وأنت لا تدري متى تقوم قيامتك، فقد سمعتم في الندوة كل من مات فقد قامت قيامته، فالقيامة قيامة صغرى وكبرى، فالكبرى يوم القيامة عندما يأذن الله بقيام الساعة، وينفخ في الصور، ويقوم الخلائق بين يدي الله جل وعلا، أما الموت فهو القيامة الصغرى، من مات فقد قامت قيامته، وهو حين ذلك إما أن يبشر بالجنة وإما أن يبشر بالنار عند خروج الروح، يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة: يا رسول الله! أهو الموت؟ فكلنا يكره الموت، قال: لا يا عائشة ولكن المؤمن إذا حضره أجله نزلت عليه ملائكة الرحمة فبشرته برحمة من الله ورضوان، فيحب لقاء الله ويحب الله لقاءه، والكافر إذا حضره أجله جاءته ملائكة سود الوجوه وتبشره بغضب الله ولعنته أو عذابه، فيكره لقاء الله ويكره الله لقاءه.
فالحاصل أن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، والمؤمن يحب لقاء الله؛ لأنه يبشر عند خروج الروح بأنه من أهل الجنة والسعادة، فيحب لقاء الله ويفرح بلقاء ربه، وذاك يبشر بعذاب الله وغضبه وهو الكافر، فيكره لقاء الله ويكره الله لقاءه، بقي العاصي ما شأنه؟ مسكوت عنه، هنا العاصي الذي قد تلبس بما يغضب الله ماذا يبشر به؟ هل يبشر بالجنة؟ أو يبشر بالنار؟ هذا موضع الخطر، وأنت لا تدري هل تبشر بالجنة مع المؤمنين وأنت متلبس بالمعاصي الكثيرة بالخمور والعقوق والمعاصي الكثيرة، أو تبشر بالنار كالكفرة الذين كفروا بالله، فهذا موضع الخطر.
فالواجب على العاقل أن يتقي الله، وأن يحذر حتى لا يبشر بالنار مع الكافرين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: إن على الله عهدًا لمن مات وهو يشرب الخمر أن يسقيه من طينة الخبال، قيل: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار، أو قال: عرق أهل النار خرجه مسلم في صحيحه، وثبت في الحديث أيضًا عنه ﷺ أنه لعن في الخمر عشرة: لعن الخمر، وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمول إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها، هو البلاء العظيم، مع كثرة هذا البلاء اليوم في كثير من الناس -ولا حول ولا قوة إلا بالله-..، وقال ﷺ: لا يدخل الجنة قاطع رحم، وفي العقوق يقول عليه الصلاة والسلام: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا، فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور.
فالمعاصي خطرها عظيم؛ لأنها تهاون بأمر الله، وتساهل بحقه، وجرأة على محارمها، فخطرها عظيم، فيجب الحذر، ثم هي تجر إلى الكفر بالله، كم من عاص جره عصيانه إلى الكفر بالله، بينما هو مع العصاة إذا هو مع الكفرة، تجره المعصية إلى الاستهزاء بالله، وإلى الاستهزاء بدينه، وإلى السخرية بما جاءت به أنبياؤه، فيلحق بالكفرة -نعوذ بالله من ذلك-، تجره المعاصي إلى أن يكذب بالواجب، يجره تساهله بالصلاة في البيت حتى يتركها، فإذا تركها وقع في الكفر بالله -نعوذ بالله-، يجره صحبة الأشرار إلى ترك ما أوجب الله عليه، بسبب صحبته للأشرار فيقع فيما وقعوا فيه، فينسلخ من دينه بسبب ما حصل لهم، صحبة الأشرار والكفار الذين لا يخافون الله ولا يخشونه، فصحبة الأشرار وسيلة إلى النار وإلى الكفر بالله والعياذ بالله.
فالواجب علينا جميعًا الحذر من أسباب غضب الله وأسباب دخول النار، وأسباب أن يبشر عند خروج روحه بالنار، فيكره لقاء الله ويكره الله لقاءه، واليوم الآخر كلكم تعرفون شأنه، الله عظم شأنه يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37]، كل واحد يحب أن تكون له حسنة تنفعه، الأب والولد والأخ والزوجة وغير ذلك كل يقول: نفسي نفسي، لعله يجد شيئًا ينقذه من عذاب الله يوم القيامة.