والخلاصة أن جميع ما يحدثه الناس من قربات يزعمون أنها مناسبات، إما مولد، وإما كذا، وإما كذا، وإما قصة وقعت، أو فتح وقع، أو انتصار على أعداء الله، أو ما أشبه ذلك، فكل هذا يسمى بدعة، وقد وقع في عهد النبي ﷺ يوم بدر يوم عظيم أعز الله فيه الإسلام وأذل فيه الكافرين، ولم يحتفل به النبي ﷺ، ولا أصحابه، وهكذا يوم الهجرة لم يحتفلوا به، وهكذا يوم الفتح فتح مكة وهو فتح عظيم أعز الله فيه الإسلام وأذل فيه الكفر ولم يحتفلوا به، وهكذا وقع في عهد الصحابة فتوحات عظيمة في عهد الصديق وعهد عمر وعهد عثمان وعهد علي ومن بعدهم، وقعت فتوحات وأيام عظيمة أعز الله فيها أهل الإسلام على ضده، ولم يضع المسلمون في ذلك أعيادًا، ولا احتفالات لعلمهم أن هذا مما أنكره الإسلام، ولو أن الناس جعلوا لكل حادثة يعظم فيها الإسلام عيدًا لكانت أيامهم ولياليهم كلها أعياد، ولعطلوا أمورهم وأعمالهم، فإن الأيام التي وقع فيها النصر على الأعداء ووقع فيها الخير الكثير، أيام لا تعد كثيرة في عهد النبي وبعده فلو جعلت هذه أيام احتفالات وأيام أعياد لكن الدهر كله أعياد، وكانت الأيام والليالي كلها أعياد، وتعطلت المصالح وضاعت النفقات، فمن رحمة الله أن أنكر ذلك، ولم يشرعه لعباده ، ويكفينا ما شرعه الله لنا، وقد ذم الله قومًا ابتدعوا في الدين فقال: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، وقال لنبيه ﷺ: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18]، فأمره الله أن يتبع شريعته، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، فعلم أن العبادة بالشرع لا بما أحدثه الناس وبالشرع الكفاية، ومن العجائب أنك تجد كثيرًا من الناس ينشطون في البدع والخرافات، ويكون لهم بها جولان وصولان، وإذا جاء الأمر المشروع تقاعسوا وتخاذلوا وتركوه، فتجدهم في الجمع والأعياد متقاعسين متكاسلين، وإذا جاءت البدع سارعوا وأنفقوا الأموال طاعة للشيطان، وتعظيمًا لما حرمه الله ومسارعة لما يغضب الله جهلًا وضلاًلا وتقليدًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نسأل الله بأسمائه الحسنى أن يرزقنا وإياكم الاستقامة، وأن يعيذنا وإياكم من أسباب الخزي والندامة.