وهذا المقام مقام يحتاج إلى جهود عظيمة مشتركة، من الدولة -وفقها الله-، والهيئة، أصحاب الحسبة -أعانهم الله ووفقهم-، ومن أصحاب البيوت من أب وأخ وأم وأخت عاقلة، وغير ذلك، ومن الدعاة إلى الله، والمرشدين إليه من المؤمنين، ومن طلبة العلم، ومن أهل العلم، ومن كل ذي غيرة، فالتكاتف بالخير هو طريق النجاح، ولهذا يقول سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2]، ويقول جل وعلا: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، فالتواصي بالحق هو واجب المؤمنين، وهو التناصح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإرشاد الضال وتنبيه الجاهل إلى غير ذلك، فالطريق له شأنه يقول ﷺ: إياكم والجلوس على الطرقات، قالوا: يا رسول الله! ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها؟ قال: فأما إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه قالوا: وما حقه؟ يا رسول الله! قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متفق على صحته.
فغض البصر من حق الطريق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حق الطريق، فهذه الأسواق التي فيها الاختلاط على أهلها حقوق من غض البصر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فصاحب الدكان اللي يبيع على الرجال والنساء عليه واجبه من إنكار المنكر وغض البصر، وهكذا الماشي في الطريق عليه واجبه، والواقف في الطريق عليه واجبه، والمار في الطريق عليه واجبه من الرجال والنساء ليس خاصًا بالرجال، الواجب على الجميع المرأة العاقلة تنكر على أختها في الله، وترشدها إلى الصواب في الطريق، وفي الدكان، وفي المنزل، وفي كل مكان. والرجل كذلك ينكر على أخته في الله، بل وعلى غير أخته في الله لو كانت غير مسلمة في الطرقات ينكر عليها أن تبرز شرها وفتنها بين الناس، قد بلينا بكثير من الكفرة من نصارى وغيرهم من نصارى وبوذيات ووثنيات أخريات فإنكار ما يفعلن من الشر أمر واجب؛ لأنهم يجررن غيرهن، متى تساهل مع الكافرات جرت غيرها، وليس لهن إظهار شرهن في أسواق المسلمين، والله يقول: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، فالأمر مشترك ليس خاصًا بالرجال ولا خاصًا بالنساء، فالواجب على الجميع، المرأة عليها واجبها في إنكار المنكر، والرجل عليه واجبه في إنكار المنكر، في إنكار التبرج والسفور، وفي إنكار التهاون بالصلاة، في إنكار السب والشتم والبذاءة في الأقوال، في إنكار إسبال الملابس على الرجال، في إنكار كل ما حرم الله جل وعلا، فالمرأة تنكر، والرجل ينكر، وكلهم مأمورون بذلك.