ثم من الواجب أيضًا العناية بالدعوة إلى الله، وتبليغ الناس دين الله؛ لأن الناس في جهالة، أكثرهم في جهالة، في أشد الحاجة إلى أن يوجه إليهم ما أوجب الله عليهم، وأن يرشدوا إلى ما يلزمهم، ويوضح لهم الحق من طريق كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يلزموا بالحق من رؤسائهم وكبارهم، فإذا انحرف الرؤساء وتركوا الحق ودانوا بالباطل فلا حيلة حينئذ إلا جهادهم أنفسهم، إلا جهاد أولئك الرؤساء الذين تركوا الحق واعتقدوا الكفر بالله والضلالة، وإن تسموا بالإسلام، فالأمر عظيم ويحتاج إلى عناية عظيمة.
فالدول الإسلامية التي الآن يقال: إنها الدول الإسلامية مطلوب منها أن تنصر دين الله، فهي بأسرها محتاجة إلى جهاد، محتاجة إلى توجيه، محتاجة إلى أن يؤخذ على يدها؛ حتى تحكم شريعة الله، حتى تنفذ أمر الله في عباد الله، فليس الأمر بالتحلي، ولا بالتمني، ولكنه يحتاج إلى جد ونشاط، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء قيل: يا رسول الله! من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، وفي اللفظ الآخر: يصلحون ما أفسد الناس من سنتي، فهؤلاء هم الذين يحصل بهم الصلاح عند الغربة، مثل اليوم الغربة العظيمة، الغربة في الحقائق، أما دعوى الإسلام ما هي بغريبة، دعوى كثيرة، ولكن غربة في الحقيقة في تحكيم شريعة الله، وتنفيذ أمر الله، والصدق في ذلك، والغيرة لله، هذا هو الغريب، فالغرباء هم الذين يقومون بإصلاح الأوضاع على ضوء دين الله، على ضوء الكتاب والسنة، الذين يقومون بإصلاح الأوضاع، بادئين بإصلاح أنفسهم، بادئين بجهاد أنفسهم، وأن يكونوا على بصيرة، على علم، على هدى، لا على جهل وضلال، وأن يستعينوا بعلمائهم وكبارهم، ويتشاوروا في ذلك مع كبارهم وأعيانهم من أهل الخير والهدى، حتى يتسنى للجميع إيضاح الحق، ونصر الحق، وإخماد الباطل، والقضاء على الباطل، بالتعاون على البر والتقوى.
فينبغي للمؤمن أينما كان ألا يحقر نفسه، وألا ييأس مهما كان، رجلا كان أو امرأة، ينبغي له ألا يحقر نفسه، بل يقوم بالواجب من الدعوة إلى الله، والتشجيع على الخير، والغيرة لدين الله، وأن يبدأ بنفسه، ولا يقال: الناس هلكوا، لا، من قال: هلك الناس فهو أهلكهم لا، لا تزال بقية بحمد الله لا تزال طائفة على الحق منصورة لا يضرها من خذلها ولا من خالفها، فالواجب تقوية هذه الطائفة، وأن تكون معهم، وأن تساعدها على الحق وعلى ترك الباطل، ولا تزال الأمة بخير وعلى خير إلى أن يأتي أمر الله، إلى آخر الزمان، إلى أن تأتي ريح طيبة، كما قاله النبي ﷺ، ريح طيبة كما جاء في الحديث الصحيح في آخر الزمان يبعث الله ريحًا طيبة كمس الحرير تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ولا يبقى على الأرض مؤمن ولا مؤمنة إلا قبض، ثم يبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة.
وهذا عند تغير الأحوال، وعند تعطيل القرآن، ورفع القرآن، بعد خروج الدجال، وبعد نزول عيسى ابن مريم، وبعد رفع القرآن، وبعد طلوع الشمس من مغربها، وبعد خروج الدابة، بعد ذلك يبقى مؤمنون، يوجد مؤمنون يبعث الله عليهم ريحًا طيبة تقبض أرواحهم جميعًا ثم يبقى الأشرار، وعليهم تقوم الساعة.
فالمقصود أنه ما دام الأمر هكذا فالجهاد واجب، الجهاد واجب، والدعوة إلى الله واجبة، والتعاون على البر والتقوى لازم، من الرجال، والنساء، والرؤساء، والكهول، والشباب، وغير ذلك، كل واحد عليه مسؤوليته، كل واحد عليه جهاده.
وسمعتم الحديث الصحيح الذي ذكره لكم الشيخ محمد الراوي وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام: مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا أن يستقوا الماء صعدوا إلى من فوقهم ليجلبوا الماء من فوق، فقالوا فيما بينهم: لو أننا خرقنا في نصيبنا يعني في الطابق الأسفل خرقنا في نصيبنا نستقي الماء من أسفل يعني ولم نؤذ من فوقنا، قال النبي عليه الصلاة والسلام: فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا تركوهم ينقبون السفينة ويخرقونها من أسفل هلكوا جميعًا، دخل عليهم الماء وثقلت السفينة وغرقت، وإن أخذوا على أيديهم ومنعوهم من الخرق نجوا ونجوا جميعا، هذا المثل العظيم أعظم مثَل مثَّل به النبي ﷺ، أروع مثل وأعظم مثل في صلاح الأمة بالأخذ على أيدي السفهاء، وبهلاكها بترك السفهاء يعبثون، فهلاك الأمة الإسلامية بترك السفهاء يلعبون ويعبثون بمحارم الله، ويضيعون واجب الله، ترك السفهاء في أي مكان سبب الهلاك، سبب الدمار، سبب العقوبات العامة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه والأخذ على أيدي السفهاء، السفيه هو الذي يضيع أمر الله ويجاهر بمعاصي الله وإن كان شيخًا كبيرًا فهو سفيه، وإن كان ابن سبعين سنة أو ثمانين سنة إذا أخذوا على أيدي السفهاء إذا منعوهم من إظهار المنكرات ونفذوا فيهم حدود الله نجوا جميعا، فإن تركوهم وما أرادوا وما فعلوا من العبث بالمعاصي والسيئات وعدم المبالاة لأمر الله وأظهروا المعاصي بين الناس صار ذلك من أعظم الأسباب في هلاك الجميع، وغضب الله على الجميع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والخلاصة كما تقدم أن الواجب على الجميع التعاون على البر والتقوى، الشِّيب والشباب والرؤساء العلماء والأمراء والملوك والرؤساء والرجال والنساء كلهم عليهم مسؤولية، ولكنها تتفاوت بحسب القدرة والعلم، كلما كان علمه أكثر وقدرته أوسع صار الواجب عليه أعظم، والمسؤولية عليه أكبر، وعلى حسب علم الإنسان وعلى حسب قدرته تكون المسؤولية، ويكون الواجب، وإذا تظافرت الجهود وحصل التعاون على البر والتقوى من الجميع حصل الخير العظيم، وصار الناس بطريق سليمة، صاروا في طريق نجاة، واستحقوا من الله النصر فضلا منه وإحسانًا ، وإذا تكاسلوا وتركوا الحبل على الغارب جاءت العقوبات، وعمت النكبات واستحق الجميع غضب الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.