وقد سمعتم في كلام المشايخ ما فيه الخير والبركة والتوجيه إلى أسباب النجاة والتحذير من أسباب الهلاك، ومن الواجب التواصي بين المسلمين بأسباب النجاة، والتواصي بمحاربة أسباب الهلاك قال جل وعلا: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5]، وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:110]، فلا بد من الحذر، فإذا تساهلت بالأمر وملت إلى الفساد وأهل الفساد فمن يأمن عليك أن تكون معهم؟ وأن تستمر معهم؟ وأن يفسد هذا القلب ويزيغ عن الهدى؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلا بد من الحذر، ولا بد من التواصي بطاعة الله ورسوله، التواصي بتقوى الله، التواصي بما أوجب الله، التواصي بالبعد عما حرم الله التواصي بصحبة الأخيار، التواصي بالبعد عن الأشرار، التواصي بعدم سماع آلات الملاهي والغناء لا من الإذاعة ولا من التلفاز ولا من الأشرطة ولا غير ذلك، تحذر سماع ما يضرك ورؤية ما يضرك وقراءة ما يضرك، لا تقل: هذا خفيف ما يضر، الشر شره عظيم، كم لله من كلمة أفسدت قلبًا حتى خرج عن دين الإسلام، لا تحتقر الباطل، واحذر فإن الباطل خطره عظيم، فكم من كلمة واحدة أردت صاحبها وأوردته المهالك، نسأل الله العافية.
فاحذر الشر قليله وكثيره، واحرص على الخير قليله وكثيره، كن مع الخير وأهل الخير، ولا تغتر بكثرة الهالكين، تقول الناس: فعلوا وفعلوا، لا تغتر بهم، يقول الله : وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، ويقول سبحانه: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، ولما ذكر جماعة من الرسل في سورة الشعراء عليهم الصلاة والسلام قال بعد كل قصة: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء:8].
فالمؤمن لا يغتر بالهالكين وكثرتهم، ولكن يسأل عن الناجين وعن أسباب النجاة، ليس العجب ممن هلك كيف هلك، كما قال السلف: ليس العجب ممن هلك كيف هلك، أسباب الهلاك كثيرة، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا، كيف سلم مع كثرة أسباب الشر والهلاك؟
ثم أيضًا لا تغتر أيضًا بمن عاش في الدنيا مع معاصيه وكفره، عاش في نعيم، وعاش في دنيا، وعاش في قصور، وعاش في لذات، لا تغتر بهؤلاء، فإن الله يملي للظالم ثم إذا أخذه لم يفلته ، فقد يملي للناس بأسباب كثيرة، وقد يعذب الله الظالمين بالظالمين كما قال : وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام:129]، وقال تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42].
فلو أنه سبحانه عذب كل إنسان فعل المعصية ما بقي أحد، هلك الناس، لو أن كل عاص عوجل بالعقاب وهلك ما بقي أحد، قال تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [النحل:61]، وفي الآية وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [فاطر:45]، لكنه يملي لكثير، يملي لكثير، ولا يغفل، ويعجل العقوبة لآخرين -سبحانه وتعالى-.
فاحذر أن تكون ممن يغتر بإملاء الله وإنظاره، فتهلك مع من هلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله، احذر غضب الله، ولو أملى لك، احذر غضب الله، ولو أملى لك، فقد يملي لك فتكون مع الهالكين، وتهلك مع من كفر بالله وعصاه، ولكن خذ حذرك دائمًا، خذ حذرك أبدًا وأينما كنت من شر الذنوب والمعاصي، فقد توصل للكفر بالله، المعاصي بريد الكفر، فقد تجر صاحبها إلى الكفر بالله حتى يخرج من دينه بالكلية، بينما هو في المعاصي والأغاني والملاهي إذا هو بعد هذا مع من ترك الصلاة، فيكفر بالله بتركه الصلاة، إذا هو مع المستهزئين بالدين، فيكفر باستهزائه بالدين، إذا هو مع المكذبين، فيكفر مع المكذبين، نسأل الله العافية، فالمعاصي تجر إلى شر عظيم، قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66]، فالمعاصي شرها عظيم، وعواقبها وخيمة، فقد تجر صاحبها إلى أنواع الكفر والضلال، فاحذرها دائمًا، وبادر بالتوبة والإصلاح، وكلما زلت القدم فبادر بالتوبة، والله يتوب على التائبين ، ولا تقنط ولا تيأس أبدًا، كما قال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، أجمع العلماء على أنها في التائبين، هذه الآية في التائبين، وأنهم متى تابوا تاب الله عليهم، قال تعالى: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].
فعليك بالتوبة، والرجوع إلى الله، والحذر ولزوم الطريق السوي، وسل ربك الإعانة والتوفيق والقبول، هذا هو الواجب على كل إنسان، وكل مكلف، وكل مسلم أن يسلك طريق النجاة، وأن يستقيم على طريق النجاة، وأن يجاهد نفسه في ذلك، ويحاسبها، وأن يسأل ربه التوفيق، يسأل ربه الإعانة، هذا هو طريق النجاة، أما أن تصحب الهالكين وتأنس بهم وتعمل أعمالهم وتتمنى الأماني هذا هو الغرور، والخطر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.