الأمر الثاني جاء البحث في الندوة عن الاستعانة بالمشرك وأورد بعض السائلين ما هو الجمع بين منع النبي ﷺ الاستعانة بالمشركين في غزوة بدر وما جاء في بعض الأحاديث ما يدل على جواز الاستعانة، وأجاب عنها الشيخ سعود بما سمعتم، ومن باب الإيضاح أقول: إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر في حديث عائشة أنه لما جاءه الرجل يريد أن يعينه وأن يقاتل معه وينصره قال له النبي ﷺ: أسلمت؟ قال: لا، قال: ارجع فلن أستعين بمشرك، ثم تبعه أيضًا وجاء في مكان آخر، وقال: أسلمت؟، قال: لا، قال: ارجع فلن أستعين بمشرك، ثم جاء بعد ذلك فقال: أسلمت، فأقره ﷺ وأبقاه في الغزوة، فهذا يدل دلالة صريحة على أن المشرك لا يستعان به في قتال الأعداء، لماذا؟ لأنه لا يؤمن أن يخابر معهم وقت القتال، وأن يكون على المسلمين وقت القتال ضدهم ما دام مشركًا، فلا يستعان به في قتال المشركين سواء كان وثنيًا أو يهوديًا أو نصرانًيا أو غير ذلك، والوجه في ذلك -والله أعلم- هو أنه لا يؤمن؛ لأنهم عدو لهم كلهم، فإذا كان معنا وجاء القتال والتقى الصفان لا يؤمن أن يلتفت إلينا ويقاتلنا معهم، وأن ينضاف إليهم، وأن يبدأ بنا، فيقاتل من حوله من المسلمين عونا للمشركين، فلهذا لا يجوز الاستعانة في الجهاد بأعداء الله، بل يجب أن يحذروا وألا يبقى منهم أحد مع المسلمين لئلا يضروا المسلمين، ولئلا يخابروا العدو على المسلمين فيضروا المسلمين، أو يسعوا في هزيمة المسلمين مساعدة لإخوانهم الكفار.
أما ما وقع من الاستعانة من النبي ﷺ في أمور أخرى ما لها تعلق بهذا الأمر الذي يخشى منه بل كان ذلك في أنواع أخرى، ويجب الفرق بين شخص أو أشخاص يكونون مع المسلمين في الجيش للقتال وهم كفار فإن فيهم خطرًا عظيمًا وبين الاستعانات الأخرى التي نبينها إن شاء الله، فإن الخطر فيها منتفي، وقد استعان عليه الصلاة والسلام بعبد الله بن أريقط الديلي يدله على طريقة المدينة لما خرج مهاجرًا عليه الصلاة والسلام وكان معروفًا بالنصح للمسلمين، وأنه لا خطر فيه على المسلمين، وهذه الدلالة ليس فيها خطر على المسلمين، فالرسول ﷺ يعرفه والصديق رضي الله عنه يعرفه، فلهذا أتاه دليلًا واستعانا به على الطريق حتى وصلوا إلى المدينة وهو على دين قومه، فمثل هذا لا حرج فيه ليدل القوم على الطريق ليدل المسافر على الطريق مع المعرفة بأمنه وأنه لا خطر فيه، ومن ذلك استعانته بصفوان بن أمية يوم حنين فإنه ما استعان به أن يقاتل المشركين، وإنما أخذ منه دروعًا أخذ من صفوان لما فتح الله مكة لم يسلم، وطلب من النبي ﷺ أن يمهله مدة حتى ينظر في أمره فأمهله النبي ﷺ مدة، ولم يلزمه بالإسلام، بل أمهله وأعطاه من الإبل ما أعطاه تأليفًا لقلبه؛ لأنه من كبار قريش ومن أشرافهم، وبإسلامه قوة للمسلمين ودعوة لغيره إلى الإسلام، كما أعطى حدثاء العهد بالإسلام أموالًا جزيلة يتألفهم على الإسلام، والله جعل في الزكاة وفي بيت المال قسمًا للمؤلفة قلوبهم، الذين أسلموا وهم حدثاء عهد بالإسلام يعطون ليقوى إيمانهم أو ليسلم نظيرهم، أو أناس لهم قوة ولهم شوكة وهم كفار يعطون ليسلموا حتى يقوى بهم المسلمون، وحتى يسلم نظراؤهم، وحتى يكف شرهم، فصفوان بن أمية من هذا الجنس من الشوكة ومن الكبار ولم يسلم، فالنبي ﷺ أقره مدة من الزمن وأعطاه مائة من الإبل يوم حنين يتألفه على الإسلام، وما زال يعطيه حتى هداه الله وأسلم، وقال: "ما كان أحد أبغض إلي من رسول الله عليه الصلاة والسلام وما زال يعطيني ويعطيني حتى صار أحب الناس إلي"، فأسلم رضي الله عنه وأرضاه.
ويوم حنين استعان بدروع ما استعان به ولا خرج به إلى المشركين يقاتل لا إنما طلب منه دروع عارية يستعين بها في القتال، فقال: صفوان أغصبًا يا محمد؟ قال: لا ولكنها عارية مضمونة، قال النبي ﷺ لا ما هو بغصب ولكنها عارية مضمونة، فدفعها إليه عارية، وبعد ذلك أسلم ولم يطالب بها بعد ذلك.
فهذه الاستعانة ليست من جنس المشرك الذي في حديث عائشة ذاك جاء ليعين في قتال أهل مكة في بدر بين المشركين فالنبي ﷺ ما أمنه ولا قبل منه حتى يسلم، وهنا استعان برجل يدله على الطريق وبأدرع من رجل مشرك أخذها منها عارية ثم ردها فلم يقبلها بعدما أسلم.
والمقصود أن الاستعانة تختلف فإذا كانت الاستعانة ليس فيها خطر كاستعانة بدروع أو بمدافع أو بدبابات أو برصاص أو بأشياء تنفع الغزو لا بأس أن يستعين بمشرك بهذا إذا رأى المصلحة في ذلك والحاجة في ذلك؛ لأنه بعيد عن المسلمين ولا يضرهم وجوده، والمال الذي أخذ منه من الدروع والمدافع والطائرات ونحو ذلك تنفع المسلمين وتعينهم على عدوهم، وكذلك إذا بعث من يدلهم على الطريق على بعض الحصون على بعض المدن من أناس معروفين بالدلالة ومأمونين لا يخشى منهم على المسلمين فهذا شيء آخر لا يعارض هذا الحديث الصحيح.