الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ محمد بن عبدالرحمن الراوي، والشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين، والدكتور حمد ........ فيما يتعلق بتحريم المسلم على أخيه دمًا وعرضًا ومالًا، وقد أجادوا وأفادوا ووضحوا وبينوا، جزاهم الله خيرًا، وضاعف مثوبتاهم، وزادنا وإياكم وإياهم علمًا وهدى وتوفيقًا، والواجب على المؤمن البدار بالعمل، فإن من توفيق الله للعبد ومن إعانته له ومن إحسانه إليه أن يعمل بما سمع من الخير، وأن يتباعد عن الشر كما يقول جل وعلا: فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:17-18]، فالذين يستمعون الخير ويحفظونه وينفذونه، ويبلغونه على خير عظيم كان المصطفى عليه الصلاة والسلام إذا خطب الناس كثيرًا ما يقول: فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، هكذا ينبغي للمؤمن أن يبلغ أوامر الله ونواهيه، وأن ينصح لإخوانه، وأن يعينهم على الخير، وعلى ترك الشر كما قال الله : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] ومن التعاون على البر والتقوى تبليغ ما تسمع من ندوات ومحاضرات علمية، تبلغ ما حفظت وما استقر في قلبك وما جزمت عليه وعلمته من الخير، وإياك أن تتساهل في هذا الأمر، أو تبلغ شيئًا لم تحفظه، فتقول على غيرك ما لم يقل، ولكن عليك بالإصغاء والاستفادة، وسؤال الله التوفيق والإعانة، ثم اعمل وبلغ، اعمل بما سمعت من الخير واترك ما علمت أنك تفعله من الشر، وبلغ إخوانك من جيران وأقارب وأهل بيت وغيرهم من الأصحاب والمجالسين فتعينهم بتبليغك إياهم على طاعة الله ورسوله، وعلى ترك ما نهى الله عنه ورسوله، والله يقول جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، ويقول سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33]، فالداعي إلى الخير والمعين على الخير على طريق مستقيم، وله أجر عظيم، حتى قال المصطفى عليه الصلاة والسلام يومًا لعلي لما بعثه إلى خير أمره أن يدعو أهلها إلى الإسلام قال: فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم، يعني: خير لك من جميع مال الدنيا من ناقة حمراء كانت العرب تعظم النوق الحمر، والمقصود والمعنى خير لك من الدنيا، وما عليها وقال عليه الصلاة والسلام: من دل على خير فله مثل أجر فاعله، فالدال على الخير له مثل أجر الفاعل، وتحريم الدماء والأموال والأعراض بين المسلمين أمر معلوم من الدين بالنص والضرورة والإجماع.
وقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة كلها دالة على تحريم أموال المسلمين، وعلى تحريم دمائهم، وعلى تحريم أعراضهم، وقد بين النبي ذلك عليه الصلاة والسلام في الأحاديث الكثيرة لما في العدوان والظلم من الشر الكثير والعواقب الوخيمة، وفي حجة الوداع التي هي آخر حجة حجها عليه الصلاة والسلام بعد هجرته لم يحج سواها بعد الهجرة في آخر حياته في السنة العاشرة من الهجرة عليه الصلاة والسلام ودع فيها الناس ولم يعش بعدها إلا قليلًا عليه الصلاة والسلام، قال في خطبته للناس في يوم عرفة وفي يوم النحر: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليعلم الناس أن هذا الأمر عظيم، وأنه خطير، فمكة حرام حرمتها عظيمة، ويوم النحر يوم حرام، وشهر ذي الحجة شهر حرام، فأراد أن يبين لهم ﷺ عظم هذا الأمر حتى يحذروا التعدي من بعضهم على بعض، ثم رفع يده يستشهد ربه عليهم عليه الصلاة والسلام، قال لهم: إنكم تسألون عني فما أنتم قائلون، قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فرفع أصبعه إلى السماء إلى الله يقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، يعني: اشهد علي وعليهم أني بلغتهم.
وهكذا يوم النحر خطب الناس قال لهم نحو ذلك عليه الصلاة والسلام، وفي خطب كثيرة نبههم وحرضهم على التعاون بينهم على البر والتقوى، وحذرهم من ظلم بعضهم بعضًا، حتى قال كلمة جامعة: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، فالمعنى ليس لك أن تأخذ مال أخيك بغير حق لا بالسرقة ولا بالخيانة ولا بالغش في المعاملة ولا بأي حيلة من الحيل ولا بالغصب والعدوان والمكابرة ولا بالربا ولا بغير هذا من طرق الحرام، كما أنه ليس لك أن تظلمه في بدنه لا بالضرب ولا بالجراحة ولا بغير هذا من أنواع الظلم، وليس لك أن تسفك دمه بالقتل وهو أعظمها وأشدها، ليس بعد الشرك جريمة أعظم من قتل النفس بغير حق والعقوق للوالدين وقطيعة الأرحام وشهادة الزور، فالقتل جريمة عظيمة، وعدوان على الأبدان عظيمة، ومنكر شنيع، فلهذا حذر منها عليه الصلاة والسلام، وقد حذر الله منه في قوله جل وعلا: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] هذا في المؤمن، وقال في المعاهد في الكافر المعاهد: من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، تحذير من قتل المعاهدين والمستأمنين، فالدماء شأنها خطير، ولهذا صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء، أول شيء يقضى فيهم الدماء بين الناس في الدماء التي بينهم من القتال والجراحات لخطورتها وعظم خطرها وشرها.
ثم الأموال لها شأن عظيم، فهي تعادل الأرواح، وقد يدافع الإنسان عن ماله مدافعة كبيرة أعظم مما يدافع عن نفسه، فالمال له شأن وله خطر، فالواجب الحذر من أخذ المال بغير حقه، ولكن بطيب النفس بالهبة الشرعية بالمعاملات الشرعية، أما بالظلم والعدوان والخيانات والمكر والكيد والغش ونحو ذلك من الطرق المحرمة فذلك عاقبته وخيمة، يوجب غضب الله، ويسبب غضب الله، ويسبب الشحناء والعداوات والعواقب الوخيمة، نعوذ بالله من ذلك، وهكذا الأعراض خطرها عظيم أيضًا، والغيبة والنميمة شرهما عظيم، وقد سمعتم من المشايخ ما فيه الكفاية في بيان عظم هذا الأمر وخطره، والناس في الغالب إلا من عصم ربك يتساهلون في هذه الأمور ولا يعطونها حقها من الحذر، ولاسيما الغيبة والنميمة تجدهم يستطيبون المجالس التي فيها هتك عرض فلان وفلان، ويرتاحون إلى ذلك، ويوزعون أعراض إخوانهم بالظلم والعدوان، ويكذبون عليهم تارة، ويبهتونهم تارة، ويعلنون عيوبهم تارة أخرى، وهذا مما يسبب الشحناء والعداوات والبغضاء بين الناس، فإن أخاك إذا بلغه عنك أنك قلت فيه كذا وكذا مما يكره تكدر عليه، وربما انتقم منك بكل وسيلة، وربما تكلم في عرضك بما هو أكثر، وكذب عليك {جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ:26]، والغيبة كما قال النبي ﷺ: ذكرك أخاك بما يكره لما سئل عنها قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: يا رسول الله! إن كان في أخي ما أقول؟ قال: فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته، فإن كان فيه فقد اغتبته، وإن كان ليس فيه بل هو بريء فقد بهته مما هو بريء منه اغتبته ظلمًا، ومن عظم شأنها نبه الله عليها في القرآن فقال: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12].
وهكذا النمام خطره عظيم، قال الله فيه سبحانه: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ[القلم:10-11]، فالكذاب والنمام يفسدان في الساعة أكثر مما يفسد الساحر في سنة كما قال بعض السلف رحمة الله عليهم، فجريمة الكذب والنمامة والغيبة هذه الجرائم شرها عظيم وعواقبها وخيمة، ولهذا حذر منها الرب عز وجل، وحذر منها نبيه عليه الصلاة والسلام لما تفضي إليه من الشحناء والعداوات والبغضاء والفتن، وكالفتنة والقتال صار بسبب النميمة والغيبة، فالفتنة صارت بين القبائل وبين أهل القرى، وبين الحمائل والقرابات بسبب النميمة والغيبة حتى قتل في النفوس ونهبت الأموال وانتهكت الحرمات بأسباب الغيبة والنميمة، قال النبي ﷺ: لا يدخل الجنة نمام، النمام الذي ينقل كلام زيد إلى عمرو، الكلام القبيح ينقله من فلان إلى فلان حتى يثير بينهما الشحناء والعداوة، أو من قبيلة إلى قبيلة، أو من قرية إلى قرية، أو من جماعة إلى جماعة، يقول سمعت فلانًا يقول فيكم كذا، يقول فيكم: أنكم بخلاء، أنكم جبناء، وأنكم كذا، أنكم كذا، حتى يثير حفائظهم، وحتى يشب النار بينهم، أو فلان يقول فيك: يا فلان كذا وكذا، يقول: إنك بخيل، يقول: إنك أحمق، يقول: إنك كذا، يقول: إنك كذا، حتى يسبب الشحناء والعداوة بينه وبين أخيه.
فالوصية -أيها الإخوة- الحذر من هذه الأمور، والاستفادة من هذه الندوة، وتبليغ ذلك لإخوانكم ومن يجالسكم وتعرفون، حتى يحذر المسلمون هذه الجرائم، وحتى يبتعدوا عنهما أينما كانوا، وحتى يعتاضوا عن ذلك بسماع القرآن، إذا جلستم واحد يقرأ تستمعون إليه للفائدة، يقرأ ما تيسر من القرآن، تثنون على الله، وتحمدونه، وتصلون على نبيه ﷺ، وتستفيدون من كلام الله عز وجل، كان النبي ﷺ إذا جلس مجلسًا يقرأ القرآن عليه الصلاة والسلام، أو يقرأ بعض الناس، هو يستفيد وهم يستفيدون، والنبي يتكلم ويفسر ويبين لهم المعنى عليه الصلاة والسلام. أو يقرأ أحاديث من رياض الصالحين أو غيره من الكتب المفيدة المعروفة، يقرأ في المجلس حديثًا ثلاثة أربعة تستفيدون، والحديث لا بأس به بينكم في أموركم الخاصة، وفي دنياكم، أو مذاكرة فيما سمعتم في حلقة علم، أو في نور على الدرب، أو في حديث ديني تتذاكرون في ذلك، سمعنا كذا وسمعنا كذا، وأيش معنى كذا؟ وأيش معنى كذا؟ فائدة تستفيدونها أو في شؤونكم الخاصة بينكم ....... ليس فيها غيبة لأحد ولا ظلم لأحد.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية.