الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه المحاضرة العظيمة المفيدة التي تفضل بها صاحب الفضيلة: الشيخ محمد بن حسن الدريعي في موضوع الحجاب، ولقد أجاد وأفاد وأحسن فيما فعل وأوضح لإخوانه ما يجب الحذر منه، كما أوضح مضار التكشف والتبرج وإلغاء الحجاب، ومصالح وفوائد استعمال الحجاب والأخذ بالحجاب.
ولا شك أن ما ذكره فضيلته في موضوع الحجاب ومصالحه العظيمة ومضار كشفه وإلغائه كله في محله، وقد أصاب في ذلك، فجزاه الله خيرًا، وزادنا وإياكم وإياه علمًا وهدى توفيقًا.
ولا ريب أن الواقع خطير جدًا، ومنذر ....... عذاب، ومنذر أيضًا بأخطار متعددة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله يقول سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الأنفال:53]، ويقول سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]، فظهور المنكرات من التخلف عن الصلوات، وظهور المسكرات وغير هذا من المعاصي كل هذا ينذر بعذاب وبخطر كبير، قال الله جل وعلا في كتابه المبين لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79]، فلعنوا بأسباب عملهم السيئ؛ لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون، وذلك تفسير لقوله جل وعلا: ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [المائدة:78]، فسر عصيانهم واعتداءهم بأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، وصح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه.
فالموضوع جدير بالعناية، وإهماله خطير، والواجب على الدولة وعلى الهيئة وعلى المسلمين جميعًا ولاسيما أعيانهم وعلماؤهم التكاتف والتعاون التام الكامل في إقامة أمر الله في أرض الله، وفي النهي عن المنكرات، والعلاج بما وقع منها حتى يزول، ومن أضر ذلك كثرة....... وجوده بين المسلمين ووجود العصاة المعلنين واختلاط الناس بهم، ثم هذا من أسباب الفساد والشر وظهور المنكرات.
وهكذا السفر إلى بلاد المشركين، وعدم المبالاة بذلك من الرجال والنساء، فإنه يكسب المسافر كثيرًا من أخلاقهم وعاداتهم السيئة، ثم يأتي وينقلها إلى إخوانه في بلاده وإلى أهله في بلاده وإلى جلسائه وأصحابه، فيعم الشر وينتشر البلاء، والناس مأمورون بأن يتكاتفوا ضد الشر، ويتعاونوا على البر والتقوى، هذا هو الواجب على أهل الإيمان، كما قال سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2]، قال : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، وقال : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، ذكر أن هؤلاء هم أهل الفلاح، الدعاة إلى الخير الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر هم أهل الفلاح، يعني هم أهل الفلاح الكامل لقيامهم بهذا الواجب العظيم، قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
فمن أحب أن يكون من خيري الأمة فليتخلق بهذه الأخلاق العظيمة، وهي الإيمان بالله، الإيمان الصحيح الذي يشتمل على فعل الواجبات، وترك المحارم، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أهله، وطريقه، ومسجده، وغير ذلك.