وكفى في التحذير من هذه الجريمة العظيمة قوله سبحانه في كتابه العظيم: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]، قرن الله قول الزور بالشرك جعله قرين الشرك، والشرك أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ يعني: عبادة الأوثان، وهي الشرك بالله ، سمى الله الشرك رجسًا؛ لأنه أنجس النجائس، وأخبث النجائس المعنوية، وقال في أهله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28].
فالشرك نجس وأهله نجس، لخبث أعمالهم، وخبث عقائدهم، فقرن قول الزور بهذا الذنب العظيم، وهو الشرك، فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ [الحج:30- 31]، فلولا أن قول الزور ذنب عظيم لما قرن بالشرك بالله ، ولا يختص كما بين الشيخان لا يختص ذلك بالشهادة عند القاضي، قول الزور هو قول الزور، وإن كان عند غير القاضي، وإن كان في المجالس، وإن كان فيما بينك وبين فلان وفلان هو قول الزور، وقد يترتب عليه عند غير القاضي شرور أكثر، قد تكون الشهادة عند القاضي في مسألة خاصة، وقد يترتب على قول الزور في مواضع كثيرة شرور كثيرة، فقول الزور محرم عند القاضي، وعند غير القاضي.
وفي الصحيحين عن أبي بكرة الثقفي رضي الله تعالى عنه عن النبي ﷺ أنه قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ يقولها ثلاثًا عليه الصلاة والسلام، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله بدأ بالشرك لأنه أعظم الذنوب؛ لأن من مات عليه صار إلى النار مخلدًا فيها أبد الآباد، نعوذ بالله كما قال : إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72]، وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
فالشرك أعظم الجرائم، ولهذا بدأ به فقال: الشرك بالله، ثم قال: وعقوق الوالدين هذا الذنب الثاني: عقوق الوالدين الأب والأم؛ لأن عقوقهما من أقبح القبائح، ومن أكبر الكبائر، بعد إحسانهما إليك وتربيتهما لك وصبرهما عليك وعلى أذاك وتعبك تقابلهما بالعقوق؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الثالث: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور قال أبو بكرة: وكان متكئًا عليه الصلاة والسلام حين قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين كان متكئا، ثم انتصب عليه الصلاة والسلام وقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور فما زال يكررها يكرر ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور، حتى قال الصحابة: ليته سكت، يعني إبقاء عليه رحمة له من شدة ما كرر عليه الصلاة والسلام، لئلا يتعب عليه الصلاة والسلام، لماذا كرر؟ لأن الخطر العظيم في قول الزور وإلا الشرك أكبر والعقوق أكبر، لكن لما كان قول الزور يتعلق بالمجتمع يتعلق بالناس يتعلق بضرر الناس ومصالح الناس ويعم ضرره كرر الكلام في قول الزور؛ لأن ضرره عظيم، يتعلق به سفك الدماء، وهتك الأعراض، وأخذ الأموال، وغير هذا من شؤون المسلمين، يترتب على قول الزور شيء لا يحصى من البلاء والشر والفساد، ومع ذلك بعض الناس لا يدري هذا، ولا يعرف عواقب هذا، بل يشهد لصديقه وقريبه وصاحبه وبمادة من المال بغير حق، نعوذ بالله من ذلك، وهذا من ضعف الإيمان، أو عدم الإيمان، نسأل الله العافية، ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور.