فهذه الشرور العظيمة التي تظهر بين الناس في كل زمان ومكان وتتفاوت بين وقت وآخر وفي مكان وآخر أسبابها سمعتم بعضها لها أسباب كثيرة، منها الجهل بالله ودينه، فالجاهل الذي لا يتعلم ولا يتبصر يقع في المعصية ولا يشعر، ثم يعتادها، وتكون سجية له، ومنها ضعف الإيمان، يعلم ولكن ضعيف الإيمان قليل الخوف من الله قد قسا قلبه قد مرض قلبه بالمعاصي فهو ضعيف الإيمان ضعيف البصيرة لا يقوى على ترك المعصية وهجرانها والبعد عنها؛ لأن إيمانه ضعيف، ولأن دواعي الشر قد تمكنت من قلبه، والشيطان كذلك أخذ من قلبه نصيبًا، فلهذا هو ميال لهذه الشرور كلما أراد أن ينزع منها بداعي الإيمان غلبه داعي الهوى والشيطان ولا حول ولا قوة إلا بالله، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [يوسف:53]، وهناك كثرة الشر أيضًا، وكلهم ميسور بين يديه وفي بيته، هذا أيضًا من أعظم الأسباب في كونه يباشر الشر لقربه منهم وكونه بين يديه.
وهناك أسباب أخرى وهي المشجعون عليه، والداعون إليه من أهل وإخوة وجلساء وغير ذلك، فالأسباب كثيرة التي تدعو إلى الباطل إلى الكفر بالله والشرك به والمعاصي بأنواعها، والمعصوم من عصمه الله، والمحفوظ من حفظه الله.
وهناك أسباب للسلامة والبعد عن هذه الأخطار، وذلك بالتعلم والتفقه في الدين، والإقبال على دين الله وشرعه، والعناية بالقرآن الكريم، والإكثار من تلاوته وتدبر معانيه، وهكذا حضور حلقات العلم وسماع النصائح والذكرى والمواعظ والخطب، كل هذا من أسباب صلاح القلوب ومن أسباب نورها إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، فإذا حضر حلقات العلم وسمع الخطباء المذكرين بالله وتذكر كتاب ربه وتدبر ما تيسر من السنة استنار قلبه وضعف داعي الشيطان وقوي داعي الإيمان، فلا يزال في قرب من الخير وبعد من الشر، ثم من ذلك أيضًا صحبة الأخيار ومجالستهم والبعد عن صحبة الأشرار، فإن صحبة الأخيار تزيده نورًا وهدى، وتعينه على طاعة الله ورسوله، فالجليس الصالح له أثر عظيم في طاعة الله ورسوله، وفي البعد من الشر، فهو كحامل المسك، إما أن يحذيك، وإما أت تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبًا، والجليس السيء فهو مثل نافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة.
ثم أيضا من أسباب الشر والفساد وعدم السلامة المخالطة لأعداء الله الكفرة، أو السفر إلى بلادهم والاختلاط بهم، فإن هذا من أعظم الأسباب في عمى القلوب، وبعدها عن الخير، واعتيادها للشر، وطمأنينتها إلى الشر، فالواجب على كل مسلم أن يحذر أسباب الشر، وأن يجتهد في أسباب الخير لعله ينجو، لعله يسلم، فإن كل شيء له سبب، فمن أسباب تقوى الله والاستقامة على دينه وصلاح القلوب الإقبال على الله والإكثار من ذكره ، ومن تلاوة كتابه الكريم بالتدبر والتعقل كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، فهو بحمد الله ميسر في بيتك، تقرأ من المصحف، تقرأ عن ظهر قلب إذا كنت حافظًا تسمع إذاعة القرآن وما فيها من الخير، في إذاعة القرآن خير عظيم، وأحاديث نافعة فاستمع لإذاعة القرآن إذا كانت لا تقرأ، واستمع للأصوات الطيبة والقراءات الطيبة لعلك تنتفع بذلك، وهكذا برنامج نور على الدرب فيه خير كثير، وفيه فوائد جمة، فاستمع له بين المغرب والعشاء من إذاعة القرآن ونداء الإسلام، وكذلك في الساعة التاسعة والنصف من إذاعة القرآن ليلًا، فهذا البرنامج فيه خير كثير ومصالح عظيمة.
ثم احذر صحبة الأشرار، وعليك بصحبة الأخيار، وتذكر دائمًا أنك موقوف بين يديه، وأنك مسؤول عن أعمالك، وأنك راجع إليه، فإما الجنة وإما النار، وتذكر أيضًا حضور الأجل وأنك عند الموت تبشر بالجنة أو بالنار، فإن استقمت بالجنة، وإن انحرفت فالنار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذا الزمان قد توافرت فيه أسباب الهلاك، بل كثرت فيه أسباب الهلاك ما بين مسموع، وما بين مقروء، وما بين منظور في البيت وفي السيارة وفي الطائرة وفي القطار، وفي كل مكان ترى وتسمع وتقرأ ما يضرك، وترى وتسمع وتقرأ ما ينفعك، والموفق من وفقه الله، ولكن الشر أكثر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.