ولا شك أن التعضيد عن هذا الأمر العظيم ووضع العراقيل والعقبات في سبيله يعتبر من الإثم والعدوان، والله يقول جل وعلا في سورة عظيمة قصيرة رتب عليها الربح والفلاح: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، فالتواصي بالحق يدخل فيه كل أنواع الحق وكل أفراد الحق، فالتواصي بالنكاح وتسهيل وسائله من التواصي بالحق، والتواصي بالصلاة والمحافظة عليها وأدائها في الجماعة من التواصي بالحق، والتواصي بالزكاة وأدائها كما شرع الله من التواصي بالحق، التواصي بصيام رمضان وحفظه وصيانته عما حرم الله من التواصي بالحق، والتواصي بالمبادرة بحج بيت الله الحرام مع الاستطاعة من التواصي بالحق، والتواصي ببر الوالدين وصلة الرحم من التواصي بالحق، والتواصي بالحذر مما حرم الله من الفواحش كالزنا واللواط والخمر وغير ذلك كله من التواصي بالحق.
فالتواصي بالحق يشمل التواصي بفعل ما أمر الله، والتواصي بترك ما نهى الله، ومن جملة ذلك موضوع الندوة -وهو ما يتعلق بالنكاح من جهة البدار به، وتسهيل أسبابه؛ من تخفيض المهور، وتخفيض ما يتعلق بالولائم، وعدم التكلف في ذلك، ومن حث الشباب على البدار، وحث الفتيات كذلك، والتواصي مع الآباء والأمهات والأقارب بذلك-، وكل ما ذكره الشيخان أمر واضح، والمهم هو التنفيذ والعمل.
هذا الذي جد في الناس من تأخير النكاح إلى الانتهاء من الدراسة، ثم بعد الدراسة يتوظف وتتوظف الجارية، ثم متى يكون الزواج؟ ثم طمعه في المال، وطمع البنت في المال، وطمع أهلها في المال يجعلهم يؤخرون النكاح حرصًا على ما يطعمون منها، وما تدرهم عليهم من راتبها، وهكذا الشباب يزين له بعض زملائه أو بعض أعدائه في الحقيقة ونواب الشيطان في التأخير وأن يتمتع بالفواحش والمحرمات، وأن يجعلها أول بدء سيره في هذه الدنيا، ويتمتع بما حرم الله ويؤجل ما أحل الله، ويؤذي الناس بالمغازلات بالتلفونات، وما يقع في الأسواق وغير ذلك من البلاء بين الرجال والنساء؛ كل هذا من الآثار الخبيثة لما يقع من تأجيل النكاح، إما لأسباب شرعية وهو العجز وإما لأسباب غير ذلك، وما أكثره.
وإذا سهلت الأمور وانتدب العقلاء والأخيار في التسهيل في تخفيض المهور وتخفيض الولائم والحرص على التماس الشخص الصالح والبنت الصالحة كان هذا من أعظم الأسباب في تزويج الشباب في وقت مبكر، وتزويج الفتيات كذلك، والتأخير لا وجه له، ولو استدان الإنسان ولو اقترض في هذا السبيل فالله جل وعلا سيعينه ويوفي عنه، يقول الله جل وعلا: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32].
فجعل النكاح من أسباب الغنى إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يعني حين يتزوجون يغنيهم الله من فضله، فالزواج من أسباب الغنى، يتسبب وهي تتسبب، فإذا صلحت الحال بينهما تعاونا وحصل لهما ما يحصل به البلغة والكفاف، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله خرجه الإمام البخاري في صحيحه، فمن أخذ الأموال لقصد الوفاء والأداء ليستعين بذلك على الزواج أو حاجة أهله الشرعية أو قضاء دينه أو ما أشبه ذلك أعانه الله ويسر أمره وأتاح له من الأسباب ما لا يخطر ببال، وإنما المصيبة سوء الظن بالله، أو التقاعس والكسل والعجز وعدم المبالاة.