فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة فيما يتعلق بالنفقات وتفصيلها، والكسب الصالح والتحذير من الكسب السيئ، ومن البطالة والكسل، قد تولى هذه الندوة صاحب الفضيلة: الشيخ صالح بن علي الناصر، والشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين، وقد أجادا وأفادا وأحسنا وأوضحا ما ينبغي إيضاحه في هذا المقام، وفصلا الكثير من أحكام النفقات، فجزاهما الله خيرًا، وضاعف مثوبتاهما، وزادنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وتوفيقًا وصلاحًا وإصلاحًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا.
من المعلوم أن كل إنسان في أشد الحاجة إلى العلم، في أشد الحاجة إلى أن يعرف ما شرع الله له من واجب ومستحب، وإلى أن يعرف ما حرم الله عليه وكرهه له، وما أباح له، حتى يكون في هذه الدار على بصيرة، وعلى بينة، والله جل وعلا أوجب على المؤمن على كل إنسان على المؤمن أن يتفقه في دينه، وعلى كل إنسان أن يتقي الله، وأن يعبده ويدخل في دينه سبحانه وتعالى؛ لأنه خلق لهذا الأمر، كل الناس خلقوا لهذا الأمر، جميع الناس خلقوا ليعبدوا الله ويطيعوه ويتفقهوا في دينه، كل الناس عربهم وعجمهم عليهم أن يعبدوا الله، وعليهم أن يتقوا الله ، وعليهم أن يتفقهوا في الدين، حتى يعرفوا أحكام الله التي شرعها لهم جل وعلا يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ[البقرة:21] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]، وقد أمر الجميع بالتقوى والعبادة، وبعث الرسل لهذا الأمر، كل رسول أرسل إلى قومه ما أبقى أحدًا سبحانه وتعالى أنذرهم وبشرهم ودعاهم وأمرهم ونهاهم، ثم ختم الرسل عليهم الصلاة والسلام بأفضلهم وإمامهم وخاتمهم نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب الهاشمي العربي المكي ثم المدني عليه الصلاة والسلام، بعثه الله إلى الناس عامة: جنهم، وإنسهم، وعربهم، وعجمهم، أغنيائهم، وفقرائهم، ذكورهم، وإناثهم، حكامهم، ومحكوميهم، كلهم مبعوث إليهم هذا الرسول عليه الصلاة والسلام، كلهم مأمورون أن يدخلوا في دينه، وأن يطيعوه، وأن يقبلوا رسالته، وأن يعملوا بمقتضاها كما قال جل وعلا: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا[سبأ:28]، قال : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، وكتب الفلاح والرحمة لأتباعه والهداية قال: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157]، فجعل لهم الفلاح في اتباع هذا النبي العظيم عليه الصلاة والسلام، وقال: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]، فجعل الهداية في اتباعه، وقال: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور:54] عليه الصلاة والسلام، فعلى جميع الناس أن يطيعوا هذا الرسول وأن يعبدوا الله وحده وينقادوا لشرعه.
ثم خص المؤمنين بأوامر كثيرة؛ لأنهم آمنوا بالله وبرسوله والتزموا شرعه، فأوجب عليهم أن يتقوه وأن يطيعوا أمره، وأن ينتهوا عن نهيه، وأن يستقيموا على شريعته.
وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من أراد الله به خيرًا فقهه في الدين، فقال عليه الصلاة والسلام: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين هذا دليل على من أراد به السعادة أراد به الخير أراد به التوفيق أراد به النجاة أنه يفقهه في الدين، يعني: يتعلم ويتبصر ويتفقه في دين الله حتى يعلم ما عليه وما له، حتى يعلم ما شرع الله له، ما أوجب الله عليه، ما حرم عليه، لا يكون كالبهيمة ليس له هم إلا ما يتعلق بشهوته الحاضرة، بل هو خلق لأمر عظيم ليعبد ربه وليطيع ربه، كيف يطيع ربه وهو لا يتعلم؟ كيف يعبد ربه؟ كيف يعبده بشيء لا يعلمه؟ فهو في حاجة بل في ضرورة إلى أن يعرف ماذا يعبد به ربه بأعمال وأقوال، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله به طريقًا إلى الجنة، وقال: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، ومن ذلك أمر النفقات، فالنفقات من أمر الدين، فعلى المؤمن أن يتعلم ويتفقه ماذا يجب عليه لزوجته وأولاده وقراباته ولضيفه ولمملوكه من بني آدم ومن الحيوانات حتى يكون على بينة على بصيرة.