الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها صاحب الفضيلة: الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم، والشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين، فيما يتعلق بأحكام الطلاق، وقد أجادا وأفادا وبينا ما ينبغي بيانه في هذه المسألة، فجزاهما الله خيرًا، وضاعف مثوباتهما، وزادنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وتوفيقًا.
ولا ريب أن موضوع الطلاق موضوع هام والناس بحاجة إلى معرفة أحكامه في كل وقت في هذا الوقت وقبله وبعده، وكثير من الناس كما سمعتم في الندوة يعجلون ويجهلون يعجلون في إيقاع الطلاق ويجهلون أحكامه، فلهذا تقع منهم الندامة كثيرًا، ويحصل منهم التعب الكثير بطلب الفتوى، وربما أتعبوا أيضًا المفتين بسبب كثرة ما يقع من الطلاق وكثرة أسبابه وتنوعها ووجود الكثير من الأغلاط القبيحة في إيقاع الطلاق، والله عز وجل أباح الطلاق لكن بأسبابه الشرعية قال تعالى: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1]، فأذن بالطلاق وأمر به لكن لأسبابه الشرعية، أما بدون أسباب شرعية فلا ينبغي إيقاعه، وأقل أحواله الكراهة، وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»، وهو حديث جيد لا بأس به، وقد أعله بعض أهل العلم بالإرسال، ولكنها علة لا تقدح فيه، فإن الثقة إذا وصل الحديث فهو مقدم على من أرسله عند أهل العلم، والحديث متصل بإسناد جيد، فهو يدل على أنه لا ينبغي إيقاع الطلاق، والأولى عدم إيقاعه، وأنه مباح لكنه مبغوض إلى الله، فيدل ذلك على أن الأولى عدم إيقاعه إلا عند الحاجة إليه.
والطلاق كما سمعتم تختلف أحكامه فينبغي للمؤمن أن يتريث ولا يعجل في الطلاق، وإذا رأى من امرأته ما يكره فلا يعجل، ولينصح وليوجه إلى الخير، وليعمل ما شرعه الله من العظة والهجر عند الحاجة والضرب عند الحاجة، الضرب اليسير غير المبرح الذي يحصل منه التأديب وربما استقامت بعده، أما إذا كان الضرب يدعو إلى الفراق ويسبب فسادًا كثيرًا أو يسبب نزاعًا طويلًا أو يسبب الفراق كما تقدم فالأولى تركه؛ لأن بعض النساء لا يتحمل الضرب ولا يتحمل أهلها ذلك، فينبغي له ألا يعجل في الضرب مهما أمكن، وأن يحرص على حل المشكل بالعظة والتذكير والتوجيه والشكوى لأهلها العقلاء حتى ينصحوها ويوجهها، وهكذا الهجر عند الحاجة إليه فهو من العلاج الشرعي، وأما الضرب فهو آخر الطب عند الحاجة إليه وبعد النظر في عواقبه وألا يقدم عليه إلا عند ظن أنه ينفع ويفيد.