وقد بينوا لكم أمثلة من الوسائل التي وقع فيها الكثير من الناس، وأولها ما وقع في قوم نوح، هذا أول بلاء كان الناس قبل نوح على الإسلام من عهد آدم عليه الصلاة والسلام من أبينا آدم إلى عهد نوح كانوا على الإسلام قال ابن عباس : كان بين آدم ونوحًا عشرة قرون كلهم على الإسلام حتى حدث الشرك في قوم نوح، وأسبابه الغلو في الصالحين كما قال: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء:171]، وقال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين، فالغلو هو سبب الشرك، وقال النبي ﷺ: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله، لا تطروني: لا تغلوا لا تزيدوا في مدحي الزيادة المنكرة المنهي عنها، لا تقولوا: إنه يعبد من دون الله، إنه يعلم الغيب، إنه إله مع الله، إنه يجوز أن نعبده مع الله، هذا هو الغلو المجاوزة للمحدود التي شرعها الله، هذا هو الغلو.
ومن ذلك ما وقع في قوم نوح، فإنهم لما مات ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر كانوا قومًا صالحين في قوم نوح فلما هلكوا في زمن متقارب جاءهم الشيطان، لما مات أولئك الخمسة شق على قومهم موتهم وحزنوا عليهم حزنًا شديدًا لصلاحهم كانوا صالحين دعاة لله معلمين للخير فلما ماتوا حزن عليهم قومهم، فجاءهم الشيطان وقال لهم: صوروا صورهم، وحطوا في مجالسكم حتى لا تنسوهم، وحتى تعبدوا الله على ضوء عباداتهم وتأسوا بهم، فهذا قاله لهم عدو الله، ومقصوده أن يصيدهم بعد ذلك ومن بعدهم حتى يجعلهم آلهة مع الله، مقصود الخبيث أن يزين لهم الشرك بعد ذلك، فأطاعوه وصوروا صورهم وجعلوها في مجالسهم، ثم لم يزل بهم الشيطان حتى عبدوها من دون الله، واستغاثوا بها، ونذروا لها، وأخرجوها وقت طلب نزول المطر، واستغاثوا بها، وجعلوها آلهة تعبد من دون الله، حتى قال الله عنهم أنهم قالوا: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]، قال: وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا [نوح:24]، يعني هذه الأصنام أضلت كثيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا [نوح:24]، فهم حاموا دونهم، أي لما جاء الجهلة من بعد أولئك الذين صوروها لما طال بهم الأمد وقست قلوبهم وعظم الجهل، أو أبناؤهم وأولادهم بعدهم لما جاءوا بعدهم على جهالة عظموا هذه الصور، وهذه الأصنام، حتى دعوها من دون الله، وجعلوها آلهة تعبد مع الله، ولما دعاهم نوح أبوا وقالوا رادين عليه على نوح عليه الصلاة والسلام: لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ [نوح:23] يعني: لا تتركوها، ثم نصوا على الخمسة: وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]، فلم يستجيبوا لنوح بالقضاء عليهم وإبطالها، ومكث نوح ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى الله، ألف سنة إلا خمسين عامًا يدل على شدة تعلقهم بالشرك، نعوذ بالله، وتعلقهم ببدعتهم وشرهم وخبثهم، وأن الشرك إذا دخل في القلوب صعب إخراجه إلا بعد تعب وجهاد، فهؤلاء مكث فيهم نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام ألف سنة إلا خمسين عامًا، تسعمائة وخمسين سنة وهو يدعوهم إلى الله فما زادهم إلا نفورًا وضلال، نعوذ بالله.
فلما أصروا على ذلك غضب الله عليهم وأمر نوحًا أن يصنع السفينة، وركبها نوح ومن معه من المؤمنين ومن كل زوجين اثنين، ثم أنبع الله الماء من تحتهم، وأنزل المطر من فوقهم، حتى غرقوا جميعًا، وحتى هلكوا عن آخرهم بسبب شركهم وإصرارهم على الباطل، فقال الله في حقهم: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا [نوح:25]، يعني من أجل خطيئاتهم الشركية أغرقوا فأدخلوا نارًا، وصار...... إلى الغرق، وأرواحهم وأبدانهم بعد هذا تحرق بالنار، نعوذ بالله، جمع الله عليهم العقوبتين: العقوبة بالغرق والهلاك في الدنيا، والعقوبة بالنار يوم القيامة، نسأل الله العافية.
ثم جاء هود بعد ذلك وصالح والأنبياء يدعون إلى توحيد الله عز وجل، ثم ختم الله النبوة بنبينا وإمامنا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام أفضل الرسل، بعثه الله من مكة من أفضل بلد ومن أفضل قبيلة، قريش أفضل القبائل وبنو هاشم أفضلها، ومكة أفضل البلاد، فبعث الله محمدًا من أفضل بلاد، ومن أفضل قبيلة عليه الصلاة والسلام، ويدعو إلى توحيد الله، وينذر من الشرك بالله عز وجل، فآذوه قومه وعادوه حتى أقرب الناس إليه كعمه أبي لهب، ولم يزل صابرًا محتسبًا، وهكذا من أسلم معه كأبي بكر الصديق، ومن أسلم مع الصديق من أوائل الصحابة، ثم جاء بعد الصديق عمر وعثمان وعلي ونحو ذلك، فلم يزالوا صابرين على شر الأعداء ومكائدهم وأذاهم حتى أظهر الله دينه، وحتى أعلى كلمته، وحتى هاجر النبي ﷺ إلى المدينة، وتم نصر الله لنبيه ﷺ على أعداء الله حتى انتهى ذلك؛ لأنه عاد إلى مكة فاتحًا ومنصورًا عليه الصلاة والسلام، بعد الجهاد الطويل والأذى الكثير أمره الله أن يذهب إلى مكة ليفتحها عنوة، وذهب معه المسلمون في عشرة آلاف مقاتل من المدينة حتى فتح الله على يديه مكة عليه الصلاة والسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وكسر الأصنام والأوثان، وقضى على آثار الشرك وعبادة غير الله ، حتى وحد المسلمون ربهم، وحتى اتحدت الجزيرة على توحيد الله والإخلاص لله .
فوسائل الشرك لا بد من القضاء عليها، وإلا وقع الشرك، فإن الوسائل تؤدي إلى الغايات، ومن أقبح الوسائل وأخطرها ما وقع في قوم نوح من الصور صور الصالحين والعظماء ونصبهم في المجالس، هذا من أعظم البلاء، وهكذا من بعدهم كذلك اليهود والنصارى وقع هذا أيضًا، أخبر النبي ﷺ لما أخبرته أم حبيبة وأم سلمة أنهما رأتا في أرض الحبشة كنيسة فيها صور فقال النبي ﷺ: إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله، فأخبر أنهم شرار الخلق بسبب اتخاذهم الوسائل الشركية، فإن البناء على القبور ونصب الصور من أسباب الشرك ومن وسائل الشرك كما وقع لقوم نوح وهكذا وقع، فإن الناس لما بنوا على القبور وعظموها واتخذوا الصور وقع الشرك -نعوذ بالله من ذلك_، والنبي ﷺ قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وقاله في مرض موته قبل أن يموت بقليل عليه الصلاة والسلام يحذر الناس من الشرك ووسائله، يقول في مرضه قبل أن يموت: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ويقول قبل أن يموت بخمس ليال: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك، وقال عليه الصلاة والسلام: لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها، ونهى عن تجصيص القبور نهى أن تجصص القبور وأن يقعد عليها، وأن يبنى عليها، كل هذا من باب سد الذرائع المفضية إلى الشرك، والناس اليوم عاكسوا القضية الغالب في بلدان المسلمين تجدهم يبنون على القبور المساجد على القبور يبنى عليها وتفرش وتطيب، وربما طاف بها الناس في بعض البلدان يطوفون بها كما يطاف بالكعبة -نعوذ بالله-، فهذا البلاء العظيم هذه وسائل الشرك، والرسول صلى الله عليه وسلم حذر منها؛ لأنها وسيلة، فالجهال إذا رأوا مسجدًا مقامًا على قبر ورأوه يعظم ويفرش ويطاف به دعوه من دون الله، واستغاثوا به من دون الله -نعوذ بالله-، ووقع الشرك -نسأل الله العافية- كما هو الواقع، فإن الطواف بالقبور والدعاء للموتى والاستغاثة بهم والذبح لهم كله من الشرك بالله ، فالذي يطوف بالقبور يتقرب إلى الميت بالطواف كما يطاف عند قبر الحسين وغيره في مصر وفي بلدان كثيرة تقع أنواع من الشرك الأكبر، كذلك دعاء الميت يا سيدي فلان المدد المدد الغوث الغوث هذا الشرك الأكبر نعوذ بالله، هذه البنايات على القبور واتخاذ المساجد عليها والقباب من وسائل الشرك ومن ذرائعه، وهكذا الغلو فيه بالمحبة الزائدة، لا تغلوا في دينكم.
فالإطراء للموتى أو الأحياء والغلو فيهم بأن يعتقد فيهم شيء ليس لهم وليس من صفاتهم أو التبرك بهم، كما سمعتم بعض الناس قد يقيس نفسه على النبي ﷺ، فيقول: ما دام النبي صلى الله عليه وسلم تبرك الصحابة بوضوئه وببصاقه وبشعره فهذا الرئيس الذي هو شيخ الطريقة من الصوفية من العالم الفلاني ينبغي أن يفعل به ذلك، وأن يتبرك بوضوئه أو بصاقه أو بشعره كما تبرك الصحابة بالنبي ﷺ، فيقيسونه على النبي ﷺ، وهذا من وسائل الشرك أيضًا ومن ذرائع الشرك، فالرسول ﷺ مستثنى من هذا؛ لأن الله جعل في شعره بركة، وفي ريقه بركة، وفي وضوئه بركة عليه الصلاة والسلام، فهو أعطاهم إياه وسمح لهم بذلك لما جعل الله فيه من البركة لهم والفائدة لهم، وهو يعلمهم التوحيد وينهاهم عن الشرك، ولا يقرهم أن يشركوا بالله ، وإنما هذه أشياء جعل الله فيها بركة لأبدانهم وصحتهم في شعره وريقه وما سقط منه عليه الصلاة والسلام، لا يقاس عليه غيره في ذلك.