فعليك أن تأمر زوجتك وولدك -ذكرًا كان أو أنثى- بما أوجب الله، وأعظم ذلك وأهمه بعد الشهادتين الصلاة، فهي عمود الإسلام، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وقد قال الله فيها : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، وقال فيها سبحانه: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، وقال فيها جل وعلا: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] في آيات كثيرات، وقال فيها النبي عليه الصلاة والسلام: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة ، وقال فيها النبي عليه الصلاة والسلام أيضًا فيما رواه مسلم في الصحيح عن جابر يقول عليه الصلاة والسلام: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة، وهذا الكفر الأكبر والشرك الأكبر، ويقول في حديث معاذ: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة.
فعليك يا عبد الله أن تعنى بهذا الأمر، فمتى أصلح الله المرء في إقامة الصلاة والحفاظ عليها أعانه الله على البقية، فهي عمود الإسلام من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وروى مالك رحمه الله في كتابه الموطأ عن نافع مولى ابن عمر رحمه الله قال: كان عمر يكتب إلى عماله يعني إلى أمرائه في الأقاليم ويقول : "إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع". يعني لغيرها أضيع، وروى أحمد رحمه الله في المسند بإسناد جيد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما عن النبي ﷺ أنه ذكر الصلاة يومًا بين أصحابه فقال: من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، نسأل الله العافية.
قال بعض أهل العلم: معنى ذلك أن من ضيعها إما أن تكون أسباب ذلك الرياسة، فيكون من جنس فرعون، فيحشر معه؛ لأن فرعون شغلته الرياسة وأطغته الرياسة حتى تكبر وتعاظم في نفسه، وقال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24]، نسأل الله العافية، يعني حمله هذا الكبر وهذا التعاظم في نفسه إلى أن قال هذه الكلمة الشنيعة: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24]، فأخذه الله وأخذ جنده معه وأغرقه في البحر، فأجسادهم للغرق وأرواحهم إلى النار والحرق -نعوذ بالله من ذلك-، وفي النار أجسادهم وأرواحهم كذلك، نسأل الله العافية في يوم القيامة.
المقصود أن التكبر والرياسة التي تدعو إلى ذلك خطرها عظيم، فمن منعته الرياسة عن الصلاة صار من جنس فرعون، ويحشر معه يوم القيامة -نعوذ بالله-، أما إن شغلته الوزارة عن ذلك فهو شبيه بهامان، وزير فرعون، فيحشر معه يوم القيامة -نعوذ بالله من ذلك-، وهكذا بقية الوظائف من شغلته وظيفته وما يحصل بها من المال عن طاعة الله ورسوله شابه هامان -نعوذ بالله-، فيحشر معه يوم القيامة إلى النار، وهكذا من شغلته الأموال والشهوات عن طاعة الله ورسوله وعن قيامه بهذه الصلاة فهو مع قارون الذي شغله ماله وشهواته عن طاعة الله ورسوله حتى بغى وتكبر فخسف الله به وبداره الأرض، ومن شغلته التجارة والبيع والشراء عن طاعة الله ورسوله والقيام بحقه وعن الصلاة التي هي عمود الإسلام حشر مع أبي بن خلف تاجر أهل مكة إلى النار -نعوذ بالله من ذلك-.
فعليك يا عبد الله بهذا الأمر العظيم مع زوجتك ومع أولادك ومع معارفك وإخوانك ومع جيرانك ومع كل مؤمن في كل شيء في ترك ما أوجب الله وفي فعل ما حرم الله النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل ذلك في أداء ما أوجب الله وفي ترك ما حرم الله هذا هو الأهم المهم، أما التوجيه إلى المستحبات والتحذير عن المكروهات فهذا أيضًا من كمال ذلك من تمام ذلك، مشروع ومأمور به؛ لكن أهم الأمور: العناية بما أوجب الله، والحذر مما حرم الله، والأمر بالمعروف في ذلك، والنهي عما حرم الله، فالمعروف كل ما شرعه الله، والمنكر كل ما نهى الله عنه، فما أمر الله به ورسوله هو المعروف، وما نهى الله عنه ورسوله فهو المنكر، والواجب على أهل الإسلام أينما كانوا رجالًا ونساء أن يأمروا بالمعروف وأن ينهوا عن المنكر وأن يبدؤوا بأنفسهم، على كل واحد من المؤمنين والمؤمنات أن يبدؤوا بأنفسهم، عليهم أن يبدؤوا حتى يكونوا قدوة، كل واحد يبدأ بنفسه حتى يكون قدوة في الخير، وفي فعل ما أوجب الله، وفي ترك ما حرم الله، فإذا بدأ بنفسه كان ذلك أقرب إلى أن يستجاب له، وأقرب إلى أن ينتفع بأمره ونهيه.
رزقنا الله وإياكم الاستقامة، ووفقنا وإياكم للمسارعة لمراضيه، والسلامة من أسباب غضبه وبلائه ، وأسأله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا.