أما في حال المعاهدة والهدنة فلا مانع من مساعدتهم والإحسان إليهم فيما يحتاجون إليه، كفقيرهم وزمِنهم، ونحو ذلك، وصلة القرابة والرحم، كما قال : لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8].
وكما سمعتم في قصة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما مع أمها في وقت الهدنة حين صالح النبي ﷺ المشركين من أهل مكة وتمت الهدنة بينه وبينهم على وضع الحرب عشر سنين، جاءت في هذه المدة وافدة إلى المدينة تصل بنتها أسماء للمساعدة والرفد، فاستفتت النبي ﷺ في ذلك، فأفتاه النبي ﷺ بأن تصلها وبأن تحسن إليها من المال، ثم هذا الإحسان في وقت الهدنة ووقت المعاهدة قد يكون سبيلًا إلى الهداية، قد يكون سببًا لإسلام المعطى والمحسن إليه ودخوله في دين الله ، ولهذا شرع الله في الزكاة وفي بيت المال نصيبًا للمؤلفة قلوبهم؛ لأن الإنسان قد يُعطى المال وهو مشرك فيهديه الله للإسلام بسبب العطاء.
وقد أعطى النبي ﷺ جماعة يوم حنين أموالًا جزيلة من الإبل من الغنائم حتى هدى الله بسبب ذلك من هدى، وقوى إيمان من قوى، ومنهم صفوان بن أمية، كان قد توقف عن الإسلام فلم يزل النبي ﷺ يعطيه ويحسن إليه حتى دخل عليه الإسلام، وهداه الله لدين الله بسبب ما أسداه إليه النبي ﷺ من المعروف، وكان يقول: ما كان أهل بيت أبغض إلي من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلم يزل يعطيني ويعطيني حتى صار أحب الناس إليّ، وحتى أدخل الله عليه الإسلام.
فالمقصود أن الموالاة والمعاداة والحب والبغض هذا من أوثق عرى الإيمان، بل هو أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله، ولكنه يختلف في حال الحرب والسلم، ففي حال الحرب مع الأعداء لا يجوز أن يساعدوا بشيء بالكلية، لا سلاح ولا مال ولا طعام ولا غير ذلك؛ لأن إعطاؤهم عونا لهم على المسلمين، ومظاهرة لهم، فيكون ذلك كفرًا وردة عن الإسلام، وناقضًا من نواقضه. أما في حال السلم وفي حال المعاهدة وفي حال المصالحة فلا مانع من أن يعطي القريب قريبه، والمسلم يعطي الفقير، وولي الأمير يرى من فيه المصلحة للمسلمين أو يتبادل معهم الهدايا، أو غير ذلك مما يرى فيه المصلحة، كل هذا لا بأس به في حدود الشريعة المحمدية.