى لو كان عنده الماء؟
ج: إذا لم يستطع أن يستعمل الماء، أمَّا إذا استطاع فيلزمه الماء.
س: لو كان في أرضٍ مُبلطةٍ أو حجريةٍ هل يكفيه أن يضرب عليها؟
ج: لا، يخرج إلى الأرض التي يُوجد فيها تُراب.
س: السَّتائر والوسائد إذا كان عليه غبارٌ هل يُجزئه؟
ج: إذا كان ترابًا حقيقيًّا، وإلا فيحتاط لدينه ويخرج ويأتي بترابٍ، أو يخرج للأرض ويتيمم فيها، أو يطلب ترابًا ويتيمم منه؛ حتى يحتاط لدينه.
س: الغبار ما له اعتبار؟
ج: قد يكون غبارًا، ولكنه ليس ترابًا.
س: مسألة الاجتهاد في حياة النبي ﷺ كما فعل عمَّار؟
ج: اجتهادٌ ما عليه عمل، فلا بُدَّ أن يُراجع النبيَّ ﷺ، ولهذا راجع النبيَّ ﷺ.
س: آية: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] أي: من الغبار؟
ج: من التراب، يعني: من الصَّعيد: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة:6].
س: لا بد أن يكون له غبارٌ؟
ج: إذا تيسَّر، وإن كان في أرضٍ رمليَّةٍ أو ما فيها تُرابٌ فيتيمَّم منها: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
س: هل التَّيمم رافعٌ للحدث؟
ج: نعم، هذا الصواب، كالماء.
س: تشبيك الأصابع أثناء الطَّواف؟
ج: لعلَّ تركه أحسن كالصلاة، لكن ما بلغني فيه شيءٌ.
س: هل تُفرَّج الأصابع أثناء الضَّرب؟
ج: ليس بلازمٍ: مُفَرَّجة أو مضمومة، كله واحد.
س: هذا يقول: لو كنتُ حاجًّا، وكان الوقتُ باردًا، هل ألتَفُّ بالبطانية أو أَلْتَحِفُ بها؟
ج: نعم، تلتحف بها، لكن لا تلبس قميصًا ولا سراويل.
س: هل له أن يُغطي رأسه؟
ج: لا، لا يُغَطِّي رأسه.
س: والبشت؟
ج: إذا طرحه فما هو بلبسٍ.
س: وتغطية الوجه فقط؟
ج: ما يجوز؛ فالرسول ﷺ قال: لا تُخَمِّروا رأسَه، ولا وَجْهَه.
س: المسح على الخُفَّين هل يكون في وقتٍ واحدٍ: اليمنى واليسرى، أو يبدأ باليُمنى ثم اليُسرى؟
ج: يبدأ باليُمنى ثم اليُسرى.
س: ................؟
ج: الأفضل أن يبدأ باليُمنى ثم اليُسرى.
س: حاجٌّ طاف طواف الوداع، وسعى سعي الحج بعد الوداع، فهل يجوز له ذلك؟
ج: يجوز إن شاء الله؛ لأنَّها تبعٌ، فالسَّعي تبع الطَّواف.
س: يقول الشارحُ هنا: "وجُعِلَتْ تُربتُها طهورًا أخرجه مسلم، فلا دليلَ فيه على اشتراط التُّراب"؟
ج: التربة -تربة الأرض.
س: هذا شابٌّ عمره سبع عشرة سنة يقول: أريد الحجَّ، وعندي مالٌ، ولكن هل يجب عليَّ الحج؛ لأني محتاجٌ إلى سيارة أشتريها، وأنا في خدمة والدتي، والوالد ميت، فهل يجب عليَّ الحج أم لا يجب إلى الآن؟
ج: يلزمه الحج إذا كان يستطيع الحجَّ ولو بالاستئجار، ولا يلزم أن يشتري سيارةً، فإذا كان يستطيع الحجَّ فيلزمه الحجُّ ولو بالاستئجار، وليس شرطًا أن يشتري سيارةً يحجُّ بها.
س: .................؟
ج: إذا رجع من الحجِّ يخدُم والدته إن شاء الله.