أما الشبه التي تعلق بها بعض الناس وإن كان بعض من تكلم في ذلك ممن نعرف عنه الخير واستقامة الدين ولكن كل إنسان قد يغلط وقد يتأول شيئًا يظنه مصيبًا وهو مخطئ، ومن تكلم في هذا بإخلاص وصدق وطلب للحق فهو بين أمرين: إما مجتهد مصيب، فله أجران، وإما مجتهد مخطئ فله أجر واحد على اجتهاده، ويفوته أجر الصواب.
وقد سمعتم الشبه وسمعتم الرد عليها، أما حديث أسماء بنت أبي بكر وهو أنها دخلت على النبي ﷺ وكان عليها ثياب رقاق فأعرض عنها النبي ﷺ وقال: يا أسماء وهي أخت عائشة وهي أكبر من عائشة، وهي زوجة الزبير، وهي أم عبد الله بن الزبير الذي ولدته في أول الهجرة، قال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه. هذا لو صح لكان صريحًا، ولكنه غير صحيح، ثم لو صح أمكن أن يحمل على ما كان قبل الحجاب؛ لأنهم قبل الحجاب يكشفون الوجه والكفين، وليس في الحديث ما يدل على أنه بعد الحجاب، ولكنه في نفس الأمر ليس بصحيح للعلل التي سمعتم، فهو من رواية خالد بن دريك عن عائشة، ولم يسمع منها، فهو منقطع، وعند العلماء أن الحديث المنقطع لا يصح ولا يحتج به، ثم فيه علة أخرى وهي أن سعيد بن بشير الذي رواه عن قتادة لا يحتج بحديثه لضعفه، ثم إن قتادة مدلس، وقد عنعن عن خالد، والمدلس إذا عنعن ولم يصرح بالسماع لم تقبل روايته حتى يصرح بالسماع.
وأما حديث سفعاء الخدين، وهي التي قد اسود خداها، السفع سواد الخدين، فهذه إما أن تكون عجوزًا كما قال الله: وَالْقَوَاعِدُ [النور:60]، فلهذا سكت عنها النبي ﷺ، وإما أن يكون هذا قبل الحجاب؛ لأن سنة اثنين وسنة ثلاث وسنة أربع كلها قبل الحجاب، فرمضان فرض عام اثنين، وصلى النبي ﷺ صلاة العيد في السنة الثانية من الهجرة والثالثة والرابعة، وهكذا فهي بين أمرين: إما أن تكون عجوزًا، ويدل على هذا قوله: سفعاء الخدين، لسواد خديها، أو أنها كانت قبل الحجاب هذه القضية، وإذا كانت قبل الحجاب لم يكن فيها حجة، وهكذا حديث أسماء لو صح يمكن أن يكون قبل الحجاب، لكن عرفتم أنه ضعيف ولا يحتج به، والآيات القرآنية صريحة في المعنى، وواضحة في الدلالة.
فلا ينبغي للمسلم ولا ينبغي لطالب العلم أن يتشبث بشيء لا وجه له في أمر يضر المجتمع، ويسبب فسادًا كثيرًا، فإن سفور النساء فيه فساد كبير، ووسيلة إلى الاختلاط، وقلة الحياء، وطمع ذئاب الرجال في النساء، إلى غير هذا من الفساد الكبير.
وقد كتبنا في هذا رسالة توزع بينها فيها بعض ما ذكر هنا، أو أكثر ما ذكر هنا، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رسالة وللابن العلامة محمد بن صالح العثيمين رسالة أيضًا في هذا توزع من دار الإفتاء، كلها توزع من دار الإفتاء، وللشيخ أيضًا أبي الأعلى المودودي رسالة في الحجاب أيضًا، وقد كتب الناس في هذا، المقصود أن هذه المسألة قد درسها العلماء وبينوا ما فيها، ولكن وجود من يشبه ووجود من يرغب في سفور النساء هو الذي حصل به التشبيه على بعض الناس حتى وجد من له هوى أو من له رغبة في الفساد مجالًا يتشبث به ويتعلق به.
والله جل وعلا هو المسؤول أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه، وأن يوفق المسلمين جميعًا لما فيه سعادتهم ونجاتهم، وأن يصلح أحوال المسلمين وأن يرزقهم الفقه في الدين والثبات عليه، وأن يكفي المسلمين شر دعاة الفساد.
وأما الواقع فمثل ما سمعتم الواقع لا حجة فيه، كون البلاد أكثر البلاد فيها سفور النساء هذا لا حجة فيها، فيها سفور عن الشعور، وعن صدورهن، وعن أفخاذهن، وعن سياقهن، أفيكون حجة هذا؟ وفيها ظهور الشرك، ودعوة الأموات، وعبادة القبور من دون الله، وفيها ظهور المنكرات الكثيرة في كل مكان، وفيها عدم تحكيم الشريعة، بل تحكيم القانون، فلا يكون وجود هذه الأشياء حجة لأحد، وجود المنكرات أو الشركيات أو الفساد في الأرض ليس بحجة، وإنما الحجة ما قاله الله ورسوله، فالشرع يحكم على الناس، والواقع لا يحكم الناس إنما يحكم الناس ما شرعه الله لعباده، هذا هو الذي يحكم الواقع، ويحكم على أهل الواقع، وأما وقوع الشرور والبدع والمنكرات في العالم فليس بحجة، كما قال جل وعلا: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.