فالأصل هو التحريم هذا هو الأصل والقاعدة، القاعدة الكلية والأصل المجمع عليه هو تحريم السفر إلى بلاد أهل الشرك، وتحريم الإقامة بين أظهرهم؛ لما في السفر إليهم والإقامة بينهم من الأخطار العظيمة على المسلم أن يفتن في دينه حتى يختار الكفر على الإيمان حتى يشكك على الأقل في دينه وحتى يبقى شاكًا هل هو على دين صحيح أم لا، مع الأخطار الأخرى من انحراف الأخلاق والانتكاس في الرذائل والانغماس فيما حرم الله من الزنا والخمور وغير ذلك، مع استحسان الأوضاع الشركية ومدح أهلها أو الترغيب في زيارة بلادهم وأنهم كيت وكيت وأنهم كذا وكذا، وهذا كله واقع من كثير ممن ذهب إلى تلك البلاد وأقام عندهم، وقل من يرجع سالمًا، وقد قال الله سبحانه في كتابه العظيم في سورة النساء: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ[النساء:97] يعني: بالإقامة بين أظهر المشركين قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ [النساء:97] تقول لهم الملائكة يوم قبض أرواحهم: فِيمَ كُنْتُمْ يعني: في أي بلد؟ وفي أي مجتمع؟ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا[النساء:97] هكذا يقال لمن أقام بين أظهر المشركين يقال لهم لماذا أقمتم؟ ....... لماذا أقمتم بين أظهر المشركين؟ وسموا ظالمي أنفسهم بسبب الإقامة الخبيثة بين أظهر المشركين، وهذه الآية جاءت في قصة من قتل مع المسلمين يوم بدر من المسلمين الذي أقاموا في مكة عجزًا عن الهجرة، فقيل: إنهم كفروا بذلك، لأن في إمكانهم التملص من الذهاب معهم إلى بدر، وبإمكانهم وجود حيلة ألا يكونوا معهم، وقيل: إنهم كانوا عصاة ولم يكونوا كافرين بسبب عجزهم عن التملص، وبسبب أن الكفار اضطهدوهم واجبروهم على الخروج معهم حتى قتلوا هناك، وبكل حال فالأمر خطير جدًا، ولهذا قال ابن كثير رحمه الله هنا لما ذكر هذه الآية آية النساء إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ [النساء:97] قال: لأنهم ارتكبوا محرمًا بالإجماع، لأنهم ارتكبوا محرمًا بالإجماع، أو نحو هذه العبارة، وذلك محرم بالإجماع وهو إقامتهم بين أظهر المشركين، وعدم هجرتهم إلى بلاد يأمنون فيها على دينهم وأنفسهم.
الجمعة ٢٠ / جمادى الأولى / ١٤٤٦