ولا شك أن العلم نوع من الشفاء، قال الله جل وعلا: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82]، وقال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57]، فالقرآن العظيم أعظم شفاء لما في الصدور من سائر الأمراض: مرض الشرك، ومرض الكبر، ومرض المعاصي، ومرض الحسد، وغير ذلك، فهو شفاء لما في كل الصدور من أمراض، وهو شفاء أيضًا لأمراض المجتمعات من الشرك فيما بينهم والمعاصي والتحاسد والتباغض والتعاون على الإثم والعدوان إلى غير ذلك.
وكذلك يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه لما سئل عن قوم أفتوا بغير علم، قال: ألا سألوا إذ لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال، فشفاء العي وهو الجاهل السؤال عما يجب والتفقه في الدين، هذا هو شفاء جهله، وما أصابه من الشكوك في أحكام الله شفاؤه أن يتعلم ويتبصر حتى لا يفتي نفسه ولا يفتي غيره إلا بعلم، إنما شفاء العي السؤال، فالتعلم والتفقه من أسباب الشفاء من أمراض الشكوك والأوهام، قال النبي عليه الصلاة والسلام: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، فالمعنى أن من لم يرد به خيرًا لا يفقه في الدين، نعوذ بالله.
فالتفقه في الدين من أعظم الأسباب لنجاتك وسعادتك، وطريق الفقه في الدين هو تعلم كتاب الله، والتفقه في كتاب الله وبسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي أخبار أصحاب رسول الله ﷺ وما ساروا عليه، وكذلك ما سار عليه أتباعهم بإحسان، هذه هي الطريق التي بها العلم النافع، وبها السلامة من أمراض الشكوك والأوهام وأمراض الشهوات، فإن الإنسان كلما زاد علمه بالله وبالآخرة وكلما زاد علمه بأسباب النجاة وأسباب السعادة صار ذلك أقرب إلى بعده عن المحارم إلى تركه للشهوات المحرمة؛ لأنه يخاف الله ويراقبه، ويعلم ما في قربانها، وما في ....... من الشرور والعواقب الوخيمة، فيدعها خوفًا من الله وتعظيمًا لله، وحذرًا من عقابه ، وهكذا مرض الشبهات كلما زاد علم الإنسان بالله وبدينه من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام زاد سلامة وزاد عافية من تلك الشبهات والأمراض المتعلقة بالشكوك والشبهات؛ لأن علمه وبصيرته أزالا عنه كثيرًا من تلك الشكوك والأوهام، وربما زاد علمه وزادت بصيرته حتى لا يبقى معه شك، وحتى لا يبقى معه ريب، لكمال بصيرته بالله وبدينه، وبما جاء به نبيه عليه الصلاة والسلام.