الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها صاحبا الفضيلة الدكتور عبدالرحمن الدرويش، والدكتور أحمد الشريف في موضوع المسكرات وأخطارها وأضرارها، وما جاء به الشرع المطهر من تحريمها، والتحذير منها، ولقد أجادا وأفادا وأوضحا الأدلة والمعاني الكثيرة التي تدل على شدة تحريم المسكرات، وعلى عظم أخطارها على النفس والدين والصحة والمجتمع، فجزاهما الله خيرًا، وضاعف مثوبتهما، وزادنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وبما علمنا، إنه جل وعلا خير مسؤول.
أيها الإخوة في الله: مما سمعتم في هذه الندوة وتعلمون يقينًا أن المسكرات من أعظم الكبائر ومن أقبح السيئات، وأن تحريمها معلوم من الدين بالضرورة، وقد قامت عليه الأدلة من الكتاب العزيز والسنة المطهرة وإجماع أهل العلم، وقد علمت أضرار المسكرات وما يترتب عليها من الفساد العظيم في المجتمعات الإسلامية وغيرها وما يحصل بها من الضرر العظيم على العقول والأبدان والأموال، وأعظم من ذلك ما يترتب عليها من إفساد الدين والأخلاق، فالواجب على كل مؤمن أن يحذر ذلك، وأن يحذر غيره ذلك، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا خطب الناس وذكرهم يقول: فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، وفي لفظ: رب من يبلغه أوعى له ممن سمعه، فعلى المسلم إذا سمع العلم والفقه في الدين وما قاله الله رسوله أن يبلغ ذلكم حتى ينتشر العلم، وحتى تقوم الحجة، وحتى تقل المنكرات وتكثر الخيرات، وحتى يقوم بواجبه في النصيحة لله ولعباده، هذا المجتمع المسلم شيء واحد جسد واحد وبناء واحد يجب عليه أن يعمل بالنصيحة، وأن يتعاون على البر والتقوى، وأن يسعى في صلاح أفراده كما قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، وهم إخوة يجب الإصلاح بينهم، وهكذا يجب تحذيرهم مما يضرهم، وأمرهم بما ينفعهم، وقال جل وعلا أيضًا: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2]، فنحن مأمورون بالتعاون على البر والتقوى، ومن ذلك تبليغ العلم، وإنكار المنكر، والنصيحة لله ولعباده، وإقامة الحدود الشرعية، والأخذ بوسائل العافية والسلامة، وترك التعاون على الإثم والعدوان، فالتعاون على الإثم والعدوان فيه ضد التعاون على البر والتقوى، فيه نشر للشر والدعوة إلى الشر، والإعانة على فعل الشرك، وأن يكون ذلك الذي تعاون مع غيره على الإثم والعدوان يكون ساعيًا في إفساد أمور الناس، وساعيًا في إفساد المجتمع، وساعيًا في نشر الجرائم، وساعيًا في إظهار المنكرات، وساعيًا في إفساد العقول وإفساد الأبدان والأديان، ولهذا توعده الله بقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] يعني: اتقوا الله فيما تأتون وتذرون في التعاون على البر والتقوى والقيام بذلك، وفي الحذر من ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، فالله شديد العقاب لمن خالف أمره، وارتكب نهيه.