بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه المحاضرة القيمة المفيدة من صاحب الفضيلة: الشيخ عبدالرحمن بن حماد العمر في بيان كثير من عقائد الجاهلية وضلالاتهم التي وقعوا فيها، فأنقذ الله من أنقذ منهم بما جاء به نبينا عليه الصلاة والسلام من الهدى ودين الحق، ولقد أحسن أثابه الله فيما بين وأوضح الكثير من عقائد الجاهلية، زادنا الله وإياكم وإياه علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا، وأصلح أحوال المسلمين جميعًا في كل مكان، وزادهم من العلم النافع والعمل الصالح، وأصلح قادتهم ويسر لهم كل ما فيه نجاتهم وسعادتهم في العاجل والآجل.
عقائد الجاهلية لا ريب أنها كثيرة وغريبة وعجيبة بالنسبة إلى ما يقع فيه من يعرف بالعقل العظيم بعد إسلامه، ولكنه في حال الجاهلية وقع فيما وقع فيه الناس من غرائب الشرك والاعتقادات الباطلة، ومن أقبح الاعتقادات التعلق بالأصنام والأشجار والأحجار والقبور والكواكب وغير ذلك، ودعوتها من دون الله، والاستغاثة بها، والنذر لها، ونحو ذلك مما كان يقع في الجاهلية، وكان اعتقادهم أن إيمانهم بأن الله ربهم يكفي، وأنه لا يعبد إلا بواسطة، ويقولون: إنهم عندهم من الأعمال الرديئة والصفات الذميمة ما تجعلهم ليسوا أهلًا لأن يباشروا عبادة الله، بل لا بد من واسطة كما يوسط الوزراء والأمراء في الأمور بين الناس وبين الملوك والرؤساء، فيشبهون الله بخلقه، ثم يشركون به سبحانه وتعالى، فجمعوا بين التشبيه وبين الشرك بالله عز وجل، وكل ذلك من قلة العلم، وكثافة الجهل، وتقليد الآباء والأجداد، ذكر الله عنهم جل وعلا قوله: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23]، فأعظم شيء تعارض به الجاهلية الرسل العوائد التي درج عليها أسلافهم من الشرك وغيره مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ [ص:7]، فهم قلدوا من مضى من المنحرفين الضالين، وساروا على نهجهم الفاسد، وعارضوا الرسل وعادوهم من أولهم نوح إلى آخرهم محمد عليه الصلاة والسلام، فهذه طريقهم، وهذا سبيلهم هو الرضا بما هم عليه من الجاهلية، والأخلاق الفاسدة، وحسن الظن بالآباء والأجداد، وسوء الظن بالرسل وما دعوا إليه عليهم الصلاة والسلام، حتى حل بالكثير منهم ما حل من العقوبات والنقمات.
وقص الله جل وعلا علينا في كتابه العظيم من القصص ما فيه الكفاية والعظة والذكرى، قوم نوح عادوه كثيرًا ورموه بالجنون، ومكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، تسعمئة وخمسين عامًا يدعوهم إلى الله، وينذرهم الشرك، فما آمن معه إلا القليل، والبقية أهلكهم الله بالطوفان بالغرق، وهكذا قوم هود، وهكذا قوم صالح، وهكذا قوم شعيب، وهكذا قوم إبراهيم، وهكذا قوم لوط، استكبروا عن الهدى ورضوا بما كان عليه الأسلاف والضالون حتى أهلكهم الله، فأهلك عادًا بالريح العقيم، وثمود بالصيحة والرجفة، وشعيب كذلك، قوم شعيب بالصيحة والرجفة وعذاب الظلة، وقوم لوط بالخسف والرمي بالحجارة إلى غير ذلك.
فالواجب على كل عاقل وكل مكلف أن ينتبه، وألا ينساق وراء أمور الجاهلية، فكما أن الأولين جرى منهم ما جرى في عداء الرسل والرضا بأمر الجاهلية إلا من رحم الله وهو قليل، فهكذا في عصرنا هذا وما قبله من العصور أكثر الخلق على ما درج عليه الأسلاف والآباء، وإذا قيل لهم: اتقوا الله هذا أمر الله ورسوله، استكبروا عن ذلك وأساءوا الظن بمن قال، ورموه بالجنون، أو بالجهل، أو بمعاداة الأنبياء والصالحين، وعدم احترامهم إلى غير ذلك.
وآخرون استكبروا عن اتباع الرسل واتبعوا الشهوات والأهواء، فالواجب على المكلف أن يحمد الله الذي أعطاه العقل حتى يعرف الخير من الشر والهدى من الضلال، وأن يتعقل ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يتدبر كتاب ربه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وأن يستقيم على ما شرع الله ورسوله، وأن يبتعد عما نهى الله عنه ورسوله من العادات الباطلة والبدع المضلة، وأنواع الشرك والمعاصي يرجو ثواب الله ويخشى عقابه.