كذلك الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام، فالله أرسل رسلًا كثيرين وأنبياء لدعوة الخلق إلى توحيد الله وطاعة الله وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، ومنهم من قصه الله علينا، ومنهم من لم يقص علينا.
وسمعتم ما جاء في بعض الروايات من الرسل أنها ثلاثمئة وبضعة عشر، وفي الأنبياء أنهم مئة ألف وأربعون وعشرون ألفًا، لكن في أسانيدها نظر عند أهل العلم، والمقصود أنهم كثيرون، فالأنبياء كثيرون، والرسل أخصهم وأفضلهم، والأنبياء أكثر، والرسل جمعوا بين النبوة والرسالة إلى الخلق لدعوتهم إلى طاعة الله وتوحيده والإخلاص له وإنذارهم بأسه ونقمته.
وقد عرف الرسول بأنه يوحى إليه، ويؤمر بالتبليغ، والنبي هو الذي يوحى إليه ولكن لم يؤمر بالتبليغ، هذا أحد التعريفين، والتعريف الآخر أن الرسول هو الذي يستقل بالشريعة، كموسى استقل بالشريعة، وأنزل الله عليه التوراة، ومحمد عليه الصلاة والسلام، وهود وصالح وإبراهيم ونحوهم.
والأنبياء يقال لهم: رسل أيضًا، ولكنهم تابعون لغيرهم، كأنبياء بني إسرائيل التابعين لموسى، التابعين لشريعة التوراة، وهم رسل لكنهم تابعون لشرائع نزلت على رسل قبلهم، كالتوراة المنزلة على موسى فإن من جاء بعدهم من داود وعيسى كلهم تابعون لهذا، وهكذا بقية الأنبياء من بني إسرائيل من ذرية إبراهيم جاؤوا بعد ذلك وصاروا تابعين لهذه الشريعة التي جاء بها موسى عليه الصلاة والسلام، ولكن حصل فيها بعض التخفيف والتيسير على يد من بعده من الرسل، كما جرى على يد عيسى عليه الصلاة والسلام من تخفيف بعض ما حرم عليهم، وبيان بعض ما اختلفوا فيه.
المقصود أن الله جل وعلا أرسل الرسل وأوحى إلى الأنبياء بما فيه صلاح العباد، وبما فيه نجاتهم، وتوجيههم إلى الخير، وإنذارهم من الشر، وإقامة الحجة عليهم، حتى يعلموا دين الله، وحتى يعرفوا أسباب السعادة، وحتى يعلموا أسباب الهلاك، فيأتوا الحق على بصيرة، ويدعوا الباطل على بصيرة، إقامة الحجة أقام الله الحجة وقطع المعذرة بالرسل وبالكتب المنزلة عليهم فضلا منه ، وقد بين الطريق، وأوضح الصراط المستقيم بما أنزل من الكتب، وبما أرسل من الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فعلى المؤمن أن يؤمن بهم، يعلم يقينًا ويؤمن ويصدق أن الله جل وعلا له ملائكة نوعهم في طاعته سبحانه وتعالى، وله كتب أنزلها على أنبيائه ورسله، ويؤمن بما خص من ذلك ما خص من الملائكة آمن بهم مفصلًا كجبرائيل وميكائيل وإسرافيل ومالك خازن النار ونحو ذلك، ويؤمن بما فصل من الكتب كالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن وصحف إبراهيم وموسى، وكذلك الرسل الذين سماهم الله آمن به كنوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وموسى وعيسى وداود وسليمان ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وآدم أبونا عليه الصلاة والسلام أوحى الله إليه، وجعل له شرعًا يسير عليه.