كِتَابُ الْجِهَادِ
1271- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِهِ؛ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
1272- وَعَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَأَنْفُسِكُمْ، وَأَلْسِنَتِكُمْ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
1273- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ، هو الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ.
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه، وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.
أما بعد: فهذا كتاب الجهاد، الجهاد مصدر جاهد يُجاهد جهادًا، وهو عند الإطلاق: قتال الكفار لابتغاء مرضاة الله وإعلاء دينه، يُقال له: جهاد، كما قال تعالى: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة:41]، وقال تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف:10- 11]، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111]، والآيات في هذا كثيرة.
فالجهاد أمره عظيم، وهو أفضل الأعمال بعد الفرائض، وهو قد يكون فرضًا، قد يكون فرض كفايةٍ، وقد يكون سنةً، على حسب الأحوال، قد يكون فرض عينٍ: إذا هجم العدو على المسلمين وجب عليهم عينًا أن يُجاهدوا، وكذلك إذا استطاعوا أن يُجاهدوا وجب عليهم فرض كفايةٍ أن يُجاهدوا بما يحصل به المقصود، فرض كفايةٍ إذا قام به مَن يكفي سقط عن الباقي، ويكون سنةً في حقِّ الباقين إذا كان ليس فرضًا عليه صار في حقِّه سنةً، إذا كان هناك مَن يقوم بالجهاد غيره، ولكن جاء يُشارك؛ صار في حقِّه سنةً.
يقول النبيُّ ﷺ: مَن مات ولم يَغْزُ، ولم يُحَدِّثْ نفسَه بالغزو مات على شعبةٍ من النِّفاق، هذا يدل على وجوب الغزو والجهاد، وأنه إذا لم يُجاهد فليُحدِّث نفسه، يقول: لعله يتيسر لي، ينوي في قلبه: إذا تيسر لي جاهدتُ، إذا أمكن لي جاهدتُ، يعني: يكون في قلبه، في باله شيء من هذا المعنى، ما يكون غافلًا، يرجو ما عند الله جلَّ وعلا، وما ذاك إلا لأنَّ الجهاد نصرٌ لدين الله، وإعلاء لكلمة الله، ودعوة إلى ما فيه صلاح الأمة ونجاتها وسعادتها، وتقوية للمؤمنين، وإعزاز لهم، وإذلال للكافرين، وحصر لهم عن أذى المؤمنين.
فمنافعه كثيرة، منها: نصر المؤمنين الداخلين في الإسلام وتكثيرهم، ومنها: إخراج غيرهم من الظلمات إلى النور، وإعانتهم على حرب الشيطان، ومنها: تكثير المسلمين، ومنها: إرضاء الله والتماس ما عنده من الأجر العظيم لمن جاهد في سبيله، فمصالحه كثيرة، وعواقبه حميدة: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [التوبة:120- 121] هذا من فضل الله على المجاهدين.
ويقول ﷺ: جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم، فالجهاد يكون بالمال في إعطاء المجاهدين العاجزين، يُعطيهم مالًا يُجاهدون، يُعطيهم السلاح، يُعطيهم المطيَّة: السيارة، إعطاء الفرس، يُجاهد بماله ونفسه، واللسان بالدَّعوة إلى الله، والتحريض على القتال، باللسان بالدَّعوة إلى الله بتوجيه الناس إلى الخير، وإرشاد الكفار ودعوتهم، وتحريض المسلمين على جهادهم، كل هذا دعوة باللسان، لا يكون غافلًا، بل إما أن يُشارك بماله ونفسه، وإما بلسانه على الأقل، إذا عجز عن النفس والمال جاهد بلسانه بالدعاء للمسلمين بالنصر والتَّأييد، بالدعاء على الكافرين بالخذلان والهزيمة، إلى غير هذا، بدعوته إلى الله، وترغيبه في الإسلام، كل هذا من الجهاد.
الحديث الثالث: يقول ﷺ لما سألته عائشةُ قالت: يا رسول الله، على النساء جهادٌ؟ قال: نعم، جهادٌ لا قتالَ فيه: الحج والعُمرة، فهذا يدل على أن النساء ما عليهن جهاد بالسلاح؛ لأنهن عورة ..... وضُعفاء، فجهادهن الحج والعمرة وأعمال الخير.
وفي اللفظ الآخر عند البخاري: تقول عائشة: يا رسول الله، نرى الجهادَ أفضل الأعمال، أفلا نُجاهد؟ قال: عليكن جهادٌ لا قتالَ فيه: الحج والعمرة، فهذا يُفيد أن النساء عليهن جهادٌ، لكن ليس هو القتال؛ لأنهن عورة وفتنة، ولكن عليهن جهاد بالحج والعمرة، ووجوه الخير، وتعليم العلم، وتعلم العلم، ودعوة الناس إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مثل غيرهن من المسلمين في هذه الأمور: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني جهاد.
وكما في الحديث الصحيح: ما بعث الله من نبيٍّ قبلي إلا كان له حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوفٌ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمرون، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبَّة خردل أخرجه مسلم في "الصحيح".
فالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر جهادٌ مشترك بين الرجال والنساء، والحج والعمرة جهاد مشترك بين الرجال والنساء، والدعوة إلى الله والتَّوجيه إلى الخير وتعليم العلم جهاد للرجال والنساء، أما بالسيف –بالسلاح- فهذا يختصُّ بالرجال.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: ..... يُجاهدن بالمال؟
ج: نعم؟
س: إذا كان للنساء أن يُجاهدن بالمال، فيكنَّ في مرتبة الرجال لذلك؟
ج: الرسول ﷺ قال: عليكنَّ بجهادٍ لا قتالَ فيه: الحج والعمرة، ولكن قد يُقال أنهن يدخلن في الحديث: جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، قد يدخلن في الحديث الآخر، ولكن ظاهر الحديث الصحيح هذا أنَّ جهادهن الحج والعمرة، ولكن لا يُنافي أن يكون من جهادهنَّ أن يُنفقن في سبيل الله؛ لأنَّ الله شرع الجهاد بالمال: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:41]، وقال: جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، فيُشرع لهن إذا كان عندهن مالٌ أن يُساعدن من أموالهن.
س: لما أخبر النبيُّ ﷺ أنَّ عليهن الحجَّ والعمرة، هل هذا يُفيد وجوب العمرة حتى على الرجال؟
ج: العمرة لها أدلَّة أخرى، وهي واجبة على الجميع.
س: لكن هذا من أدلة الوجوب؟
ج: نعم، هذا من أدلة الوجوب، نعم، إذا وجب على النساء فالرجال كذلك.
س: هل يُشترط البلوغ في الجهاد؟
ج: نعم، الصبيان ما هم من أهل الجهاد.
س: مِن المُعاصرين مَن قال: إنَّ الجهاد في الإسلام إنما شُرع للدفاع لا للهجوم؟
ج: هذا باطلٌ، غلط، الله يقول: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة:36]، وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39]، ما قال: حتى لا يتسلَّطوا عليكم، أو قال: حتى لا يضرُّوكم، قال: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ.
س: بهذا يكون الجهادُ مشروعًا دائمًا؟
ج: دائمًا، للدفاع والطلب جميعًا، طلبًا ودفاعًا جميعًا، لكن مع القُدرة.
س: إعداد الدُّعاة ومدّهم بالمال والكتب في ذلك هل يكون من الجهاد؟
ج: من الجهاد نعم: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60].
س: ويدخل في سبيل الله؟
ج: ويدخل فيه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فعلى ولي الأمر أن يعدّ، وعلى كل إنسانٍ يستطيع أن يعدّ: يعدّ نفسه، ويعد سلاحه، ولا سيما إذا صارت الأسباب مُتهيئةً.
س: المرحلة الآن مرحلة غزو فكري، ليس غزو سلاح وحرب؟
ج: الموجود الجهاد الآن بالدَّعوة إلى الله، وإذا يسَّر الله جهادًا بالنفس شارك في ذلك، تكون عنده نيَّة.
س: مَن عرَّف الجهاد بأنه: بذل الجهد في قتال الكفَّار أو البُغاة أو المُحاربين؟
ج: هذا المعنى صحيح، يعني: جهد، سُمي "جهادًا" لأنَّ فيه بذل الجهد، هذا معنى تسميته جهادًا، يعني: فيه بعض الجهد: جهد النفس، جهد المال، جهد الفكر.
س: وجه تشبيه الحج والعمرة للنساء بالجهاد؟
ج: لأنَّ فيهما مشقَّة، قد تكون بلادها بعيدة، ومشقَّة السفر والنَّفقة، والغُربة مشقة.
س: تحديث النفس بالجهاد على فترات أو مرة واحدة؟
ج: لا، يكون على باله، ما هو مفتوح، لا، يكون على باله، إذا حدَّث نفسه على باله متى تيسَّر.
س: هل من ذلك قراءة أحاديث الجهاد؟
ج: نعم؟
س: هل من ذلك -تحديث النفس- قراءة أحاديث الجهاد؟
ج: قراءة الأحاديث، وتعليم الناس الجهاد، وحثّهم عليه، كل هذا.
س: هل يأثم مَن جاهد بدون إذن والديه؟
ج: إذا كان جهاد طلبٍ لا، ما عليه شيء، أما إذا كان دفاعًا فالكل يُجاهد ولو بغير إذن والديه.
س: ولو ذهب وجاهد وقُتل دون إذن والديه؟
ج: على خطر، الرسول ﷺ قال: ففيهما فجاهد إذا لم يرضيا، وقال: ارجع فاستأذنهما، إذا كان ما هو بواجبٍ يستأذنهما.
1274- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَسْتَأْذِنُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1275- وَلِأَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوُهُ، وَزَادَ: ارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أَذِنَا لَكَ وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا.
1276- وَعَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ.
رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَجَّحَ الْبُخَارِيُّ إِرْسَالَهُ.
1277- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالجهاد:
الحديث الأول يدل على أنَّ الرجل إذا أراد الجهادَ يستأذن والديه إذا كانا موجودين، فإن أذنا له وإلا فبرّهما؛ لأنَّ برَّهما والإحسان إليهما واجبٌ، والجهاد تطوع، أما إذا كان الجهادُ فرضًا قد تعيَّن عليه؛ لأن العدو هجم على البلد، فليس فيه استئذانٌ لأحدٍ؛ لا للأبوين، ولا لغير الأبوين، الجهاد واجب متعين، إذا وجب الجهاد فلا حاجة للاستئذان.
وهذا عند أهل العلم محمولٌ على الجهاد المتطوع به؛ لأنَّ التطوع لا يتعارض مع الفريضة، الفريضة مُقدَّمة، فيستأذنهما، فإن أذنا له وإلا فبرّهما، يعني: فعليه أن يبرّهما، أما إذا كان الجهادُ متعينًا: كجهاد الدفاع الذي هجم فيه العدو، أو بين الصّفين، أو استنفره الإمامُ، فهذا ما فيه إذن لأحدٍ، والله جلَّ وعلا أوجب على المسلمين الجهاد لأعدائهم، كما قال تعالى: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:41]، وقال: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39]، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: إذا استُنْفِرتم فانفروا، والله جلَّ وعلا حذَّر من الانصراف عند مقابلة العدو، بل يجب المضي في الجهاد.
فالحاصل أنه إذا كان في حالة التطوع لا بأس أن يستأذنهما، فإن أذنا له وإلا برّهما؛ لأنَّ برَّهما مُتعين.
كذلك الحديث الثاني يدل على وجوب الحذر من الإقامة بين المشركين؛ لأن الإقامة بينهم فيها خطر عظيم من جهة الدخول في دينهم، ومن جهة التَّخلق بالأخلاق المنكرة: بالتساهل بمحبَّة المشركين ومُجالستهم، أو الوقوع في محارم الله من المعاصي والخمور وغير ذلك.
فالحاصل أنَّ الإقامة بين أظهر المشركين ممنوعة إلا بحقٍّ؛ مَن أظهر دينه أو اضطرَّ، المضطر أو مَن أظهر دينه، فإذا اضطرَّ إلى ذلك -لا يستطيع الهجرة- وجب عليه الحذر، ولا بأس بالإقامة عند الضَّرورة، كما أقامت جماعةٌ من المسلمين بين أهل مكة، مع أنهم مُعذَّبون ومُؤذون من أهل مكة لكن الضَّرورة، ومَن استطاع الهجرة هاجر، كما هاجر جعفر وأصحابُه إلى الحبشة؛ لأنَّ الحبشة أقلُّ شرًّا منهم -من أهل مكة- ذلك الوقت.
فالحاصل أنه لا تجوز الإقامة بين أظهر المشركين إلا بشرطين: أحدهما إظهار دينه، أو الضَّرورة، كونه ما يستطيع الهجرة، فإذا اضطرَّ أو أظهر دينه فلا بأس، وإلا فلا تجوز له الإقامة بين أظهرهم، بل يجب أن يُهاجر إلى بلدٍ يأمن فيها على دينه، ولو كانت بلادًا كافرةً؛ لأنَّ بلاد الكفر تختلف؛ بعضها أشدّ من بعضٍ، وبعضها أخطر من بعضٍ، فإذا هاجر من بلدٍ يُؤذَى فيها ويخاف على دينه إلى بلدٍ يأمن فيها ولو كانت كافرةً، كما هاجر المسلمون من مكة إلى الحبشة، فلا بأس، وإذا عجز كما عجز ابنُ مسعود وعمار وغيرهم واضطروا فلا حرج.
والحديث الأخير يدل على أنَّ البلاد التي تُفتح ويظهر فيها الإسلامُ لا هجرةَ منها، ولهذا لما فُتحت مكة قال النبيُّ ﷺ: لا هجرةَ بعد الفتح، ولكن جهاد ونيَّة، وإذا استُنْفِرتم فانفروا، فإذا كان الإنسانُ في بلدٍ كافرةٍ، فأسلم أهلها، أو فُتحت على المسلمين، سقط وجوب الهجرة منها؛ لأنها دار إسلام، كانت مكة بلاد كفرٍ في عهد النبي ﷺ حتى فُتحت، فلما فتح الله على نبيه مكة صارت بلد إسلامٍ، وقال فيها: لا هجرةَ بعد الفتح، ولكن جهاد يعني: لأعداء الله، ونيته، ..... النية الطيبة، وعليه الجهاد، وإذا استُنْفِر -استنفره وليُّ الأمر- وجب عليه النَّفير، كما في الرواية الأخرى: وإذا استُنْفِرتُم فانفروا.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: ترك الهجرة يكون من الكبائر؟
ج: إذا استطاع نعم؛ لأنَّ الله توعَّد مَن تركها بالنار .....
س: الهجرة إلى بلاد الكفار بعدما يُنفى من بلد الإسلام؟
ج: لا، ما هو ما يُنفى، إذا كان يخاف على دينه يُهاجر إلى بلدٍ أحسن منها، ولو كافرة، كما هاجر المسلمون من مكة إلى الحبشة، والحبشة بلاد نصارى.
س: إذا كان البلدُ تكثر فيها البدع؟
ج: إذا تيسرت له الهجرة طيب، لكن ما يجب، ما هي مثل الكفر، لكن إذا تيسرت له الهجرة من بلدٍ ظهرت فيها المعاصي والبدع إلى بلدٍ طيبةٍ فهذا أحسن وأحسن.
س: هل تجوز الإقامة في بلدٍ لا يُقيمون الصلاة؟
ج: هذا ما يُظهر دينه، تجب الهجرة إذا استطاع إلى بلادٍ يُظهر فيها دينه.
س: ما المقصود بإظهار دينه؟
ج: إظهار التوحيد والصلاة ونحو ذلك، ويُصلي، ويدعو إلى الله، ويُقرر التوحيد، وينهى عن الشرك، هذا إظهار الدِّين.
س: مَن قال أنه يقول أنه يُبين لأهل البلد أنفسهم بأنهم على كفرٍ وعلى ضلالةٍ أو يتركهم؟
ج: لا، يُبين الكفر والضَّلال، والتوحيد هذا إظهار الدِّين، ويُصلي الصلاة مع الناس في المساجد، في المحلات التي تُصلَّى فيها، مع بيان التوحيد، وبيان الشرك، هذا إظهار التَّوحيد.
س: إذن يُقال: إنَّ الإقامة في بلاد المشركين من الكبائر؟
ج: إذا لم يُظهر دينه، ولم يضطر.
س: إذا كان يُظهر دينه ما يُلام؟
ج: إذا كان يُظهر دينه قد ينفع الله به، قد يدعو إلى الله، إذا كان على بصيرةٍ فالحمد لله، أما إذا خشي على نفسه تجب عليه الهجرة، أما إذا كان لا، ما يخشى على نفسه، يُظهر دينه ولا يخشى على نفسه فالحمد لله، الصحابة الذين أقاموا في مكة مُضطرين عجزوا عن الذهاب إلى الحبشة.
س: حكم التَّجنس بجنسية بلدٍ كافرةٍ؟
ج: لا، ما يجوز له، قد تجرّه إلى الشرك، ما يجوز تجنسه.
س: ..... من الكبائر؟
ج: يُخشى عليه أن يقع في الشرك؛ لأنهم إذا أعطوه الجنسية قد يُلزمونه بقوانينهم وشُرورهم.
س: لأنه ينساق إلى أحكامهم؟
ج: قد يجرّه ذلك، يُخشى عليه من هذا، فلا يجوز له أخذ الجنسية، أما الإقامة للضَّرورة فلا بأس؛ أقام لعلاجٍ، أو لطلب العلم، أو ما أشبه ذلك، وهو يُظهر دينه، لا بأس.
س: إذا سافر من أجل استيراد بضاعةٍ؟
ج: على خطرٍ، ظاهر الأدلة المنع، إلا إذا كان يُظهر دينه.
س: بالنسبة لغُسل الجمعة: خاصٌّ بالرجال مُستحبّ، وإلا للنِّساء؟
ج: لا، للرجال.
س: فقط؟
ج: نعم؛ لأنه يذهب ويُصلي مع الناس، ولهذا يقول ﷺ: مَن راح إلى الجمعة فليغتسل.