وقد سمعنا جميعًا هذه المحاضرة القيمة المباركة من صاحب الفضيلة: الشيخ عبدالرحمن بن الحماد آل عمر في موضوع التشاؤم بصفر أو بغيره من الأيام والليالي والأماكن ونحو ذلك، وقد أجاد وأفاد، جزاه الله خيرًا، وضاعف مثوبته، وزادنا وإياكم وإياه علمًا وهدى وتوفيقًا، قد أجاد وأفاد وبين ما يجب في هذه المسألة وأشباهها، وشرح قول النبي ﷺ: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وبين الجمع بين هذا الحديث، وبين حديث: فر من المجذوم فرارك من الأسد، والحديث الثاني: لا يورد ممرض على مصح، وأوضح للمستمعين ما هو الصواب والحق في هذا الباب، وأجاب عن الأسئلة المتعلقة بذلك أجوبة سديدة مباركة، فالحمد لله، ونسأل الله لنا ولكم وله التوفيق والهداية، ونسأل الله أن ينفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، والفقه في الدين، والثبات عليه.
فإن العلم له شأن عظيم، والله جل وعلا خلق الخلق ليعبدوه، وليتبعوا رسله عليهم الصلاة والسلام، ولا طريق إلى ذلك إلا بالله، ثم بالعلم النافع، بالفقه في الدين، الإنسان ما يولد متعلمًا يولد جاهلًا كما قال سبحانه: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78] الله أعطانا الأسماع والأبصار والأفئدة وهي القلوب؛ لأجل أن نعقل ونفهم ونتعلم ماذا يجب علينا، ماذا يحرم علينا، ماذا يستحب لنا، ماذا يكره لنا، ماذا يباح، حتى نعلم ما أراد الله منا وما شرع لنا فنعمل، وحتى نعرف ما حرم الله علينا فنجتنب ونحذر.
هذا الوجود له علة له حكمة، فلا ينبغي للعاقل أن يكون مثل بهيمة الأنعام، لا يعي شيئًا إلا ما يأكل ويشرب وينكح لا، الله ذم من كان هذا حاله قال : أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44]، هذا أضل من الأنعام الذي ما له هم إلا يأكل ويشرب وينكح، وليس له طلب للمعالي، ولا إرادة لمعرفة ما أراد الله منه، وما أوجب عليه، وما يسعده في الآخرة، هذا شر من الأنعام وأجهل من الأنعام، نسأل الله العافية.
وقال : وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ [الأعراف:179] يعني: خلقنا، لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ مثل البقر والغنم والإبل بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179]، هذه حال الغافلين، نسأل الله العافية، لا يهتم بأن يسمع الفائدة والمواعظ، لا ينظر فيما ينفعه ويدرس ما ينفعه ويستفيد من آيات الله المشاهدة، ولا يقرأ القرآن حتى يستفيد، ولا يعطي المقام حقه من التعقل بقلبه والنظر، لماذا وجد هذا الأمر؟ لم هذه المخلوقات؟ لماذا أنزلت الكتب؟ لماذا جاءت الرسل؟ يتأمل وينظر ويسأل ويتفقه يقول سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
هذه العبادة لا بد أن تعلمها، أنت لم تخلق عالمًا، لا بد أن تتعلم حتى تعرف هذه العبادة التي خلقت لها، ومنها أن تعرف ما يجوز وما لا يجوز، وتعرف أن التشاؤم منكر، والطيرة منكرة، وأن الزنا محرم، وأن السرقة محرمة، وأن الغش محرم، وأن الربا محرم، وأن كذا وكذا مباح، وكذا وكذا واجب، إلى غير ذلك، تعرف التفاصيل بما شرع الله وبما أوحاه إلى نبيه عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك أن تحضر حلقات العلم؛ لأن حلقات العلم من الطرق الموصولة إلى العلم، ولو بعدت ولو سافرت إليها مسافات وأميالًا وأياما لطلب العلم يقول النبي ﷺ: من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، فإذا ذهب إلى الرياض إلى مكة إلى المدينة إلى كذا إلى كذا من أجل العلم من أجل التفقه في الدين فقد سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا يكون موعودًا بأن هذا العمل من أسباب دخول الجنة، كذلك كون الإنسان يسعى في المدرسة في المعهد في الكلية بنية صالحة ليتعلم ليتفقه في الدين هذا قد سلك طريقًا إلى الجنة.
يقول النبي ﷺ: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ما معنى هذا الكلام؟ معناه أن المعرض الغافل ما أراد الله به خيرًا هذا المعنى، المعرض الغافل الذي ما يتفقه في الدين معناه أن الله ما أراد به خيرًا، ولو أراد به خيرًا لتفقه، ولأقبل على العلم، واستمع للعلم، وسأل أهل العلم، ودرس القرآن وتدبر القرآن، فالقرآن فيه كل خير، وهو أصل الخير، وهو كتاب الله فيه الهدى والنور إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44].
فالقرآن فيه الدلالة على أسباب السعادة، فيه الدلالة على ما هو محبوب لله، وما هو مبغوض لله ، فيه الدلالة على الأعمال التي توصل إلى الجنة، والأعمال التي توصل إلى النار، في القرآن الدلالة على صفات الأخيار وأعمالهم من أهل الإيمان، والدلالة على صفات أهل النار من الأشرار والكفار والمنافقين، لكن عن من يقرأ ويتدبر، كثير من الناس يقرأ ولكن ما عنده همة أنه يتدبر ويعقل يقرأ قراءة مجردة لا يعي ما يقرأ، يقول سبحانه: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] هكذا أنزل للتدبر والتعقل والعمل، وقال سبحانه: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]، فأنت يا أخي مأمور بالتدبر والتعقل، والقرآن أنزل للتدبر والتعقل والعمل، لا لمجرد أن تتلوه فقط تقرأ فقط وأنت غافل صاد بقلبك معرض بقلبك لا، يجب عليك أن تدبر وتتعقل حتى تفهم مراد الله منك، ماذا أراد الله منك؟ ماذا أمرك به؟ ماذا دعاك إليه؟ ما هي صفة الأخيار والأبرار وأهل الجنة؟ ما هي صفات الأشرار والكفار والمنافقين؟ حتى تحذرها، من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين.