بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه المحاضرة القيمة حول كتاب الله ، وبيان أنه المنهج العظيم في هذه الحياة وحصول السعادة فيها، وحصول السعادة أيضًا في الدار الأخرى، فالقرآن الكريم كما سمعتم هو أصل كل خير، وهو أصل الحياة الطيبة، وأصل السعادة فيها، وهو الأصل -أيضًا- في السعادة الأبدية يوم القيامة.
وقد أوضح صاحب الفضيلة الدكتور عبدالله بن عبدالله الزائد في هذه المحاضرة وجه كون القرآن الكريم منهج حياة وسعادة في هذه الدار وفي الدار الأخرى، وبين عظم شأن هذا الكتاب، وأنه كلامه سبحانه، كلام الله تكلم به سبحانه، وسمعه منه رسوله الملكي الكريم جبرائيل عليه الصلاة والسلام، ونقله إلى خاتم الرسل وأفضلهم وإمامهم خاتم الرسل محمد عليه الصلاة والسلام، كما قال : نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193-195].
فالروح الأمين هو جبرائيل عليه الصلاة والسلام عَلَى قَلْبِكَ أي: على قلب محمد عليه الصلاة والسلام فهو قرآن كريم، وهو كتاب الله، وهو كلام الله ، تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر:1]، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [فصلت:2]، فهو كلام ربنا منه بدأ وإليه يعود في آخر الزمان، ينزع من الصحف والصدور في آخر الزمان، فلا يبقى في الصدور منه شيء، ولا في الصحف منه شيء؛ عندما يعطل العمل.
فيه الهدى والنور، فيه الدلالة على كل خير والتحذير من كل شر، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:89]، كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، وهو المعجزة العظيمة المستمرة إلى يوم القيامة للدلالة على صدق رسول الله ﷺ وأنه رسول الله حقًا، جاء بالهدى والنور لهذه الأمة؛ ليخرجها من الظلمات إلى النور بهذا الكتاب العظيم وبالسنة المطهرة، ويرشدها إلى أسباب النجاة، وأسباب السعادة في العاجل والآجل، ولينقلها من الشرك والكفر وأنواع الضلال والعادات الجاهلية والأخلاق الذميمة إلى نور التوحيد والإيمان، إلى الهدى والحق، إلى الأعمال الصالحة والأخلاق الكريمة والصفات الحميدة، وقد فعل سبحانه وتعالى فأخرج الله به أهل الإيمان من الظلمات إلى النور من الشرك والكفر والمعاصي إلى نور التوحيد والإيمان والهداية والطاعة، فكان أصحاب النبي ﷺ الذين من الله عليهم بالهدى هم الأئمة هم القادة بعد رسول الله ﷺ، تلقوا كتاب الله عن نبيهم، وتلقوا أحكام ذلك عن نبيهم، وتلقوا أحكام السنة عن نبيهم؛ فصاروا أئمة وقادة للأمة في كل خير وفي كل سعادة وفي كل صلاح وإصلاح.
فحقًا إن هذا القرآن هو المنهج العظيم، وهو منهج السعادة، ومنهج الحياة الطيبة في هذه الدار، وهو أيضًا المنهج الذي يوصل من استقام عليه وثبت عليه إلى الحياة الأبدية السعيدة في الدار الآخرة.
وهو فيما ذكر العلماء عند التقسيم هو الأصل الأول في أحكام الدين، والسنة هي الأصل الثاني، وإجماع أهل العلم هو الأصل الثالث في تلقي الأحكام، وبيان الحلال والحرام، وإرشاد الناس إلى ما خلقوا له؛ لأن القرآن له أحكام تخصه؛ لأنه المعجزة المستمرة إلى يوم القيامة، ولأنه كلام الرب لفظًا ومعنى، ولأن له أحكامًا أخرى من جهة ألا يمسه إلا أهل الطهارة، وألا يقرأه الجنب، إلى غير هذا من أحكام تخصه، فلأجل هذا أوضحوا أنه الأصل الأول، ثم الأصل الثاني السنة؛ لبيان أحكامها، وما يتعلق بها في كيفية الأخذ بها، وبيان طرق إثباتها والاعتماد عليها، وبيان ما يصح وما لا يصح، إلى غير ذلك مما يتعلق بالسنة.