وهذه التقوى لها أسباب، ولها وسائل، فمن ذلك: سؤال الله ، والضراعة إليه أن يهدي الإنسان، وأن يعينه على نفسه، وأن يعيذه من شر شيطانه، ومن جلساء السوء، ومن دعاة الباطل، يضرع إلى الله كثيرًا، يضرع إليه ويسأله أن يعينه على نفسه وشيطانه وعلى دعاة الباطل وأن يمنحه الفقه في الدين وأن يرزقه التقوى.
ومن وسائل ذلك أن يتعلم ويتفقه في الدين، ويسأل عما أوجب الله عليه وعما حرم الله عليه، حتى يؤدي الواجب، وحتى يدع المحرم.
ومن وسائل ذلك صحبة الأخيار والبعد عن الأشرار، فإن صحبة الأخيار تعينك على طاعة ربك وعلى اتقاء أسباب سخطه، وصحبة الأشرار بضد ذلك تجرك إلى باطلهم وأعمالهم الخبيثة.
فعلى المكلف أن يعنى بهذا الأمر أينما كان، ويتذكر أنه عبد مأمور مخلوق لعبادة الله مخلوق ليطيع الله ويجتنب مساخطه، فليفعل الأسباب وليأخذ بالأسباب.
ومن أسبابها حضور حلقات العلم أينما كانت ليتعلم ويستفيد ويتأسى بأهل الخير، ولعل قلبه يتحرك، ويتذكر، فينيب إلى الله ، ويقبل ما أمر به، وينتهي عما نهى عنه، ولهذا سمعتم الله يقول: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، فمن التقوى طلب العلم، والتفقه في الدين، وحضور حلقات العلم ولو كانت بالسفر أو بالسير المتعب إلى مكان العلم، وقد سافر الصحابة وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء، سافر بعضهم السفر الطويل في طلب الحديث الواحد والمسألة الواحدة، فلا يستغرب ولا يستنكر أن يجيء الإنسان من مكان بعيد إلى حلقة علم ليستفيد أو يسافر ويشد الرحل إلى بلد آخر ليستفيد ويتعلم، يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة، يعني سهل الله بهذا الرحيل وبهذا السير سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، فطلب العلم والتفقه في الدين من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار؛ لأن العلم والتفقه في الدين سبب لأداء ما أوجب الله وترك ما حرم الله، فينتهي بصاحبه إلى الجنة والكرامة.
ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر المتفق على صحته: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، فهذا معناه أن من تفقه في الدين وتبصر وتعلم فإن ذلك من العلامات الدالة على أن الله أراد به خيرًا، ومن أعرض عن ذلك وغفل عن ذلك فذلك من العلامات على أن الله سبحانه ما أراد به خيرًا، تجد كثيرًا من الناس يسعى كثيرًا لحمل الشهادات المتعبة يرجى بها وظيفة ليتوظف وليكسب شيئًا من الدنيا ولا يعنى بدينه ولا بالتفقه في دينه، فهو قد يحمل الدكتوراه ومع ذلك لا يعلم شيئًا عن دينه ولا يتفقه في دينه، وإنما اشتغل بشيء آخر؛ لأن له هدفًا آخر، وهذه من المصائب العظيمة، لا مانع أن يتفقه في أمور يحتاجه في دنياه، يكون مهندسًا يكون طبيبًا لكن لا يشغله ذلك عن التفقه في دينه والتبصر في دينه والتعلم وعن أداء الواجب وترك المحرم، بل يجمع بين هذا وهذا، فليكن طبيبًا فليكن مهندسًا وليكن كذا وليكن كذا ولكن لا يشغله ذلك عن التفقه في دينه، فليتبصر في دينه، يعنى بكتاب الله القرآن، ويتفقه فيه، أن يعنى بما سمع من السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويتفقه في ذلك، أن يسأل أهل العلم وأهل الاختصاص عما يشكل عليه حتى يكون فقيهًا في دينه، فيجمع بين ذا وذا، يجمع بين علمه الذي أراد وتوجه إليه، ويجمع بين تفقهه في دينه والتبصر في دينه حتى يعرف ما عليه وما له في ذلك، وحتى يؤدي الفريضة التي كتبها الله عليه، ويبتعد عما حرم الله عليه.
والمقصود من هذا كله أن الواجب على المكلفين جميعًا من الرجال والنساء من الجن والإنس الواجب على الجميع أن يتفقهوا في الدين، وأن يقبلوا ما جاء به نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام عن علم وهدى، وأن يستقيموا عليه أينما كانوا في الشدة والرخاء في الغيب والشهادة في جميع الأحوال، وأن يلزموه تاركين ما حرم الله، مؤدين ما فرض الله، شاكرين لله، يسألونه، ويضرعون إليه، ويسألونه من فضله ، ويحمدونه، ويشكرونه، وهم مع ذلك قائمون أيضًا بالأشياء الأخرى التي توجهوا إليها وطلبوها لأسباب أخرى، هذا غاية ...... وقت لهذا ووقت لهذا، المؤمن يقسم أوقاته فيما ينفعه في الدنيا والآخرة، ولا يجعل وقتا كله للدنيا فقط، بل للدنيا وقت، وللآخرة وقت، لدينه وما أوجب الله عليه وقت، ولدنياه وقت.
نسأل الله أن يوفق الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه.