أما عقوقهما فكذلك من أكبر الكبائر، ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ يقولها ثلاثًا: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين فجعله مع الشرك، الإشراك بالله وعقوق الوالدين، ثم قال: وكان متكئًا فجلس، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور هذه ثالثة، شهادة الزور، وقول الزور، هذا يدل على أن العقوق للوالدين وشهادة الزور من أكبر الكبائر بعد الشرك، فيجب على المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من هذه الكبائر العظيمة، وأعظمها الشرك بالله، وهو صرف العبادة أو بعضها لغيره سبحانه وتعالى، كدعاء الأصنام والكواكب والأشجار والأحجار، أو دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات وطلبهم شفاء المرضى ورد الغائب وطلبهم المدد ونحو ذلك.
هذه أشياء واقعة من كثير من الناس، وهذا أعظم الذنوب وأقبح القبائح وأكبر الكبائر، في كثير من الأمصار يجيء الرجل أو المرأة إلى القبر ويقول: يا سيدي فلان! اشف مريضي، اقض حاجتي، المدد المدد، هذا عين الشرك بالله، نعوذ بالله من ذلك، كما يفعل الوثنيون سابقًا عند الأصنام، أو عباد الكواكب مع الكواكب، وهكذا غيرهم من أنواع المشركين، فأعظم الذنوب وأقبحها الشرك بالله عز وجل، ولهذا لما سئل النبي عليه الصلاة والسلام قيل: يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك، هذا هو أعظم الذنوب، أن يدعا غير الله من الأصنام أو الأشجار أو الأحجار أو الكواكب أو الجن أو الأنبياء أو الأولياء أو غير ذلك، يسألون قضاء الحاجة، شفاء المريض، ورد الغائب، إلى غير هذا مما يفعله عباد الأموات وعباد الأصنام وغيرهم، فهذا هو أعظم الشرك، وهذا هو أقبح الذنوب، وهذا هو ضد التوحيد، ضد لا إله إلا الله، ضد توحيد الله والإخلاص له .
ثم يلي هذا ما سمعتم من العقوق، وهو إيذاء الوالدين، وعدم الإحسان إليهما قولًا أو فعلًا، فسبهما ولعنهما وإيذاؤهما بالكلام السيئ من أقبح العقوق، ولهذا في الحديث الصحيح قال عليه الصلاة والسلام: لعن الله من لعن والديه، وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام: من الكبائر شتم الرجل والديه، وفي اللفظ الآخر: من أكبر الكبائر شتم الرجل والديه، قيل: يا رسول الله! وهل يسب الرجل والديه؟ استنكروا هذا؛ لأنه مستنكر شرعًا، وعقلًا، وفطرة، وهل يسب الرجل والديه؟ قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه، يعني الذي يسب الناس يسبون والديه، إذا سب الناس سب والديهم سبوا والديه، فصار سابًا لوالديه؛ لأنه تسبب في سب والديه، نسأل الله العافية.
وسمعتم الحديث الذي ذكره المشايخ النبي ﷺ صعد المنبر وقال: آمين، آمين، آمين، فسألوه فبين لهم ﷺ أن جبرائيل أتاه، فقال: يا محمد! قل: آمين إلى آخره، منها أنه قال: رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف امرئ أدرك والديه أحدهما أو كليهما فلم يدخلاه الجنة، هذا وعيد عظيم أنه أدركهما ولكن لم يحسن إليهما، ولم يقم بحقهما، فلهذا لم يدخلاه الجنة، لم يكونا سببًا لدخوله الجنة؛ لعقوقه، نسأل الله السلامة، فالعقوق لهما والإيذاء لهما بالكلام أو بالفعل من أقبح الكبائر، كذلك قطع النفقة عنهما إذا كانا محتاجين ضعيفين محتاجين وهو يقدر من أقبح الكبائر؛ لأن هذا عقوق ظاهر إذا احتاجا إليه، وهو يقدر على الإنفاق عليهما، ثم قطع ذلك عنهما كان ذلك أيضًا من أقبح العقوق.
والعقوق له عقوبات كثيرة -سمعتم بعضها- منها: أن الوالد قد تجاب دعوته على ولده بسبب العقوق، فيخسر الدنيا والآخرة، نعوذ بالله، وقصة جريج معروفة التي ذكرها النبي ﷺ، كان جريج عابدًا له صومعة عابد..، فجاءته أمه وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا ربي أمي وصلاتي، ولم يجبها، واستمر في صلاته، ثم جاءته مرة أخرى ثانية تقول: يا جريج، فلم يجبها، فقال: أمي وصلاتي، ثم استمر في صلاته، ثم جاءت الثالثة وصادفته في الصلاة أيضًا يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: أمي وصلاتي، فقالت عند ذلك: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، يعني: الزانيات، فأجيبت دعوتها، وسلطت عليه امرأة بغي في بني إسرائيل، قالت لجماعتها: لأفتنن جريجًا، فجاءت إليه تدعوه إلى نفسها، فلم يلتفت إليها، فمكنت نفسها من راع من الرعاة، فحملت، فلما وضعت سئلت ممن هذا الولد؟ قالت: من جريج، كذبت عليه، قالت: إنه من جريج، فصدقها أولئك الذين لهم أهواء، ولهم قصد سيئ في جريج، فجاؤوا إليه بغير حجة ولا برهان، فهدموا صومعته، وكلموه، وآذوه، وعذبوه؛ لأنها قالت: إن هذا الولد من جريج، فصلى ركعتين، ثم قال: اعطوني الصبي، فجاء الصبي فوضع أصبعه على بطنه، وقال: من أبوك، قال: أبي فلان الراعي، سمى أباه، قال: أبي فلان، أنطق الله هذا الصبي الصغير لبراءة هذا العابد، لكنه عوقب بسبب أمه، فعند ذلك استسمحوه، وقالوا: نعيد إليك صومعتك من ذهب، قال: لا بل أعيدوها علي من طين.
المقصود أن خطر العقوق عظيم في الدنيا والآخرة جميعًا، والبر فائدته عظيمة، ومصالحة كثيرة، ومن أسبابه دخول الجنة، والنجاة من النار، وهو عمل صالح، فالبر من أسباب دخول الجنة، والعقوق من أسباب دخول النار.