وسمعتم شروطها جمعت في بيت:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع | محبة وانقياد والقبول لها |
وزيد ثامنها الكفران منك بما | سوى الإله من الأشياء قد أله |
فهي عند التحقيق ترجع إلى ثمانية: العلم بهذه الكلمة، فيجب أن يعلم معناها، وأنها تنفي الإلهية عن غير الله، وتثبت العبادة لله وحده، لا يقولها ولا يعلم يعرف معنى لا إله إلا الله ليس هناك إله حق إلا الله، وأن الواجب اعتقاد ذلك، وأن تعبد الله وحده دون كل ما سواه، وأن يكون هذا عن يقين، ما فيه شك ولا ريب ولا حيرة، ما فيه تردد هل الله حق واحد أو هناك غيره، يجزم يقينا أنه لا إله حق إلا الله ، ومن تردد في هذا وقال: يمكن أن يكون هناك إله حق آخر صار كافرًا ما حقق معنى لا إله إلا الله، وهكذا من جهل المعنى ولم يعرف، وهكذا من لم يصدق، والصدق هنا ما هو معناه أنه لا يقع منه سيئة لا، معنى الصدق هنا: أن يصدق في قولها، وأنه لا إله حق إلا الله، هذا معنى الصدق هنا، فإن لم يصدق بأن قالها بلسانه وقلبه يعتقد أن هناك إله آخر قلبي وثني كالمنافقين يقولون: لا إله إلا الله وهم في الباطن مع الكفار يعتقدون أن هناك آلهة أخرى يعبدون مع الله إلهًا آخر هذا كافر لا تنفعه هذه الكلمة، إذا قالها باللسان وهو غير صادق يعتقد في الباطن أن مع الله إلهًا آخر يعبد القبور يعبد الأشجار يعبد الأصنام فالمنافقين يقولونها وهم في الباطن يكفرون بها ويوافقون اليهود والنصارى وغيرهم فهؤلاء كما قال الله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]؛ لأنهم لم يصدقوا كما قال : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8] هم المنافقون.
والصدق معناه في هذا الموضع معناه الصدق في قولها، وأنه يقول: لا إله إلا الله ويصدق بأنه لا إله إلا الله، يعني لا معبود حق إلا الله، أما كونه يقولها ويقع في بعض المعاصي فهذا نقص في التوحيد نقص في الإيمان، لكن لا يبطل لا إله إلا الله، فما يقع منه من معصية يعق والديه قد يشرب الخمر قد يزني قد يسرق ولكنه لا يستحل ذلك بل يتابع هواه في هذه المعاصي فهذا لا يبطل هذه الكلمة، ولا يكون السارق والزاني كافرًا قد أبطل لا إله إلا الله لا، يكون عاصيًا ضعيف الإيمان ناقص التوحيد، لكن ما يكون كافرًا، الكافر الذي يقولها ولا يصدق، يقول: لا إله إلا الله وهو في الباطن يقول: لا، مع الله إلهًا آخر، مع الله صنم وثن كوكب يعبد مع الله قبر يعبد مع الله وأشباه ذلك فهذا ليس بصادق يكون كافرًا، نسأل الله العافية.
وكذلك المحبة يحب ما دلت عليه من التوحيد، ويكره الكفر ويبغضه، هذا المؤمن، فإذا كان يكره التوحيد ويحب الكفر ما صار مسلمًا ولو قال: لا إله إلا الله كما قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256]، لا بد من كفره بالطاغوت، وإنكاره إياه، وبراءته من عبادة غير الله، وبغضه للشرك، ومحبته للتوحيد والإيمان.
وهكذا الإخلاص وهو الشرط الخامس، لا بد يقولها مخلصًا، فإن قالها وهو يشرك يقول باللسان ويشرك بالأعمال بطلت، فإذا قال: لا إله إلا الله وهو يعبد غير الله ما أخلص لله في العمل، بل يدعو الأصنام ويستغيث بالكواكب، ويستغيث بأصحاب القبور، يستغيث بالجن، يستغيث بالملائكة، يدعوهم مع الله صار كافرًا؛ لأنه قال باللسان ما لم يطبق عليه قلبه وجنانه وعمله، فلا تنفعه هذه الكلمة؛ لأنه أبطلها بأعماله كالمنافقين، سواء قالوها باللسان وضيعوها بالقلب والأركان، وكعباد القبور اليوم يقولون: لا إله إلا الله وهو يعبد البدوي، ويعبد عبد القادر، ويعبد الحسين، ويعبد فلانًا وفلانًا، يستغيث بهم، وينذر لهم، يسألهم المدد، يمر على قبره ويقول: المدد المدد يا سيدي فلان، المدد اشف مريضي، رد غائبي، أعطني الولد، وينذرون لهم النذور إذا ردوا عليهم أولادهم وشفوا مرضاهم، هؤلاء ما عبدوا الله هؤلاء عبدوا معه غيره، ولا صدقوا في قول لا إله إلا الله.
وهكذا السادس الانقياد: الذي يقول: لا إله إلا الله ينقاد لمعناها، يقولها وينقاد بحيث يعبد الله وحده، ويؤدي ما أوجب الله عليه، ويدع ما حرم الله عليه، لا بد من انقياد، والانقياد انقيادان: انقياد بالتوحيد، وهو أن ينقاد لها بالتوحيد والإخلاص وترك الشرك، وانقياد آخر بفعل الطاعات الواجبة وترك المعاصي، فالأول يبطلها إذا ترك الانقياد الأول بأن لم يوحد الله ولم يدع الشرك صار كافرًا، فإن وحد الله وطمس الشرك ولكن فعل بعض المعاصي صار ناقص الإيمان ناقص التوحيد.
وهكذا القبول الشرط السابع: قبولها وعدم ردها، كونه يقبلها بأن يقبلها بأن يرتضيها دينًا ويرتضيها أساسًا لدينه، فهذا المسلم، فإن صدها ولم يرتضها وزعم أن هناك أساسًا آخر غيرها كالربوبية فقط الإيمان بالربوبية وأنه يكفي أنه رب العالمين وأنه الخلاق يكفي هذا الاعتقاد ولا حاجة إلى لا إله إلا الله هذا كفر أكبر.
والثامن كذلك الكفران بما يعبد من دون الله: يعني يكفر بعبادة غير الله، ويتبرأ من عبادة غير الله، ويبغضها، لا بد من هذا، فلا بد من موالاة التوحيد ومحبة التوحيد قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا [البقرة:256]، فلا بد يكفر بالطاغوت، لا بد من إنكار عبادة غير الله والبراءة منها، وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل، فجعل شرط تحريم الدم والمال أمرين: أحدهما: أن يقول: لا إله إلا الله، وأن يوحد الله بالعبادة، والأمر الثاني: أن يكفر بما يعبد من دون الله، يعني يتبرأ من عبادة غير الله، ويعتقد بطلان عبادة غير الله، يقول: لا إله إلا الله ويعبد الله وحده، ويعتقد أن عبادة الأصنام والأوثان باطلة، وأن عبادة الجن والملائكة باطلة، وأنه لا يعبد بحق إلا الله وحده ، فلا بد من هذه العقيدة، فإذا توافرت الشروط صح قوله لها وصح إسلامه، فإذا وقع منه بعد هذا معاصي صار هذا نقصًا في توحيده، ونقصًا في إيمانه، وصار معرضًا للنار، ومعرضًا لغضب الله، وصار تحت مشيئة الله، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].