أخطار التهاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

أيها الإخوة في الله: لقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي قام بها وتولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ عبدالله القصيِّر، والشيخ سعود البكر، والشيخ عبدالعزيز الراجحي في موضوع عظيم وخطير، وهو موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أفاض المشايخ في ذلك وبينوا عظم هذا الواجب وخطر التساهل به، وأوضحوا أيضًا وسائل النهوض بهذا الواجب، وكيف العمل، فجزاهم الله خيرًا، وضاعف مثوبتاهم، وزادنا وإياكم وإياهم علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا.

إن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوع يهم جميع المسلمين في كل مكان في هذه البلاد في المملكة العربية السعودية وفي غيرها من الدول الإسلامية؛ لأن هذا الموضوع متى استقام عليه المسلمون ومتى تكاتفوا للقيام به والتواصي به كثر الخير وانتشر، وظهر الحق، وانتشرت الفضائل، واندمغ الباطل، وخفيت الرذائل، ومتى تساهل المسلمون بهذا الواجب ولم يعطوه حقه من العناية عظم الخطر، وعمت العقوبات، وانتشرت الرذائل، ورفع الباطل رأسه كما هو الواقع في الكثير من البلاد بسبب الإخلال بهذا الواجب العظيم.

وهناك بحمد الله حركات كثيرة إسلامية في هذه البلاد وفي غيرها في أفريقيا وفي آسيا وفي أوروبا وفي أمريكا وفي كل مكان، هناك حركات تهدف إلى الخير وتريد الحق وتنشد طاعة الله ورسوله، نسأل الله أن يزيدها خيرًا، ونسأل الله أن يقويها ويسهل لها القادة الصالحين، فوجب علينا -أيها المسلمون- أن نعنى بهذا الأمر، وأن نكون في صف الدعاة إلى الحق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في البيت وفي المسجد وفي الطريق والدكان والباخرة والطائرة والقطار وفي كل مكان هكذا المؤمن أينما كان، وقد وصف الله المؤمنين بهذا الأمر العظيم فقال : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، هذا وصف المؤمنين والمؤمنات في جميع البلاد، وإذا أخلوا بهذا الواجب ضعف إيمانهم، وصاروا غير مؤمنين الإيمان الكامل، وإنما يتم إيمانهم ويستحقون وصف الإيمان إذا قاموا بهذا الواجب، سواء كان ذلك في شرق الدنيا أو غربها أو جنوبها أو شمالها في أي مكان، هذا الواجب الذي يجب ويتحتم على المؤمنين والمؤمنات أن يتخلقوا به، ولا يتم لهم وصف الإيمان على الكمال إلا بهذا الخلق العظيم، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن ضعف فيه هذا، ولم يقم بهذا الواجب، ضعف إيمانه، ونقص إيمانه، وصار غير مستحق لهذا الوصف على الإطلاق، بل هو موصوف بالإيمان الناقص والضعيف إن لم يكن معدومًا، وقد سمعتم كثيرًا من الآيات والأحاديث الواردة في هذا الباب التي فيها العظة والذكرى لمن له قلب لمن له رغبة في الخير، فالفلاح والسعادة والنجاة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والهلاك والضياع في ترك ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104]، فجعل الفلاح الكامل لهؤلاء لدعاة الخير للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم المفلحون، هم أهل الفلاح على الكمال قال: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: 110]، فوصفهم بالخيرية إذا قاموا بهذا الواجب: الإيمان بالله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء عربًا أو عجمًا في أي بلاد، أمة محمد عليه الصلاة والسلام ليست خاصة بالعرب، بل أمته من أجاب دعوته من جن وإنس وأسود وأحمر وعرب وعجم وذكر وأنثى، فمن قام بهذا الواجب في أي مكان من الدنيا فهو من خير هذه الأمة، ومن ضيع هذا الواجب أو تساهل به حصل له من النقص والضعف بقدر تساهله في هذا الواجب.

والواجب على جميع المسلمين في أي مكان في مغرب أو مشرق أو جنوب أو شمال الواجب عليهم أن يتكاتفوا في أداء هذا الواجب، وأن يتواصوا في أداء هذا الواجب، ولا يكلوا ذلك إلى طائفة معينة فقط ويعرضوا، بل متى وجدت الطائفة المعينة لهذا الأمر فإن الواجب شد أزرها، والتعاون معها، وحمل الثقل معها، حتى يكثر الخير، ويقل الشر.

وقد سمعتم في الندوة أن من وسائل النجاح أن يبدأ كل واحد بنفسه أينما كان، يحاسب نفسه ويطالبها بأداء الواجب، حتى يتأسى به أهل بيته وجيرانه وصحابته وإخوانه ومجالسوه، إذا بدأ بنفسه وحاسبها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع أولاده وزوجته وجيرانه وإخوانه وصار قدوة صالحة في نفسه في المسارعة إلى الخيرات وبعده عن الشرور وجهاده لهذه النفس صار بهذا قدوة صالحة لغيره، ولكن قد لا يطيعه أهله، وقد لا يطيعه أولاده وجيرانه، فيحتاج إلى تكاتف إخوانه معه، وجهادهم معه، حتى لا يترك في الطريق وحده كثير من الإخوان، وكثير من الناس قد ينشط ويبدأ بنفسه ويجاهدها لكنه يلقى صعوبة مع من حوله في الاستجابة من أولاده وغيرهم، فالواجب ألا يترك في الطريق بل الواجب أن يشد أزره ويساعد من الهيئة المحتسبة والهيئة المعينة وسائر أفراد الناس، وبهذا يحصل التعاون الذي قال الله فيه وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة: 2]، ويحصل التواصي بالحق المذكور في قوله تعالى: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ  [العصر: 1-3].