الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك، والشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين، والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي، جزاهم الله خيرًا، وضاعف مثوبتهم، فقد أجادوا وأفادوا وأوضحوا ما ينبغي إيضاحه في موضوع بدع رجب، وقد بين المشايخ ما يجب في هذا المقام، فإن رجب هو أحد الأشهر الحرم التي نص عليها في الجملة القرآن العظيم، وبينها الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام، فهي ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وهو عاشوراء، والرابع رجب الفرد الذي بين جمادى وشعبان، والله عز وجل بين حرمتها، وحذر من الظلم فيها، وحذر من إخلالها كما قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ [المائدة:2] حيث قال : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [البقرة:217]، وقال : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36]، فحذر من ظلم النفوس فيها، ومعلوم أن ظلم النفوس أمر محرم مطلقًا في جميع الزمان والمكان، ليس للمؤمن وليس لأحد أن يظلم نفسه بالمعاصي والشرور، وأعظمها الشرك بالله ، فليس لأحد أن يظلم نفسه بما حرم الله عليه، لا في الأشهر الحرم، ولا في غيرها، ولا في أي مكان، ولكن الله خص الأشهر الحرم بمزيد تأكيد للتحريم، وأن الظلم فيها يكون أشد إثمًا وأعظم جريمة، كما أن المعاصي في الحرم الأرضي في الحرم المكاني حرم مكة وحرم المدينة أشد إثمًا وأعظم في الجرم حتى جعل الله جل وعلا الهم بالمعصية محل وعيد في الحرم المكي حيث قال سبحانه: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]، فهذه الأشهر كانت معظمة حتى في الجاهلية، وكانت في الجاهلية يتحاججون فيها، جعلها الله محل أمن لهم يسافرون فيها لأداء المناسك ولحاجاتهم وتجاراتهم، فإذا خرجت ثارت الفتن بينهم.
وسمعتم ما ذكر المشايخ من اختلاف العلماء هل هذه الحرمة باقية أم لا؟ فأكثر أهل العلم على أن هذه الحرمة نسخت، وأن قتال النبي ﷺ لأهل الطائف وقع في الشهر الحرام، وأن الصحابة في غزواتهم لم يتقيدوا في غزواتهم وقتالهم بغير الأشهر الحرم، وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن تحريمها باق وأنه لم ينسخ، احتجوا بما سمعتم من الأدلة والمائدة من آخر ما نزل وفيها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ [المائدة:2]، وفيها قوله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ [المائدة:97]، والبقرة مدنية وفيها: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [البقرة:217]، ولهذا ذهب جمع من أهل العلم إلى أن تحريمها باق، وأنه لا يجوز بدء القتال فيها، أما إذا بدأنا الكفرة فإننا نقاتلهم فيها كما لو بدأونا في المسجد الحرام وهو أعظم، كما قال سبحانه: وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ [البقرة:191].