والسادس: الإيمان بالقدر، وقد سمعتم شأن الإيمان بالقدر، وهو أصل من الأصول، وكل واحد من هذه الأصول من جحده كفر، من جحد الإيمان بالله أو جحد الإيمان بالملائكة أو بالرسل أو بالكتب أو باليوم الآخر أو بالقدر وقال: إن الله لا يعلم الأشياء ولم يقدرها كفر، كل من جحد واحدًا من هذه الأصول كفر، نسأل الله العافية، لا بد من الإيمان بها.
وهذا الإيمان بالقدر يشمل أمورًا أربعة -كما سمعتم- كلها داخلة في الإيمان بالقدر، الإيمان بعلم الله الأشياء، كونه يعلم الأشياء كلها وأنه كتب كل شيء وأحصى كل شيء وأنه يعلم كل شيء لا يكون في ملكه ما لا يريد، وأنه سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه الخالق لكل شيء، ليس في الوجود شيء إلا بخلقه اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62]، هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر:3]، هذا مجموع ما يتضمنه الإيمان بالقدر.
إيمانك بقدر الله يشتمل على إيمانك بأنه علم الأشياء، فإنه قد أحصى كل شيء علمًا ، وأحاط بكل شيء علمًا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231]، لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12]، ومن ذلك علم أعمالنا وحسناتنا وسيئاتنا وما قدمنا، وقد كتب كل شيء سبحانه وتعالى كما قال : أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70]، وقال: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22]، ويقول النبي ﷺ: إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء.
قد قدر كل شيء ، وعلم كل شيء جل وعلا، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن سبحانه، وهذا هو الأصل الثالث أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فأفعالنا وأقوالنا وما يقع من موت أو حياة أو ملك أو نزع ملك أو حرب أو سلم أو غير ذلك كله بمشيئته ، لا يقع في الدنيا شيء بغير مشيئته جل وعلا، قال جل وعلا: فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [المدثر:55-56]، وقال: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29]، وقال سبحانه: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]، فكل شيء بيده جل وعلا، وكل شيء بمشيئته، لا يكون في ملكه ما لا يريد، بل قدر ما شاء الله بما سبق به علمه من طاعات ومعاصي وآجال وأرزاق، وكل شيء يقع على وفق علمه سبحانه، والعباد لهم مشيئة، ولهم إرادة، ولهم أفعال أقدرهم الله عليها، جعل لهم أفعالًا وجعل لهم مشيئة وجعل لهم اختيار وجعل لهم إرادة يجازون عليها يحاسبون عليها، كما قال سبحانه: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29]، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [المدثر:55-56]، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ [النمل:88]، وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [هود:123]، لهم أعمال ولهم مشيئة ولهم إرادة تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [الأنفال:67].
فالعبد له إرادة يصلي ويصوم بإرادته، يزني ويسرق ويظلم بإرادته له مشيئة وله إرادة، فهو مجاز على عمله الطيب من صلاة وصوم وإحسان وصدقة ونحو ذلك، ومستحق للعقاب على ما فعل من السوء من زنا وسرقة أو ظلم أو غير ذلك من سائر المعاصي، فله سيئاته وله حسناته، لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [البقرة:286].
فعلى المؤمن أن يؤمن بهذا، وهو الأصل السادس الإيمان بالقدر خيره وشره، وأن تعلم أن الله قدر الأشياء كلها، الأرزاق والآجال والأعمال وأنت في بطن أمك يقدر عليك حتى الشقاوة والسعادة، الجنين في بطن أمه يقدر عليه ذلك من القدر السابق تفصيل من القدر السابق، هناك قدر سابق وهناك تقدير عمري يكتب على الإنسان في بطن أمه، وهناك تقدير سنوي في ليلة القدر، وهناك تقدير يومي يفعل ربك ما يشاء، كل يوم كل يوم هو في شأن جل وعلا.