واللسان كما سمعتم خطره عظيم وآفاته كثيرة، يقول : مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، ويقول النبي ﷺ: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، فصمت اللسان وقلة الكلام من أعظم الأسباب للسلامة، ومتى تكلم فهو على خطر، ولهذا سمعتم أن من الحكمة ومن أعظم الفائدة ومن أعظم أسباب السلامة قلة الكلام، وأن كثرة الكلام من أعظم أسباب الخطر والوقوع فيما حرم الله ، ولهذا يقول ﷺ: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، ويقول لمعاذ: وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال : على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، وفي الحديث يقول ﷺ: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالًا يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه، وفي اللفظ الآخر: إن العبد يتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يعني ما يتثبت فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب، وهذا أيضًا خطر عظيم، فالواجب على كل مسلمة وعلى كل مسلمة العناية بهذا اللسان، والحذر من آفاته، والحرص على إشغاله واستعماله فيما ينفع بما شرع الله من قراءة القرآن الكريم، فإنه أعظم الذكر وأكرم الذكر، أعظم الذكر وأفضله كتاب الله عز وجل، فينبغي الإكثار من تلاوته وعمارة الأوقات بالتلاوة مع التدبر والتعقل، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، ويقول النبي ﷺ: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، ويقول: اقرؤوا هذا القرآن فإنه يأتي شفيعًا لأصحابه يوم القيامة، ويقول ﷺ: من قرأ حرفًا من القرآن فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ويقول عليه الصلاة والسلام: الذي يقرأ القرآن وهو ماهر فيه مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق ويتتعتع فيه له أجران.
فأنت على خير عظيم في قراءة هذا القرآن العظيم وتدبره والإكثار من تلاوته والعناية بالعمل، وهكذا الإكثار من ذكر الله التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والدعاء لك وللمسلمين هذا خير عظيم، وهكذا الدعوة إلى الله من طالب العلم يدعو إلى الله ويعلم الناس الخير، هكذا المؤمن والمؤمنة كل منهما يعلم الخير، ويدعو إلى الخير حسب علمه، وينصح ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، كل هذا من الخير، ومن الذكر كما قال : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، وقال سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33]، وقال سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، فالدعوة إلى الخير والنصيحة والتوجيه إلى الخير من أعظم وظائف هذا اللسان، ومن أعظم نعم الله على العبد وعلى الأمة، وعلى المرأة، حتى يستعمل هذا اللسان فيما ينفعه وفيما ينفع غيره من المسلمين وغير المسلمين.
ومن أعظم آفاته أن يستعمله في معصية الله؛ من السب، والشتم، والقذف، والكذب، وشهادة الزور، والدعاوى الباطلة، والأيمان الفاجرة، والغيبة، والنميمة، وغير هذا من آفاته، فعلى العبد أينما كان أن يحذر ذلك، وعلى المرأة أيضًا أن تحذر ذلك، على كل إنسان أن يحذر آفات هذا اللسان، وأن يصونه عما حرم الله، وأن يحذر إيذاء الناس بهذا اللسان، وظلمهم بغيبته، أو نميمته، أو سبه وشتمه، أو كذبه عليهم، أو شهادة الزور، أو غير هذا من آفاته الخبيثة، ويقول ﷺ: من قال لأخيه: يا عدو الله، أو قال يا كافر وليس كذلك إلا حار عليه إلا رجع عليه، نسأل الله العافية، يقول لأخيه: يا عدو الله أو يا كافر أو يا خبيث أو يا ظالم وهو كاذب غلطان ظالم لأخيه بهذا الكلام فيعود عليه هذا الكلام الخبيث، ومن أهم المهمات أن تصون هذا اللسان وأن تحذر شره.
واللسان الثاني: المؤلفات والكتابات، فإن القلم هو اللسان الثاني، كثير من الناس قد يسلم الناس من شر لسانه الطبيعي المعروف الذي هو قطعة منه ولكن قد يضرهم بلسانه الآخر وهو قلمه بكتاباته ومؤلفاته التي تضر الناس، فليحذر أن يكتب إلا ما ينفع المسلمين، وليحذر أن يكتب ما يضر المسلمين لا في الصحف ولا في المؤلفات التي يؤلفها، بل يجب عليه أن يصون لسانه وقلمه عن كل ما يضر المسلمين، وعن كل ما يغضب الله عز وجل، وهكذا ما يلقي في وسائل الإعلام، يجب أن يحذر أن يلقي في وسائل الإعلام ما يضر المجتمع، ويدعو إلى الباطل، وينفر من الحق، فمن كان متكلمًا فليتكلم بالخير والدعوة إلى الخير في خطبه فيما يذيعه فيما ينشره بالقلم وبغير القلم؛ لعله ينجو، ولا ريب أن وسائل الإعلام هي الخطر العظيم، سلاح ذو حدين، فعليك أن تحذر شر هذا السلاح، وألا تسمع إلا ما ينفعك، وأن تحذر ما يضرك، وعليك أن تحذر أيضًا أن تلقي في هذا السلاح ما يضر الناس في أخلاقهم أو في عقائدهم أو في أعمالهم، أما ما ينفعهم فعليك أن تجود به وأن تفعل ما ينفع الناس.
والخلاصة أن ما ذكره الشيخان في أمر اللسان وآفات الأعضاء أمر جدير بالعناية، فعينك عليك أن تحفظها، وسمعك عليك أن تحفظه، وهكذا يدك، وهكذا قلمك، وهكذا جميع جوارحك، عليك أن تصونها عما حرم الله، وأن تستعملها فيما أوجب الله، ويشرع لك استعمالها في كل ما ينفعك، وفي كل ما ينفع الناس، فهذه الجوارح لك أو عليك، لك ولغيرك من المسلمين إن استعملتها في الخير وما ينفع العباد في دينهم ودنياهم، وعليك إن استعملها فيما يضرك أو فيما يضر إخوانك المسلمين أو يضر غيرهم.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية، كما نسأله سبحانه أن يحفظنا جميعًا من شر هذه الجوارح، وأن يعيننا على استعمالها فيما يرضي الله ويقرب لديه.