منها حديث أسماء بنت أبي بكر أنها دخلت على النبي ذات يوم عليه الصلاة والسلام وعليها ثياب رقاق فقال لها الرسول: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه. قالوا: هذا يدل على أنها متى بلغت تكشف عن وجهها وكفيها.
والجواب عن هذا: أن هذا حديث باطل غير صحيح تعلق به من لا يعلم، وهو فيه علل ثلاث، العلة سمعتموها من المحاضر وهي الانقطاع، فإن الذي رواه عن عائشة هو خالد بن دريك وهو لم يسمع منها ولم يدركها، فيكون الحديث ضعيفًا للانقطاع عند أهل العلم؛ لأن الراوي إذا روى عمن لم يسمع منه ولم يدركه تكون روايته منقطعة ضعيفة غير صحيحة، أنت إذا رويت عن إنسان قد مات فقلت: قال كذا، وقال كذا، أنت كاذب إلا أن تعزوه إلى غيره، تقول: حدثني فلان عنه، أما أن تقول عنه وأنت ما أدركته هذا كذب غير صحيح، إلا أن تقول: حدثني فلان، أخبرني فلان الثقة أنه سمع من فلان كذا وكذا.
والعلة الثانية: أنه من طريق شخص يقال له: سعيد بن بشير ضعيف لا يحتج به في الحديث.
والعلة الثالثة: أنه من طريق قتادة عن خالد وهو مدلس، وقد عنعن عن خالد، والمدلس إذا لم يصرح بالسماع لا تقبل روايته، هذه علل ثلاث، كلها دلت عند أهل العلم على عدم صحته، وأنه حديث باطل.
ثم علة رابعة وجواب رابع لو صح لكان محمولًا على أن هذا كان قبل الحجاب قبل أن يعمل النساء بالحجاب، أما بعد الحجاب فقد منع هذا كله.
ثم علة خامسة كيف يظن ظان بامرأة عظيمة صالحة امرأة الزبير بن العوام حواري الرسول ﷺ وهي امرأة كبيرة أكبر من عائشة كيف يظن بها أنها تدخل على النبي ﷺ بثياب رقاق، تكشف عن عورتها؟ كيف يظن هذا الظان في أسماء وهي امرأة جليلة عظيمة تقية نقية؟ كيف تتساهل في هذا؟ إنما هو من وحي الشيطان، ومن أغلاط الرواة الجهلة والكذبة الذين لا يميزون بين الغث والسمين، والمدلس قد يروي عن المجاهيل والكذابين وقد يحسن بهم الظن يحسب أنهم صادقون فيقع الخلل في الرواية، فيميزها أهل العلم، ويعرفها أهل العلم. ويوضحونها، لأن علماء الحديث ميزوا الأحاديث الصحيحة وبينوها، وبينوا الأحاديث الضعيفة حتى لا يشتبه الأمر على الناس رضي الله عنهم ورحمهم.