حقيقة الإيمان باليوم الآخر.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فقد سمعنًا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها صاحبا الفضيلة: الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الشريف، والشيخ عبدالله المطلق، فيما يتعلق بالإيمان باليوم الآخر، ولقد أجادا وأفادا، وبينا ما ينبغي بيانه في شأن هذا اليوم العظيم، وما ينبغي لأهل الإيمان أن يعدوه حوله، وما حصل من التفريط العظيم والفساد الكبير لمن أعرض عن هذا اليوم، وغفل عنه، فجزاهما الله خيرًا، وزادنا وإياهم وإياكم من العلم النافع، والعمل الصالح، ووفق الجميع للإعداد لهذا اليوم الإعداد الذي يرضي الله، ويقرب لديه، وينفع من أهوال ذلك اليوم العظيم.

أيها الإخوة في الله: إن الإيمان باليوم الآخر من أهم أصول الإيمان، ومن أعظم أركان الإيمان، وقد أكثر الله من ذكره في كتابه العظيم لينتبه العقلاء لذلك، ويعدوا العدة لهذا اليوم، قبل أن يقول القائل: يا ليتني قدمت لحياتي، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقبل أن يقول: يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله، يوم القيامة يوم عظيم، وهو اليوم الآخر، سمي يومًا آخر لأنه ليس بعده يوم، إنما هو عذاب مستمر أو نعيم مستمر، ليس هناك ليل ولا نهار بعد ذلك، فالنهار مطرد لأهل الجنة، والظلمة مستمرة لأهل النار، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62]، فذكر الإيمان بالله واليوم الآخر ولم يذكر معهما الكتب والرسل والملائكة والقدر؛ لأن هذين الأمرين يجمعان كل شيء، من آمن بالله آمن بكتبه ورسله وآمن بالملائكة وآمن بالقدر؛ لأن ذلك كله أوضحه الله، فالإيمان به يستلزم ذلك.

ولما كان اليوم الآخر له شأن عظيم خصه بالذكر، وإن كان الإيمان بالله أيضًا يقتضيه كما قال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] الآية، فلم يذكر إلا الإيمان بالله؛ لأن الإيمان بالله الصادق الكامل يدخل فيه الإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالملائكة وبالكتب وبالرسل وبالقدر، وبكل ما أخبر الله به ورسوله، فهو سبحانه تارة يبسط أعمال الإيمان، وتارة يختصر ذلك.

وهكذا رسوله عليه الصلاة والسلام تارة يبسط ذلك كما في سؤال جبرائيل لما قال: يا رسول الله! أخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وقال لآخر لما قال له قل في الإيمان قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك؟ قال: قل آمنت بالله، ثم استقم، فاقتصر على الإيمان بالله؛ لأن البقية داخلة في ذلك، من آمن بالله حقًا آمن بكل ما أخبر الله به ورسوله؛ لأن تصديقه لله وإيمانه بالله واعترافه بما جاءت به الرسل يقتضي ذلك.

ومن هذا قوله جل وعلا: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة:177]، فقدمه على الملائكة والكتب والنبيين، وما ذاك إلا لأن الإيمان باليوم الآخر يحفز أهله على الإعداد لهذا اليوم، ويعينهم إيمانهم به واستحضارهم له على الإعداد له بأداء الواجبات والمسارعة للخيرات والحذر من السيئات، فإن في هذا اليوم تبرز السرائر، وتنشر الأعمال، ويبدو كل شيء.