وفي آية براءة بيان صفات المؤمنين الناجين السعداء، وهي قوله كما تقدم قوله سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، هؤلاء هم المؤمنون الراسخون في العلم والإيمان، الصادقون الذين عرفوا دين الله وآمنوا بالله وبرسوله، استقاموا على توحيده والإخلاص له، وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه، هؤلاء هم أهل الإيمان، هم الصادقون الصابرون الثابتون الذين يوالي بعضهم بعضًا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، متناصحون متواصون بالحق، متعاونون على البر والتقوى، قد آمنوا بالله ورسوله إيمانًا صادًقا، وقد تعاونوا على البر والتقوى، وقد أبغضوا أعداء الله وقاطعوا أعداء الله، واتخذوهم أعداء، واتخذوا أهل الإيمان أولياء، وصابروا في ذلك وصبروا، ولهذا قال وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، يعني أنصار بعض وأحباء بعض، تعاونوا على البر والتقوى، ويتناصحون.
ثم من صفاتهم أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، بعض الناس قد يكون عنده خير وعنده خوف من الله ومراقبة ولكنه ضعيف منزوي لا يهتم بأمر المسلمين ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، وهذا شأن ضعيف الإيمان، أما المؤمنون الصادقون فهم أقوياء ليسوا أهل كسل ولا ضعف، بل يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كما أمرهم الله، قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، في أهل الإيمان جميعًا خير، ولكن كلما كان المؤمن أقوى في دين الله وأصبر على الدعوة إلى الله وأقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صارت درجته أعلى، وصارت منزلته عند الله أكمل، وصار أجره عند الله أعظم؛ لقوة إيمانه وصبره على نفع الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور والصبر على أذاهم، فهو بهذا له منزلة عظيمة غير منزلة الضعيف الذي من بيته إلى مسجده وحاجاته وليس له عناية بأمر المسلمين وليس له اهتمام بدعوتهم إلى الله ولا أمرهم بالمعروف ولا نهيهم عن المنكر، فذاك له حال وهذا له حال، ويخشى على ذلك الضعيف من خطر الإثم إذا ضيع واجبًا أوجبه الله عليه من الدعوة والإنكار والأمر بالمعروف، فيجب على أهل الإيمان أن ينتبهوا لأنفسهم، وأن يكونوا كما أمرهم الله، وأن يحاسبوا أنفسهم أينما كانوا، في المساجد، وفي البيوت، وفي الطرقات، وفي ميدان الجهاد، وفي الأسفار، وفي مراكب السفر، وفي غير ذلك، أينما كان المؤمن فهو يعلم أن لله عليه حقًا، ويعلم أنه مسؤول عما أعطاه الله من علم وهدى وبصيرة، مسؤول عما أوجب الله عليه من النصيحة لإخوانه ولغيرهم، مسؤول عن توجيه الناس إلى الخير وعن إرشادهم إلى أسباب النجاة، مأمور بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ليس له التغاضي عن هذا والإعراض عن هذا، بل يلزمه أن يقوم بهذا الواجب حسب الطاقة والإمكان، ولهذا قال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71].
فمن صفاتهم أنهم يقيمون الصلاة قولًا وعملًا، فهم دعاة للحق، وهم مع ذلك يسارعون إلى فعل الحق، بعض الناس قد يقول ولكن لا يعمل، وأما أهل الإيمان فهم أصحاب قول وعمل، يقولون ويعملون، ويأمرون بالخير ويسارعون إليه، وينهون عن المنكر ويبتعدون عنه، هكذا أهل الإيمان، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ أيضًا يؤدون حق المال، ويؤدون العبادات البدنية الواجبة من صلاة وصوم وغير ذلك، كما يؤدون الأعمال المالية من زكاة وصدقات واجبة ونفقات، وهكذا العبادات المالية والبدنية من جهاد وحج وغير ذلك، فأهل الإيمان يقومون بما أوجب الله من صنوف العبادة بدنية أو مالية أو مشتركة، يرجون ثواب الله، ويخشون عقابه .
ثم من كمال صفاتهم ومن تمام إيمانهم أنهم يطيعون الله ورسوله في كل شيء، ولهذا قال: وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71]، يعني: ليسوا مقتصرين على الصلاة والزكاة فقط، بل لما كانت الصلاة والزكاة من أهم الفرائض نبه الرب عليهما كما نبه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كونه واجبًا عظيمًا اجتماعيًا عامًا، وأما بقية الأمور فأشار إليها بقوله: وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ[التوبة:71] يعني: في الصوم والحج والجهاد وغير هذا من واجبات الإسلام، هكذا شأن أهل الإيمان من الذكور والإناث.