وجدير بنا -أيها الإخوة- أن نهتم بهذا الأمر، وأن يكون العناية بكتاب ربنا تلاوة وتدبرًا وتعقلًا وعمًلا واستفادة، ويكون أيضًا لنا عناية بالتواصي بذلك، لا نكتفي بهذا في أنفسنا بل نتواصى بذلك ونتعاون على البر والتقوى أينما كنا، ننبه الغافل، ونذكر الناسي، ونأمر العاصي بالتوبة إلى الله ونعينه على ذلك، ونشجع المستقيم حتى يثبت على الحق وحتى يستقيم على أمر الله وحتى ينصح لله ولعباده، هكذا أهل الإيمان أينما كانوا، قال الله في حقهم بعدما ذكر صفاتهم العظيمة قال: أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة:71]، هذا يفيدنا أن الرحمة معلقة بالعمل، لما ذكر أعمالهم العظيمة قال: أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة:71] مثل ما قال في الآية الأخرى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:156]، فذكر أنه أوجبه لهؤلاء المتقين المطيعين المنفقين والمتبعين للرسول عليه الصلاة والسلام مع إيمان وتقوى، فهذا شأن أهل الإيمان وهذا شأن ربنا معنا، من أدى حقه استحق الرحمة وفاز بالكرامة وصار مع الناجين السعداء، ومن فرط في أمر الله وركب محارم الله استحق الغضب والبعد، استحق الغضب من الله والبعد من رحمته واستحق العذاب في دار الهوان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن هذا الباب قوله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثم قال: أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ [البقرة:218] فذكر أنهم يرجون لما عملوا، فالمضيع المفرط الغافل عن أمر الله في الحقيقة ليس براج رحمة الله، لو رجاها وأرادها لعمل، لكن لما أعرض وغفل دل ذلك على أنه غير راج لهذه الرحمة غير مريد لها ولهذا ضيع أسبابها وأعرض عن مقتضياتها وعن أعمالها، وهكذا الخائف من النار والمريد السلامة منها لا يغفل عن الأعمال التي تكون سببًا للنجاة، ولا يتعاطى الأعمال التي هي سبب للهلاك، فإذا تعاطى أعمال النار وغفل عن أعمال الجنة دل على أنه هناك مرضًا في قلبه، وأنه ليس براج الرحمة ولا خائفًا من العذاب، ولهذا أقدم على أسباب النار وأعرض عن أسباب النجاة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يرزقنا وإياكم صدق الإيمان والثبات على الحق والهدى، وأن يرزقنا أيضًا العناية بكتابه العظيم تلاوة وتدبرًا وتعقلًا وعمًلا، ثم العناية بسنة رسوله عليه الصلاة والسلام حفظًا وقراءة وتدبرًا وعملًا ونصحًا لله ولعباده، فإن هذا هو طريق النجاة، طريق النجاة هو الأخذ بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام قولًا وعملًا وتبليغًا وإرشادًا ودعوة إلى الحق وصبرًا على ذلك.
رزق الله الجميع الهداية والتوفيق.