والحجاب كما سمعتم هو حجاب المرأة عن الرجال غير المحارم، وكانوا في الجاهلية يتساهلون في ذلك، وتكشف المرأة وجهها ويديها وقدميها وتخالط الرجال، هذا هو الغالب في الجاهلية، وأهل البيوتات والأسر العظيمة قد تحتشم عن هذا وتترك هذا، وكان هذا هو الموجود في أول الإسلام على الطريقة الأولى، ثم أنزل الله جل وعلا الحجاب، وأمر النساء بالتحجب؛ لما فيه من صلاحهن وحفظهن وصيانتهن، ليس في هذا كما يقول بعض الظالمين: إنه حبس الحرية، وإنه وإنه، وإنه كبت للنساء، وإنه كذا وظلم للنساء، كل هذا من وحي الشيطان، كل هذا من تضليل الشيطان وتزيينه، ولكنه صيانة لهن، وحماية لهن، وحفظ لهن عن ذئاب الرجال وعما حرم الله ، ولكن أكثر الخلق لا يعقل، ولا يفهم المراد.
وسمعتم الآيات المنزلة في الحجاب في قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] بين الله الحكمة والعلة في هذا، العلة في الحجاب بينها سبحانه في قوله: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، يعني أطهر من الميل في الفساد والوقوع في الفساد والفواحش، فمع الحجاب تبتعد هذه المصيبة فلا يراها، ولا يتمتع بمحاسنها، فلذلك يكون أبعد عن وقوع الفاحشة، وأسلم لها وله من ذلك ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].
وفي الآية الأخرى يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب : 59] إذا عرفن بالصيانة والحجاب لم يؤذهن السفهاء، وإذا رآهن السفهاء متبرجات مظهرة للمحاسن طمع فيهن السفاء، وسعوا بكل ممكن لاصطيادها بكل وسيلة، لما رأوا من تكشفها وتبرجها وإظهارها محاسنها، فإنهم بهذا يعتبرونها صيدًا لهم، وأنها سوف توافق على ما يريدون، وإن لم توافق جبروها وظلموها وساقوها إلى ....... والضرب والسلاح وغير ذلك، المقصود أن الله جل وعلا بين العلل والحكم في ذلك، قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ[النور:30]، فبين سبحانه أن حفظ الفرج وغض البصر أزكى للمؤمنين، وأسلم لإيمانهم، وأكمل لإيمانهم.
والنظر سهم من سهام إبليس متى أطلق النظر جره ذلك إلى الفساد، وهكذا المؤمنة وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]، قال ابن مسعود رضي الله عنها مَا ظَهَرَ: يعني الملابس، وجاء عن ابن عباس أنه الوجه والكفان، قال جمع من أهل العلم: مراد ابن عباس يعني قبل الحجاب، هذا الذي يظهر، كان قبل الحجاب ثم نسخ هذا بالحجاب، وجاء أيضًا من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال في هذا: إنها تظهر عينًا واحدة لترى الطريق، وتستر ما وراء ذلك.
وبكل حال فقد اختلف الناس في هذا، اختلف العلماء في هذا، فقال بعضهم: إن مَا ظَهَرَ مِنْهَا هو الوجه والكفان، وأنه لا بأس أن تكشف وجهها وكفيها في الطريق وغيره من دون أن تستعمل زينة في وجهها، لا تستعمل الكحل ولا أشياء مما يجمل الوجه، بل يكون وجهها على الطريقة العادية التي خلقها الله عليها، حتى لا تفتن ولا تفتن، فإذا كان فيها كحل أو تجمل بشيء آخر مما يوضع في الشفاه أو على الخدود من التجمل منع من ذلك حتى عند القائلين بجواز السفور، إذا كان في الوجه ما يجمل أو يدعو إلى فتنة وجب التستر والحجاب، وبكل حال فالقول بهذا القول قول ضعيف مرجوح، والصواب أن عليها الحجاب مطلقًا، ولو كان وجهها عاديًا ليس فيه شيء، فإن الجمال الخلقي له شأنه العظيم، فإذا أضيف إليه شيء آخر من المجملات صار الشر أكبر، ولهذا أمر الله جل وعلا بالحجاب، ونهى عن إبداء الزينة، إلا لمن عدهم سبحانه، وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ إلى آخر الآية [النور:31]، بين سبحانه من تبدى له الزينة من محارمها، فإبداء الزينة والوجه من الرأس من الحلق من غير ذلك فتنة عظيمة لها وللرجال، وليس خاصًا بالوجه بل الرأس والعنق واليد والساق والقدم كلها فتنة.